قبل ان يغلي الماء واثناء تجهيز فنجان النسكافيه فتحت الانجيل لكي اقرأه. كنت قد شارفت على نهاية سفر الرؤيا.. قرأت الاتي: “اخرجوا منها يا شعبي لئلا تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها”… سمعت صوت العصافير تنادي جائعة، يجب عليّ ان اطعم هذه العصافير الجميلة المسكينة.. “في يوم واحد ستأتي ضرباتها. موت وحزن وجوع وتحترق بالنار”.. تثاءبت.. “ويبكي تجار الارض وينوحون عليها لأن بضائعهم لا يشتريها احد فيما بعد.. تململت وغيرت وضعية جلوسي.. “بضائع من الذهب والفضة ..”. كنت قد انتهيت تقريبا من قراءة الاصحاح عندما سمعت صوت غليان الماء، فقلت بسرعة: “ولربنا المجد الدائم الى الابد”، واغلقت الانجيل مقبلا اياه وقفزت الى المطبخ بينما كان المذيع يقدم الفقرة الرياضية وحالة الطقس.
وانا واقف ارتشف من الفنجان بلذة واستمتع بمشهد جيراني وهم يتصايحون داخل غرفهم الخاصة. كانت يديّ تلقي بالحبوب الصغيرة للعصافير الجائعة. الذكر له لون سماوي وهو عصبي المزاج كثير الحركة بينما الانثى بيضاء هادئة ساكنة ولكنها في نفس الوقت غادرة ماكرة فكثيرا ما كانت تنقره في خبث بقسوة وتسبب له الالم والمشاكل. ابتسمت وتذكرت بطل احد الافلام.
تركت الشرفة وتوجهت للصالة وبالذات الى الركن الذي خصصته من شقتي للتأليف والكتابة القصصية. اثناء مروري التقطت بعض قطع الملابس والمتعلقات الشخصية. القطع النظيفة غير متناسقة الالوان مع بعضها نهائيا. ولكن ما العمل فلا وقت لديّ للغسيل المنتظم. من سيراني بهذه الملابس لا يمكن ان يتخيل مركزي العلمي ابدا. وحتى على احسن تخمين. ولكن من حسن حظي اني نجحت في التقاطهم بسرعة اليوم. ففوضوية الاكوام حولي مريعة. تعجبت من كل هذه الفوضى التي اعيش فيها. فكم من مرة قمت بتنظيف وترتيب الشقة ولكن هذه الاشياء اللعينة تعود من تلقاء نفسها الى ما كانت عليه من قبل – دون ان اتمكن من منعها – وبسرعة عجيبة محبطة.
امسكت باوراق القصة التي لم اكتب منها سوى عدة سطور فقط. تذكرت اعجاب جميع اصدقائي وتلاميذي في الخدمة من الموهبة القصصية عندي والتي تتيح لي ان انشر قصة قصيرة كل شهر في المجلة الدينية الخاصة بالشباب. اجتماع الموهبة الادبية الى جانب وضعي العلمي البحت ومركزي الجامعي جعلني ابتسم لنفسي بثقة فهذا شئ امتلكه ولا اعرف له سببا، فقد يكون شعاعا من العبقرية مثلا او نوعا من انواع تهدئة العقل من التفكير العلمي الجاف والجنوح به لمجال اكثر هدوءا وشاعرية اعني مجال الادب.
راجعت ما كتبت بسرعة .. – احببت تسمية البطل بنفس اسمي، فربما اضمّن القصة جزء من سيرتي الذاتية و خبراتي الشخصية – .. دلف المهندس “مختار” بسرعة الى قاعة السفر في مطار القاهرة الدولي. حقيبته الشخصية في يد وجواز سفره في اليد الاخرى..