وجد نفسه محصورا من الآمه وتجربته العاطفية .. شعر بضيق نفس واراد ان يفضفض لاحد الاشخاص وكان هذا الشخص هو “امين خدمته”. لم تكن الفضفضة للفضفضة في حد ذاتها، ولا للتخفيف عن نفسه، ولا لطلب النصح حتى، ولكن كأنه يضيف بسرده لتجربته خبرة الى الخبرات السابقة لدى “مرشده الروجي”، الذي يثق فيه وينظر اليه نظرة اعجاب لكونه استطاع ان يحتفظ بحياة التكريس للخدمة الى هذا الوقت وقد تجاوز الستين من العمر.
في البداية تنهد بعمق وبدأ بلهجة حزينة كئيبة :
انني لن اسمح ان انجر واسقط فيما سقطت فيه هذه المرة!
– ماذا حدث؟
– تقدمت الى خطبة .. لقد كانت تجربة عاطفية قاسية.. ومع انني لم اتحدث اليها سوى عشرة دقائق على انفراد، الا انها لم تكن هينة. لقد شعرت ان قلبي قد انخلع من صدري.. وذكرني بالمرة السابقة ويبدو ان كل مرة اتقدم فيها لخطبة احداهن يزداد الامر سوءا. لذا سأكون حذرا الا يتكرر الامر ثانية.. لقد شعرت بألم حاد في قلبي طوال يوم كامل..
وفي النهاية ردد عبارة سمع احدهم يرددها “يا رب اشف نفسي”.
رددها هذه المرة بمذاقة جديدة.. وبشعور كامل بمعناها..
لقد تبدد مشروع الخطوبة بنفس السرعة التي بدأ بها. كما انه تبدد على يد نفس الاشخاص الذين ارادوا له ان يتم.. وهو امر يدعو للعجب! وانا اقصد بهؤلاء الاشخاص حما اخي “عم الفتاة” وزوجة اخي.. هم تقريبا من ارادوا لها ان تسكن في القاهرة جوار اخوتها..مع انهم يعلمون انني لا املك سوى بيت في الاسكندرية. وكذلك تبدد المشروع على يد اب اعترافي الذي نصحني ان اخذ شقة “ايجار قانون جديد” كما طلب عم الفتاة. وبعد ان وافقت عدت وعدلت عن نصيحته وقبلت نصيحة ابي الا اتحمل اعباء دفع ايجار شقة وانا لدي بيت.. هكذا استمعت لنصيحة ابي الروحي في امر ولم استمع في الباقي.. يجب ان امشي على مسار واحد: اما الطاعة الكاملة او تمحيص الامور بعقلي دائما؟
يقول البابا شنودة عن علاقة الانسان بالمرشد الروحي:
إذا شك إنسان فيما يكون خيراً. عليه أولاً أن يتروي حتي يتثبت. ومن الممكن ايضاً أن يسترشد بغيره.
يستشير شخصاً راجح الفكر وواسع العقل. وذا خبرة في مثل هذا الأمر. فيضيف إلي عقله عقلاً. وربما يطرق معه زاوية معينة. أو يعرض له بعض ردود الفعل.
من أجل ذلك أوجد الله المشيرين وذوي الخبرة والفهم. كل منهم دليل في طريق الحياة. كما أوجد المربين والحكماء. وجعل هذه المشورة أيضاً في مسئولية الوالدين والمعلمين والقادة. وكل من يؤتمنون علي التربية والتوعية والإرشاد.
ولكن يُشترط في المرشد الذي يدل الناس علي طريق الخير. أن يكون هو نفسه حكيماً. صافياً في روحه.
وينبغي أن يكون هذا المرشد عميقاً في فهمه. لئلا يضل غيره من حيث لا يدر ي ولا يقصد. فقد قال السيد المسيح “وأعمي يقود أعمي. كلاهما يسقطان في حفرة”.
حقاً ما أصعب السقطة التي تأتي نتيجة أن يتبوأ إنسان غير مؤهل مسئولية الارشاد. فيضّيع غيره. فلا يصح إذن أن يسرع شخص باقامة نفسه علي هداية غيره. نتيجة ثقة زائفة بذاته.
لذلك كان كثيرون من المتواضعين يهربون من مراكز القيادة الروحية. عارفين ان الشخص الذي يقود غيره في طريق ما. أو ينصح غيره نصيحة ما. إنما يتحمل أمام الله مسئولية نصائحه وإرشاداته.
فعلي الإنسان حينما يسترشد. أن يدقق في اختيار مرشديه:
ولا يسمع لكل قول. ولا يجري وراء كل نصيحة مهما كان قائلها. ولا يتبع الناس بل يتبع الحق. لأنه “ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس” فنصائح الناس يجب أن تكون موافقة لوصايا الله.