إليك هذه القصة القصيرة التى كتبها ” جبران خليل جبران ” ، لكى ندلل على أن إختلاف الرؤى ، لا يعنى بالضرورة صحة أحداهم ، وخطأ الباقين .
” جلس أربع ضفادع على قرمة حطب ( جزء من جزع شجرة ) عائمة على حافة نهر كبير . فجاءت موجة هوجاء واختطفت القرمة إلى وسط النهر ، فحملتها المياه وسارت بها ببطء مع مجرى النهر . فرقصت الضفادع فرحاً بهذه السياحة اللطيفة فوق المياه ، لأنه لم يسبق لهنّ أن أبحرن بعيداً من ذى قبل .
وبعد هنيهة صرخت الضفدعة الأولى قائلة : ” يا لها من قرمة عجيبة غريبة ! تأملن أيتها الرفيقات كيف تسير مثل سائر الأحياء . والله إننى لم أسمع قط بمثلها ” .
فأجابتها الضفدعة الثانية وقالت : ” إن هذه القرمة لا تمشى ، ولا تتحرك أيتها الصديقة ، وهى ليست عجيبة غريبة كما توهمت ، ولكن مياه النهر المنحدرة بطبيعتها إلى البحر تحمل هذه القرمة معها وتحملنا نحن أيضاً بانحدارها ” .
فقالت الضفدعة الثالثة : ” لا لعمرى ، فقد أخطاتما أيتها الرفيقتان فى خيالكما الغريب . فإن القرمة لا تتحرك والنهر أيضاً لا يتحرك ، وإنما بالحقيقة أن فكرنا هو المتحرك فينا ، وهو الذى يقودنا إلى الاعتقاد بحركة الأجسام الجامدة ” .
وتناظرت الضفادع الثلاث فى ما هو متحرك بالحقيقة . وحمي وطيس الجدال وعلا الصراخ بينهن ، ولم يتّفقن على رأى واحد .
ثم التفتن إلى الضفدعة الرابعة التى كانت – إلى تلك الساعة – هادئة صامتة تصغى إليهن بانتباه واستيعاب ، وسألنها رأيها فى الموضوع .
فقالت لهنّ : ” كلكنّ محقات أيتها الرفيقات ، ولا واحدة منكنّ على ضلال . فإن الحركة كائنة فى القرمة ، وفى النهر ، وفى فكرنا فى وقت واحد ” .
فلم يرقهنّ ذلك الكلام ، لأن كلّ واحدة منهنّ كانت تعتقد أنها وحدها المصيبة ، وأن رفيقاتها لفى ضلال مبين . وما أغرب ما حدث بعد ذلك ! فإن الضفادع الثلاث تسالمنّ بعد العداء ، وتجمّعنّ فرمَينّ بالضفدعة الرابعة من على القرمة إلى النهر .
جبران خليل جبران