صوت في الريح

girl3

همست يونا “هلم نرجع الى الرب، لانه هو افترس فيشفينا، ضرب فيجبرنا. يحيينا بعد يومين، وفي ثالث يقيمنا فنحيا امامه”.

فتابعت هدسة من حيث توقفت تالية كلمات النبي اشعياء “لنعرف، فلنتتبع لنعرف الرب. خروجه يقين كالفجر. يأتي الينا كالمطر، كمطر متأخر يسقي الارض”.

امسكت يونا يد هدسة. “لماذا في الظلام فقط نتذكر ما نسيناه في النور؟ ما فكرت في كلمات النبي منذ الطفولة والان في هذه الظلمة توافيني بصورة اوضح منها يوم سمعتها تقرأ”. وبكت بهدوء. “لابد ان يونان شعر بمثل هذا اليأس القاتم في بطن الحوت”.

قالت هدسة بدون تفكير “كان النبي هوشع يتكلم عن يسوع والقيامة”.

افلتت يونا يد هدسة وحدقت في الظلام. “انت مسيحية؟” وكان لهذه الكلمات وقع لعنة. فارتاعت هدسة، ولم تجب. لقد احست بحقد يونا البارد كان الصمت الذي نشأ بينهما اثخن من جدار.وارادت هدسة ان تقول شيئا، ولكنها لم تجد الكلمات المواتية. ثم قالت لها: “كيف يعقل ان تؤمني بأن مسيحنا قد جاء؟ هل انقذنا من الرومان؟ وهل الهنا يملك الان؟”. لقد صدمت يونا و صارت ترى العالم ظالما مظلما. و فكرت انه لا يمكن لهذا الوضع ان يدوم. لا يمكن للاغنياء ان يسحقوا الفقراء دائما، و لا ان يستمر قهر الغرباء للبلد دائما. يجب ان يتغير هذا يوما. فالظلم في الارض يصرخ نحو السماء، و الله يرى كل شئ و يسمعه. فلماذا يسمح بهذا ان يدوم، لماذا لا يقلب الاوضاع.. لماذا لا يأتي الله بنفسه ليمارس سلطته. وشرعت تبكي.

همست هدسة: “لقد جاء يسوع لكي يكفّر عن خطايانا”.

فامتقع وجه يونا حقدا وحزنا، وقالت: “لقد عشنا بمقتضى شريعة موسى طول عمري. فلا تحدثيني بشأن الكفارة”. ثم نهضت وابتعدت .. انها لن تنجر الى جدال حول امور الدين. ليس الان. لقد عاشت دائما بحسب الشريعة، فلماذا ينبغي ان تشعر بالذنب؟ ..

اسندت هدسة رأسها على ركبتيها، وكافحت اليأس.

كانت يونا قد قعدت بقرب نساء اخريات، حيث حدّقت الى هدسة لحظات، ثم اشاحت بوجهها. لا احد يشعر بما يعتلج روحها حقا، فهي طالما عاشت كفتاة مدللة، و طالما نظرا ابوها وامها اليها عبر غمامة من توقعاتهما الذاتية، وقضيا كثير من الاوقات محاولين ان يقولباها بمقتضى تلك التوقعات.

صلت هدسة في سرها: “الله انها تحتاج اليك! انها تظن انها تعرف الحقيقة.. انها لا تريد ان تسمع ، كما اني اشعر اني غير نافعة تماما.. كيف يمكن ان تختار يونا الحق ان لم يكن لها اذنان تسمعانه؟ كيف يمكن ان تطلب السيد المسيح ان لم تشعر باحتياجها الى مخلص؟ فان يونا لم تفهم، رغم انها تحفظ اجزاءا كبيرة من التوراة بحكم انها نشأت في عائلة يهودية متدينة”.

هزت هدسة رأسها اسفا. وتساءلت: “كيف نصل الى اشخاص لا يشعرون بحاجة الى مخلص او برغبة فيه؟ رباه، ماذا افعل لاجعلها تدرك انك ههنا بالقرب منها، وانك مقيم في بيتها، ان لم يكن في قلبها؟ اني عاجزة. اني اخذل يونا. يا رب، اني افقدها، فوراء الابتسامات والضحكات ، هي هالكة. يا الهي ، ما اعظمك! يا من تقول لكل واحد “الكلمة قريبة منك . في فمك وفي قلبك، اي كلمة الايمان التي ينادي بها كل محبيك”.

لم تكن ملامح يونا تنم انها مطمئنة او تشعر بسلام. كان مصباح الزيتت في غرفتها ما يزال مضاء..

(عن رواية “صوت في الريح)

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s