هل تكفي ظواهر الامور للحكم عليها ؟ وهل يمكننا الحكم على الاشخاص من خلال المظهر فقط؟ سؤال محوري تجيب عنه هذه الرواية من خلال اطارين : الاول انساني والثاني معملي. ارجو ان تستمع بها ايها القارئ العزيز.
رنين عال متقطع ومزعج جدا تداخل فجأة مع خلفية من موسيقى غربية صاخبة صادرة من جهاز الكمبيوتر المنتصب امامي وتُصب في اذني من خلال هذه الاسلاك والسماعات الصغيرة. هذا التداخل الفجائي صنع ضوضاء سخيفة جعلتني انتفض مستيقظا.
مددت يدي بسرعة ضاغطا على عدة ازرار محفوظة لكي اسكته وانا لازلت مغمض العينين وحتى دون ان اتبين الوقت الذي كان يشير اليه ذلك التنبيه بدقة. حاولت فتح عيني فصدمتهما قوة اضاءة الشاشة فاغلقتهما بسرعة ثم رفعت رأسي المجهدة من فوق اكوام الابحاث والمراجع العلمية العديدة التي تغطي مكتبي ووقفت.
مددت يداي متمطئا، ثم انتصبت محاولا التغلب على الام ظهري الفظيعة التي سببها جلوسي على المكتب بهذا الشكل. لقد غفوت اثناء قراءة تلك الابحاث.
لقد اقترب موعد مناقشة رسالة الدكتوراة ويجب ان انهي اخر تجاربي واقوم بعمل التحليل الاحصائي للبيانات وجدولة كل النتائج حتى تكتمل كل اجزاء الرسالة.
كان هناك مسئوليات اخرى عديدة تنتظرني: عليّ اولا ان اقوم باداء الصلاة وقراءة الانجيل قبل كل شئ، ثم محاولة الحصول على ملابس نظيفة من وسط تلك الاكوام المبعثرة في شقتي ومن ثم كيّها.
ثم ان امكن – اتمام باقي تلك القصة التي بدأ بكتابتها منذ ليلة امس. ثم وانا اقوم بحلاقة ذقني تذكرت انه يجب علىّ احضار علبة النسكافيه الذي يجعلني استفيق اثناء سهري ليلا في محاولة لانهاء تلك الرسالة في الموعد المناسب.
جففت وجهي بسرعة ومن ثم وقفت للصلاة وبسرعة عجيبة تلوت الصلاة الربانية ورددت مزاميري- فانا رجل كثير المشغوليات ووقتي ضيق جدا ومن ثمّ كان لزاما على اب اعترافي ان يراعي ذلك في تقدير مدة وكمية صلواتي. حين انهيت الصلاة وانا اقبّل صورة الرب يسوع التي اقف امامها احسست بان هناك شيئا يلمع بشدة في عينيه، ولكن لم يكن لدي متسع من الوقت لكي اتبينه جيدا فانسحبت بسرعة لاعداد فنجان القهوة.
اثناء مروري بالردهة ادرت مفتاح التلفاز لاسمع الاخبار.. بحثت عن القدّاحة بين ادوات الطهي.. وانا اعد فنجان القهوة تذكرت مهام كثيرة اخرى ضرورية : ضرورة ارسال سيارتي الى الميكانيكي فالفرامل لا تعمل بالكفاءة المطلوبة ودائما ما انسى تصليحها رغم فداحة ما يمكن ان يحدث نتيجة لهذا العطل.. و آه، دور الشطرنج الذي لم ينتهي منذ مدة ليست بقليلة بيني وبين نفسي فما زال الوزير الابنوس الاسود الخبيث يهدد الملك الابيض القلب في الركن بشماتة قائلا له “كش ملك”. وضع الملك محرج جدا بينما الطابية والحصان الصامدان حول ملكهم ينظرون برجاء الى وزيرهم الملقى خارجا عاجزا، وكأنهم يسألونه المشورة او التدخل يائسين.
كانت المذيعة تقدم نشرة الاخبار الصباحية. سمعت – بدون اكتراث – عن اخبار حروب وقيام مملكة على مملكة، ارهابيين يقومون بتفجيرات في اماكن عدة، جثث واشلاء ودماء تملأ الارجاء في بلدان عدة، وترسم صورة كئيبة بدماء مئات والاف الضحايا، صورة منقوشة على حجارة نقشتها رصاصات في مبان متهدمة. لقد اصبحت هذه الاحداث شبه يومية، حتى اعتاد عليها كل البشر تقريبا.