كانا هذان الاخان يسكنان معا. كلاهما عازبا وكانت شقتهما متواضعة للغاية. كانت تحدث مشاحنات بينهما في بعض الاقات. حين كنت اذهب لزيارة”طلعت”، كان اخاه لا يكف عن الشكوى منه. حينما دخلت بيته اول مرة، لم الاحظ في مكتبته الا بضعة كتب من النوع صغير الحجم، وبالتالي ليس من الانصاف ما قيل عنه انه كان يقرأ كثيرا.
وفي الايام التالية حينما كنت ازوره، لاحظت انه اذا اراد الكلام يقول بعض الكلمات ثم يلوّح بيديه دون ان يكمل ما اراد قوله.. كان يتجنب الحديث مع الغرباء عموما. بدا لي ان الحديث سيكون امر مسل له فكنت غالبا ما اجاذبه اطراف الحديث بطرح اسئلة عن بعض الامور. كان يجيب دائما عن اسئلتي بل ويعتبر ذلك واجبه الاول.. اذكر انني خرجت معه ذات يوم ربيعي جميل. فخطر ببالي ان اسأله عن امر خاص.. لا استطيع وصف الرعب الذي ارتسم على محياه، ذهل تماما، واخذ يدمدم بكلمات متقطعة، وفجأة نظر اليّ بغضب ثم انطلق بخطى سريعة في الاتجاه الاخر. دهشت كثيرا. ومنذ ذلك الحين صار يتوجس مني كلما رآني. ولكنني لم افقد املا، لأن شيئا ما كان يجذبني اليه، وبعد شهر، بلا اي سبب، توجهت اليه في منزله.
بطبيعة الحال، تصرفت بحماقة وبطريقة غير لائقة اذ طرحت عليه نفس سؤالي السابق. كان من العيب ان اضايق انسانا، جعل هدفه الاساسي بالذات ان يظل ابعد ما يمكن عن الناس جميعا. ولكن ما وقع قد وقع..
ابعدتني الظروف تماما عن مكان اقامتي. وحين عدت علمت ان وحيدا قد مات، مات وحيدا، ولم يدع اليه ولو مرة اي طبيب. بقت شقته كما هي وعاش اخوه فريد وحيدا بها.
لقاء بعض الجنيهات القليلة حصلت من بائع الروبابكية الذي اتي ليأخذ مخلفات الراحل على عدة دفاتر قديمة واوراق مهملة. مضيت باوراقه هذه الى البيت وامضيت اليوم بكاملهه في فرزها. ثلاثة ارباع هذه الاوراق كانت عديمة الجدوى، قصاصات لا اهمية لها. ولكن ما لبت ان عثرت توا على دفتر كبير الحجم الى حد ما مغطى بكتابة دقيقة الخط وغير مكتملة، ربما اهمله او نسيه صاحبه ذاته. انه سرد وان كان غير مترابط، للسنوات العشر الاخيرة من حياته.
وفي بعض الامكنة كان هذا السرد متقطعا بقصة اخرى، وذكريات غريبة ورهيبة، متناثرة بصورة مضطربة. اعدت قراءة هذه المقاطع عدة مرات وتيقنت تقريبا انها مكتوبة في لحظات جنون. بدت لي غير خالية من المنفعة. عالم جديد تماما، غير معروف حتى الان، غرابة ورؤية مختلفة للحياة. شغفت بكل هذا فقرأت بنوع من الفضول. قرأت التالي:
قصص و روايات 