قالت ونشيجها يمزّق كلماتها:
إسمى (…..)
…أرجوكم لا تقاطعونى ..
ولدتُ فى إحدى المدن الساحلية.
حصلت على ليسانس الآداب ، قسم اللغة الفرنسية ، وكان ضمن دفعتى فى الكلية اثنتان من الطالبات وفدن أيضاً إلى القاهرة مثلى ربطتنا ببعضنا البعض علاقة روحية وطيدة ، وكنا قد اتفقنا على أن نتجه إلى الرهبنة، حالما تتهيأ لنا الظروف،ويساعدنا الله فى التخلص من العقبات المألوفة للرهبنة.
وقد كان..
فقد التحق ثلاثتنا بأديرة ثلاثة (كما نُصحنا سابقاً) وذلك بعد مرور عام ونصف العام على تخرجنا، حيث كنا خلالها قد التحقنا بأعمال مرموقة.
أما أنا فقد رحبوا بى كثيراً فى الدير، وفرحوا بقدومى، لاسيما الأم الرئيسة والتى كانت أقرب إلى الملاك منها إلى الإنسان، وقد أمضيت فترة الأختبار والتى وصلت إلى ثلاث سنوات بخير.
كنت جدّ سعيدة بحياتى الرهبانية الجديدة، أحببت أخواتى، وهن بدورهن احببننى، وكان عددنا فى ذلك الوقت حوالى العشرين راهبة أكثرهن جامعيات.
وكنت أنا ( فى حالى) كما يقولون، كنت أمينة فى تدريبى الروحى، مخلصة فى عملى، محبة لقلايتى، بل إنى اعتدت فى بعض الأوقات على أن أقوم بأداء بعض خدمات للأمهات دون أن يشعرن بذلك، وأقوم ليلاً – والكل نيام- بتنظيف الحمامات وبعض مواضع أخرى فى الدير، ولما عرضت على الأم الرئيسة أن تسمح لى بأن أتولى غسل ثياب الأمهات، اعتذرت لى وشكرتن، وأفهمتنى فى لطف بأن ذلك غير لائق رهبانياً، ولكن يبدو أنها خشيت على من المجد الباطل وأنا مازلت مبتدئة فى الحياة الرهبانية.
ومضت حياتى هادئة..سعيدة..لا شبع من السهر، ولا أرتوى من القراءة..ولا أملّ من الصلاة.
إلى أن كان يوم
حين جاء إلى الدير، شاب مهندس لإصلاح جهاز التدفئة فى عنبر الدواجن الذى أعمل فيه، فى ذلك اليوم لم يستمر إصلاح العطل أكثر من نصف الساعة، غادر بعدها الدير، ولكنه مع مغادرته، غادرنى أنا أيضاً شئ ما!.
فمنذ ذلك اليوم ، وأستطيع أن أقول ، أن حياتى إنقلبت رأساً على عقب ، إذا صليت طاردتنى صورة شاب..أى شاب، وإذا قرأت إكتشفت بعد نصف ساعة من القراءة أننى كنت شاردة!، وإذا نمت حلمت أحلاماً مختلفة..وجديدة ، نوع جديد من الأحلام.
“…أرجوكم لا تسرعوا بالحكم علىّ ، فلن تكونوا أقسى منى على نفسى..”
دموع… ثم استطراد…
ورحت فى الأيام التالية لذلك، أستحضر فى ذهنى أسماء بعض من صديقاتى من الجامعة، اللائى تزوجن وأنجبن، وبعض منهن زارنى فى الدير، ولا أنكر أنهن فاضلات يقمن بدور إيجابى فى المجتمع ودون أن تنال إهتمامهن من علاقتهن بالمسيح،بل كان للمسيح فى حياتهن (نصيب الأسد) بل اعترف أن أكثرهن، كن يفقننى فى نواح ٍ متعددة ، ولكن منذ ذلك الحين تحولت محبتى لهن وتقديرى لهن إلى شكل من أشكال الغيرة..وأحياناً الحسد ، مع مقارنة كاملة ومستمرة بينى وبينهن وحياتى وحياتهن.
وازداد شرودى ولاحظت الأم ذلك ، ولم أكن قد صارحتها بعد، لظنى أنها فترة عصيبة وستمرّ ، ولكن الأم بادرتنى بالحديث معى ، بحنان أم وحنكة مدبرة ، فهى أم بكل ما تحمل الكلمة من معانى ، بل هى لنا فى الدير كل شئ ، الأم والأب والأخت ، بل وأحياناً الإبنة!
فصارحتها بما يعتمل فى صدرى، وأننى أكاد أهوى من علو شاهق ، ولكن الأم طمأنتنى بكلام حلو ، وقالت لى أنها فترة وستمر ، وأشارت علىّ بمزيد من الصوم والصلاة والهروب من الفراغ ، بل طلبت منى طلباً عجيباً وهو أن أدون ملاحظاتى عن نفسى، كل يوم..ربما قصدت بذلك أن أفرغ توتراتى ومشاعرى وأفكارى فى تلك المذكرات.
وحاولت….ولكننى لم أحقق فى ذلك نجاحاً يُذكر.
وأحسست بعد ذلك ، أننى أتقلَّب فوق نار هادئة ، وكثر خروجى من القلاية ، وأصبحت أسترق السمع لأصوات الزائرين ، كلما سنحت الفرصة بذلك ، واتسقط أخبارهم ، وأحس براحة كبيرة فى وجودى بينهم ، ومع كل ذلك كنت فى الليالى
أصرخ بدموع حارقة لا لكى ينقذنى من هذا التغيير الطارئ وإنما لكى يدبر حياتى كما يشاء لأنى اصبحت فى الحقيقة لا أدرى ماذا اصنع .. كنت اشك فى اننى دخلت الرهبنة خلسة.!
وهكذا بدوت وكأنى قصبة تحركها الريح….
لم يكن يهمنى هل يليق بى ان اترك الدير ام لا او كيف سأعيش فى العالم إذا خرجت من الدير أم لا أو كيف سأعيش فى العالم ولكن أكثر ما كان يشغلنى هو التأكد من جدوى استمرارى فى الحياة الديرية
ولا اخفى عليكم أننى فزعت عندما لاحظت قلايتى بالدير قد بدأت أن اسلك بطريقة غريبة وهى الاهتمام بملابسى وشعرى واشياء اخرى تعد غريبة فى الحياة الرهبانية ولا سيما الراهبات.
بل كثيرا ما أطلقت لنفسى العنان فى التفكير فى الحيا الزوجية فتخيلت نفسى زوجة تعد الطعام لزوجها ثم ام ترضع وليدها أو تمشط شعر صغيرتها.
مع كل ذلك كنت أمينة فى أعترافاتى وكان أبى ينصحنى بالتحلى بالصبر ويصلى معى ولأجلى وأما الام الرئيسة فقد كانت قلقةجدا على
لا تألو جهد فى الاهتمام بى.
ولكنة لن يكن من السهل على أن استمر على تلك الحال ففى ذات صباح اتخذت قراراً خطيرا! أخطر من القرار الذى نقلنى من العالم إلى الدير.
لقد قررت ان اترك الدير .. أن اعود أدراجى إلى العالم..
أن أتزوج .. أن أعيش حياتى وشبابى وأمجد الله فى سلوكى(هكذا كان مضمون القرار)
ولن أطيل عليكم فقد كان يوما عصيبا بالننسبة لى بل بالنسبة للأمهات جميعا فى الدير إذا تسللت خلسة دون أن اصافح اى منهن حيث فتح ل الباب والبواب الطيب يتمم بوقار(صلواتك يا أمنا).
يومها شعرت اننى أساق إلى موضع تنفيذ حكم بعد تنفيذ آلمنى طوله وأختلطت المشاعر داخلى مابين فرح غامر وحزن غامض لم أكن فى حياتى فى حالة عدم اتزان غير ان الشعور الذى طفأ على السطح فى ذلك اليوم هو شعورى بأننى افلت من قبضة حديدية !
كانت محطة القطارات تبعد مسافة نصف ساعة سيرا على الاقدام قطعتها فى دقائق معدودة وفى المحطة واجهتنى مشكلة لم أكن أعمل لها
حساب شأن عدة مشاكل واجهتنى فى اليوم الاول لخروجى من الدير
هذه المشكلة هى ملابسى !! ماذا اصنع بها.. هل ادخل بها البيت وكيف سأتخلى عنها بعد ذلك .. هل استبدلها فى المحطة!! أم ماذا..
وعدت إلى البيت بعد خمس سنوات منذ تركتة.
هل تعلموا كيف قابلت امى هذا القرار؟
أمى بكت وشنجت يوم ذهابى إلى الدير؟
أمى التى وقعت مغشيا عليها وضعف بصرها بعد ذلك بسبب رهبنتى؟
أمى هذه ..صرخت حالما رأتنى وبكت ولطمت خديها مرارا وأبى..
أبى الذى حاول مستميتا أن يثنينى عن قرارى وقتها
أبى الذى إتحد فى مناقشتة مع الأم الرئيسة لكى ترفض قبولى بالدير وتقنعنى بالعودة للعمل والزواج؟
أبى هذا سلم على بفتور وقطب مابين حاجبيه!
وندمت أنى لم اعمل بنصيحة الذين نصحونى بأن أنزل أولآ إلى بيت عمتى.
المهم أننى شرحت لهم فى هدوء وجهة نظرى قلت لهم أنى مازلت فى مقتبل العمر وليس من اللائق أن يضيع عمرى كله
وقد فقدت سبيل الخلاص ثم أن احيا حياة زوجية هنا هذا أفضل من أن احيا فى الديربلا ثمر لقد كان جسدى فى الدير بينما كان فكرى فى عش زوجية لم اخترةبعد!
ودخلت حجرتى وحبست نفسى فيها مدة وصلت إثنى عشر يوما كانت أمى خلالها تتردد كثيرا فى الإعلان عن عودتى من الدير ووجودى فى المنزل فقد كانت أمى من أهل الصعيد ممن ينظرون إلى مثل تلك الامور نظرة خاصة.
فى تلك الاتناء جرت إتصالات بين أبى وبين المكتب الذى كنت اعمل فية بشأن إمكانية العودة إلى عملى وعدت إلى عملى فى مكتب الترجمة فقد كان مديرة يمت لنا بصلة قرابة.
حاولت فى البداية أن أبدو طبيعية ولكن احساسا غريبا انتابنى وهو شعورى بأن زميلاتى فى المكتب يتهامسن على ويتغامرن وهن ينظرون
إلى خلسة بين أن واخر وسواء كان ذلك حقيقة أم مجرد إسقاط فقد كرهتهن فما كان منهن إلا أن بادلننى كرها بكره.
وتركت المكتب والتحقت بالعمل فى مكتب سياحة وحلت مشكلة العمل
بل أن شابا تقدم لخطبتى فى العام الاول، ذلك بعد أن تعرف علىّ بينما كنا على متن طائرة فى طريقنا إلى (بروكسل) فى واحدة من عدة رحلات قمت بها بعد ذلك.
وفرحت، ورقص قلبى طربا، وقلت أن حياتى سوف يكون لها معنى، وعدت إلى اسرتى أزف إليهم البشرى فجاملونى بكلمات مبتورة !!.
ولكن ولشد ما كان أسفى، فقد كان هناك من تبرع وروى لذلك الشاب ظروفى، فأرسل يعتذر لأسباب أخرى واهية دون أن يسمع تعليقى. وفهمت وإبتلعت الإهانة وصمت..
وتقدم إثنين وثلاثة اخرين لخطبتي، غير أن السبب الذى دفع الأول إلى التراجع والتخلى عنى، هو نفسه الذي دفع الباقين إلى اتخاذ نفس الموقف. وقد علّق أحدهم قائلا: إنسانة متذبذبة كيف ائتمنها على بيتى وأولادى ؟؟ ومن أدرانى فقد أفاجأ ذات صباح بهروبها من البيت!.
تصوروا..!
دموع تنهد تجفيف الدموع ..
وتحيرت، وكتمت غيظى، وشعرت كذلك بأن أفراد أسرتى يعاملونى بشئ من الحساسية، لاسيما أختى التى تصغرنى بسبع سنوات كانت تعاملنى بطريقة تجمع ما بين العطف والاحتقار والإستياء، وربما يرجع ذلك إلى أن أمى والتى إنحدرت من صعيد مصر تحمل الكثير من مفاهيم الشرف والعار والتشكك والتفاؤل والتشاؤم.
وتجاوزت الثانية والثلاثين من عمرى، وقطار العمر منطلقا لا يهدأ، وأنا ناجحة فى عملى ودخلى كبير .. كبير جدا وأصبح لى رصيد فى البنك عدا الشقة التى استطعت الحصول عليها، ولكن شعورى بأنى منبوذة قد ازداد، كان الجميع يعاملني وكأني إنسانة مرتدة عن الإيمان، وبعد مدة من التفكير أن أمى كانت تتباهى بأننى راهبة ! لقد كانت صديقاتها وقريباتها ينادينها ب”أم الراهبة”، ويمتدحونها كثيرا لأنها أحسنت تربية أولادها والدليل الدامغ على ذلك هو رهبنتى !! كما أن الصورة النادرة والتى كانت أخذت لى بزى الرهبنة قد طبعت منها نسخا كثيرة وزعتها على كثيرات عدا عدة نسخ زينت بها جدران شقتها. كل ذلك بالإضافة إلى احاديثها التى لم تكن تنقطع عنى وعن الدير وعن الراهبات.. والهدايا الكثيرة التى جلبتها من الدير ومازالت تحتفظ بها.
ورويت بؤسى لأب أعترافى، وقلت له فى صراحة: أننى آمل فى حياة زوجية هادئة وأن الوقت يمضى وأنا خائفة وهدّأ أبى من روعى، ووعظنى بكلام كثير حلو ومعزى، وقال لى: أن القداسة ليست وقفا على فئة بزاتها حتى ولو كانوا رهبانا. وأن الإنسان يستطيع أن يرضى الرب فى أى مكان بشرط أن يحفظ الأمانة .. ثم وعدنى أن يبحث لى عن شاب مناسب.
وجاء الشاب المناسب، كان أرملا له ابنان. ترددت كثيرا وأنا اخرج معه لأول مرة، ورحت ابحث عن طريقة مناسبة لكى أطلعة على قصتى ، وحاولت أن اخفى ذلك أو على الأقل أرجئ ذلك لوقت أخر، ولكنى لم استطع ان أكون مخادعة، ففى المقابلة الثانية بيننا صارحته بذلك فى تردد وحياء. وحالما سمع هو ذلك بهت.. وصمت وفهمت ماذا يعنى صمته هذا. لعلكم كذلك فهمتم، فقد ذهب ولم يعد على أن أكثر ما آلمنى هو التعليق الذى قاله أمام إحدى صديقاتى، لقد تشكك فى الزواج من راهبة لئلا تصب عليه اللعنة !..
فلما وصل سنى إلى الخامسة والثلاثين قررت أن أجازف وأقبل أى زوج ولو من خارج مصر من البلاد التى أسافر إليها منتفعة فى ذلك بالتذاكر التى تمنحنى إياها الشركة. ووجدت هذا الزوج فى (كوبنهاجن)، وكأنه كان ينتظرنى هناك. وفى الزيارة التالية اتفقنا على كل شئ: أن يأتى إلى مصر ونتزوج هنا، ومن ثم نسافر لنحيا هناك فى الدنمارك.
وعدت إلى مصر وأنا أشعر أن قدمى فى الأرض بينما رأسى فى السماء. ونسيت ماضىّ، وقلت أن اللعنات التى كانت تطاردنى قد تحولت إلى بركات، وأن الله قد نظر إلى صبرى وسيعوضنى عن كل ما فاتنى وكل ماعانيتة من حرمان وانتظار، وفرحت بالاكثر لأننى سأبتعد عن مصر بكل ما فيها من ذكريات مؤلمة .. وأهرب من ملاحقات التقاليد ونير الأفكار الراسخة فى أذهان الناس تجاه ظروفي.
وإشترك معى أفراد أسرتي فى تتويج فرحتى، ربما لشعورهم بطول تعبي وإنتظاري، أو لفرحتهم بسبب قرب تخففهم من عبئي عليهم، وسرحت بخيالي فى العالم الجديد الذى ينتظرني، وقلت وداعاً للحزن والكبت، وذهبت إلى (الشوبنج سنتر) القى نظرة على ما قد أحتاجه.
فلما عدت إلى منزلي وجدت هناك رسالة تنتظرني ، أرسلها مجهول ، كانت الرسالة والتى كتبت بالإنجليزية تقول: “.. إحذري فإن الشاب المزمع ان يتخذك زوجة له، هو رجل متزوج وله ثلاثة أطفال تركهم مع زوجته فى (بون) منذ عامين متخلياً عنهم..”. ويبدو ان التوقيع كان توقيع الزوجة نفسها !.
وصدمت، وحاولت أن أبكي فلم أستطع، وعرفوا فى منزلى فحوى الرسالة، فانزعجوا هم أيضاً ، ولكنهم شجعونى وطلبوا إلي أن أشكر الله أن أمر هذا الشاب قد تكشف قبل الزواج .
وجلست متهالكة .. أفكر وأغوص فى الماضى، وأسترجع كل ما مر بى، وإسترحت، واعتبرت هذا بمثابة عتاب لي من الله، على نكثي للعهد الذى قطعته معه على نفسي، ليس عهد البتولية فحسب، وإنما ان أحيا له بكليتي .
وفى غمرة شعورى بالذنب ، أرسلت إلى الأم الرئيسة فى دير الراهبات الذى كنت فيه راهبة، أسألها إن كنت أستطيع العودة إلى الدير ومواصلة مسيرتى الرهبانية من جديد، وانتظرت طويلاً قبلما ردت على تعتذر لى فى لطف شديد عن عدم إمكانية ذلك، والأسباب كثيرة، غير أنها إقترحت على، إذا كنت قد غضضت الطرف عن فكرة الزواج، أن ألتحق بأي عمل خدمي بأي كنيسة، مثل بيوت الأرامل والأيتام والمسنات .
وراقت لي الفكرة.. على أهدا وأشعر بالراحة، ووافق أب إعترافي، فتركت عملى وتوجهت إلى احد الآباء الأساقفة أرسلنى إليه أب إعترافى، وتقدمت إليه مستعدة للقيام بأية خدمة، على ان احصل على مكان هاديء أسكن فيه ، ورحب الأب الأسقف.
واشتركت فى خدمات كثيرة بين افتقاد الأيتام والأرامل والمسنات، إلى تنظيم رحلات للفتيات، غير أنه لم يكن يؤلمني سوي تلك الرحلات المتجهة إلى الأديرة .
أذكر ان إحدي الفتيات وكانت فى الحادية والعشرين من عمرها، سألتني عن رأيي فى ان تترهب، ووجدت نفسي آخذ نفساً عميقاً، وكأني اجتذب به العشرين عاماً الأخيرة بعد خروجي من الدير، وجمعت كل مافي من حب ومن مرارة ومن تجربة وخبرة ، وقلت لها:أن تترهبى..هذا حسن، وأما أن تستمرى وتثبتى فى الطريق الرهبانى..فهذا احسن، ولكن أن تحفظى الأمانة إينما كنت فهذا هو كل شيء..”.
وازدات الاسئلة التى توجه إلى سواء أكان ذلك فى الاجتماعات التى أقوم بالخدمة فيها، أم فى الافتقاد، وحوصرت جيداً..
إلى أن سألنى طفل بريء فى الثامنة من عمره: “هل أنت حقاً راهبة ؟ ولماذا لا تلبسين مثل الراهبات اللائى رأيتهن فى الدير ولماذا لا تعيشين معهن هناك ؟”
والحقيقة أننى استطعت بحيلة بسيطة، الإفلات منه وتحويل نظره واهتمامه إلى موضوع آخر،ولكني لم احتمل أكثر من ذلك ، فقد كان سؤاله هذا هو القشة التى قسمت ظهر البعير(كما يقولون) فعدت إلى منزلى سراً، وأغبقت بابا حجرتى علي، لا أخرج إلا نادراً، لا أقابل أحداً ولا اتحدث مع احد .
وها أنا جالسة..أجتر فى آلامى واحزانى.. وبين الوقت والآخر أنظر إلى الوراء فتنتابنى إرتجافة ويعتصر الألم قلبى..واتساءل :
هل تسرعت فى الرهبنة.. وهل كان لزاماً على أن أكمل حياتى فيها، مهما كانت النتائج ؟
لست أعلم .. أنا متحيرة ..
تعقيب: لماذا صرت راهبة؟ | افضل مقاطع فيديو