قارع الناقوس

d27399d7ef814b125f5e1649ea3552cd

الظلام يلف الدنيا بجناحيه. والقرية الصغيرة الامنة الى جوار الجدول البعيد تغرق في ذلك الشفق الخاص بليالي الربيع ذوات النجوم، عندما يتصاعد الضباب من الارض، فيزيد ظلال الاشجار الباسقات غمقا، ويملأ الافق بغمام فضي. كل شئ ساكن، مفكر، حزين، واجفان القرية ترتخي ويدركها النعاس.

كانت ملامح الاكواخ البائسة سوداء قاتمة لا تكاد تبين. وكانت الاضواء تلمع هنا وهناك. وبين الحين والاخر كانت تسمع صرير يفتح اويغلق، او كلبا يعوي فجأة ثم يقلع عن العواء فجأة كما بدأ فجأة. وكانت الظلمة تتكشف احيانا عن وجه رجل يمشي، او وجه فارس، او عن عربة تشق الطريق مترنحة متعثرة.. اولئك هم سكان المزارع المنعزلة، القاصدون كنيستهم في عيد القيامة.

وكانت الكنيسة تواجه القرية من على رابية قائمة في وسطها وكانت منارتها العتيقة تطل وكأنها سارية سفينة ضائعة في السماء الزرقاء.

وكان صرير السلم يسمع في وضوح عندما اخذ “ميخا” قارع الناقوس العجوز يصعد الى برج الكنيسة وفي يده فانوسه الصغير المتأرجح في الهواء كنجمة من مكان بعيد..

لقد كان عسيرا على هذا الرجل الهرم ان يرتقي السلم، فرجلاه لا تسعفانه، وعيناه لا تريان الا قليلا.. ان عجوزا مثله خليق بأن يكون قد اخلد الى الراحة قبل اليوم. ولكن الله اعفاه من الموت.لقد دفن ابناءه وابناء ابنائه، لقد شيع شيوخا وشبابا ناضجين الى مثواهم الاخير، ولكنه لا يزال يعيش. شئ مؤلم حقا. لقد استقبل العيد مرات ومرات وهو لا يستطيع ان يذكر كم من مرة انتظر و هو في هذا المكان الساعة الموعودة. الان شاء الله من جديد ان..

ومضى الرجل العجوز الى المنارة واتكأ على قضبان الدرابزين، واخذ يتأمل في مقبرة القرية، في وسط الظلام، حيث بدت الصلبان القديمة وكأنها تحمي القبور المهملة التي تعطفت عليها بضع شجرات عارية من الاوراق.وهبت الرياح محملة برائحة البراعم الطرية اليه ومحملة ايضا بالشعور بكآبة النوم الابدي.

ترى اين سيكون في مثل هذا اليوم من العام المقبل؟ ايقدّر له ان يصعد مرة ثانية الى هذا المكان المرتفع اسفل الناقوس النحاسي، ليوقظ الليل الناعس بقصفه المعدني؟ ام يقدّر له ان يستلقي في الزاوية المظلمة من القبر تحت اشارة الصليب؟ الله اعلم..

لقد كان هو على استعداد ، ولكن الله اسبغ عليه في الوقت نفسه نعمة استقبال العيد مرة اخرى.

وهمست شفتاه “المجد لله” فيما تطلعت عيناه الى السماء المشرقة بملايين النجوم المضيئة، ورسمت يداه اشارة الصليب ..

ولكن الوقت حان، ونظر ميخا مرة ثانية الى النجوم، وامسك بحبل الجرس وجذبه وما هي الا لحظة حتى ارجع الهواء القرعة المدوية. وتعاقبت القرعات واحدة بعد الاخرى مالئة العشية الهادئة المقدسة بانغامها القوية المترنمة.

بقلم: فلاديمي كورولنكو

سلسلة قصص مسيحية من واقع الحياة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s