في تلك الليلة فاز ايفان فوزا ساحقا في لعبة الورق. لكنه احس فجأة بذلك الالم العضال، ذلك المذاق الشنيع في فمه. ويبدو له ان من الغباء ان يبتهج بفوزه في الوضع الذي هو فيه.. انه يرى الان الجميع مقطبين، صامتين. ويدرك ايفان انه هو الذي يشيع ذلك فيهم، لكنه لا يستطيع ان يبدد هذا الجو الكئيب. لذا فقد استأذن من اصدقائه وانصرف. وطوال الطريق خالجه هذا الشعور الواضح وهو ان حياته قد ذبلت وانه يسمم حياة الاخرين وان السم ينفذ اليه على نحو يزداد عمقا.
عليه ان يمضي الى السرير بهذا الشعور وبذلك الالم الجسدي، وبرعبه، وان يظل في الغالب دون ان ينام جزءا كبيرا من الليل.وعليه في صباح اليوم الجديد ان ينهض من جديد، وان يرتدي ثيابه، وان يقصد المحكمة ويتكلم ويكتب، وان يبقى في بيته يراقب جريان الساعات التي كل ساعة منها عذاب. كان مضطرا ان يعيش هكذا على حافة الهاوية، وحيدا تماما، دون اي كائن يفهمه ويرثي له.
عاد ايفان الى غرفته واستلقي واخذ يفكر: “الكلية، الكلية العائمة”. تذكر كل ما شرحه له الاطباء: كيف انفصلت وكيف اخذت تعوم. وحاول بجهد خياله ان يمسك بها، ان يبقيها في موضعها، ان يثبتها: لا يلزم سوى القليل لذلك كما بدا له.
تذكر الدواء الذي ينبغي ان يأخذه ، فنهض واخذه واستلقى على ظهره، وهو يبذل جهده في مراقبة اثاره السعيدة ومقاومته للداء. يكفي ان اتناوله بانتظام وان اتحاشى كل تأثير مؤذ، لأحس اني تحسنت قليلا ، بل كثيرا”. وجس جانبه، فلم يشعر بأي الم تحت يده. “نعم، اني لا احس شيئا، تحسنت الامور كثيرا”.
لكنه عاد فأحس فجأة بذلك الالم المعهود، القديم، المألوف، الخفي، النافذ، العنيد، الجسيم. فأصابه غثيان ودار رأسه. قال: “يا الهي! يا الهي! هوذا الالم من جديد، ولن يكف ابدا”. وعلى حين غرة، تمثل له الامر بشكل مختلف تماما. فكر: “الكلية، الزائدة، كلا ، الامر لا يتعلق بها، بل بالحياة.. وبالموت. نعم، كنت حيا، وحياتي تمضي، انها تمضي، ولا يمكنني ان استبقيها. نعم، لماذا اكذب على نفسها؟
هناك شئ خاطئ. يجب ان اهدأ وان اتذكر جيدا كيف وقع ذلك. واخذ يفكر.
“نعم، بدء المرض. صدمت النافذة. لكن لم يتغير شئ حينها. ظللت كما انا، لكن آلمني ذلك قليلا، وبعد ذلك اشتد الالم. ثم جاءت الالام، والمزاج السئ، والقلق، واقتربت شيئا فشيئا من الهاوية. تضاءلت قواي. وتزايد قربي من تلك الهاوية. لم يبق في عيني من ضوء. انه الموت وانا افكر في الزائدة الدودية. وانا افكر في اصلاحها. وهذا هو الموت. اهو الموت حقا؟”
تولستوي في روايته “موت ايفان”