رجل اسمه ايوب

006-job-suffering

في حياة كل واحد منا مرحلة من التساؤل. قد نكون من الصالحين او هكذا يرانا الناس ولكننا نكتشف اننا لا نتمتع بكل ما تمنحه لنا الحياة. وان هناك افاقا ارحب في معرفة الله. منذ زمن بعيد مضى جاز رجل صالح اسمه ايوب مثل هذه التجربة، وقصة ايوب قصة غير عادية، وفي بحثه عن صلة اعمق بالله وصل الى علاقة معه فوق عادية.

-1-

قال ايوب لولده: “يجب ان يكون الولاء الكامل لله هدفا لكل انسان” ،فقد كان ايوب جادا في التقوى، يجتهد في ان يطيع الله، ويعمل على ان يحذو اولاده حذوه. وكان ابو ايوب ايضا صالحا ومع انه مات منذ زمن – فان ايوب لا يزال يذكر كيف كان ابوه يجمع العائلة كلها في هدوء المساء ليقص عليهم احسن القصص التي يعرفها عن الله – وان ايوب ليذكر بوضوح ما رواه له ابوه عن خلق ادم وعن قصة سقوطه. حدّق ايوب في الفضاء وهو يتذكر حوارا دار مع ابيه ذات مرة. قال الاب وهو ينهي قصة:

“ترون يا اولادي كيف دخلت الخطية الى العالم بعصيان ادم. والخطية هي الحاجز الذي يبعد الناس عن الله. لان الله يكره الخطية.

– لكني يا ابي لم اشترك في خطية ابي ادم، فما ذنبي؟

– يا ايوب، يا ولدي لم يخطئ ادم وحده فان كتابات الاباء تقول “كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد. لا يوجد انسان لم يخطئ فلقد مال كل واحد عن طريق الله. انت وانا.

وذهب ايوب الى فراشه تلك الليلة بقلب خائف. ولاحظ اخوته نظراته الزائغة. ولكنهم ظنوا ان الامر مسألة عابرة ولم يدركوا الاثر الكبير الذي تركته هذه القصة في نفس اخيهم الصغير. دارت في عقله الكثير من الاسئلة “ملنا كل واحد الى طريقه، كل واحد؟ هذا صحيح. انا اعرف. لقد اكرمت الله بشفتي فقط ولكن قلبي كان بعيدا عنه. ان خطاياي هي التي ابعدتني عن الله. اني اريد ان اعرف الله معرفة عميقة. اعرفه كما عرفه نوح وابراهيم، لكن كيف؟”، وقطع والد ايوب حبل افكار ايوب عندما دخل حجرة نومه يلقي عليه تحية المساء. وحيّ ايوب اباه ، وركع الوالد وحنى رأسه الى حيث وجه ولده وقال: نعم يا ولدي. وسأل ايوب “وهل هناك وسيلة لمغفرة الخطية؟ كيف نتعمق في معرفة الله على حين ان الخطية تعترض سبيلنا؟”

وصمت والد ايوب لحظة، ثم قال:

– “سؤاللك صعب، ولست اظن احدا يملك اجابة واضحة عليه، ولكني واثق في عدالة الله المطلقة التي لا نتغاضى عن الخطية. قل لي يا ولدي عندما يكسر احدا قانون القبيلة، هل يتغاضى شيوخ القبيلة عن فعلته لانه شخص صالح؟

اجاب ايوب :

– بالطبع لا، سواءا كان غنيا او فقيرا فهو ينال جزاء افعاله.

فقال الاب:

– هكذا الله يا ولدي!

فعاد ايوب يسأل:

– ولكن ان كان الجميع ارتكبوا خطية ولابد من العقاب فماذا تفعل؟

– من يقدر ان يواجه الله وهو خاطئ؟ من ؟ لا اعلم ! علينا ان نجتهد لنحيا بافضل ما نقدر املين ان يرى الله حسناتنا فيرحمنا.

وحيّا الاب ولده ومضي يحيّ بقية اولاده تحية المساء ولم ينم ايوب. مضى يفكر “ربما بمزيد من عمل صالح يرحمنا الله ويقبلنا كما قبل نوحا وابراهيم. ربما كان والدي على حق”.

وقرر ايوب ان يجاهد لكي يكون اتقى اهل الارض جميعا.

ومضت سنوات منذ قرر ايوب ان يفعل ذلك. وسارت اموره على خير ما يرام. وتمشى ايوب وسط حقوله وهو يقول : “كان الله كريما معي وباركني بسبعة اولاد رائعين وثلاث بنات جميلات”.

ووقف الى جوار شجرة رمان، التقط احدى ثمراتها، وراح يأكل ، ويتكلم بصوت عال، كأنه يريد من الاشجار ان تسمع شكره لله.

واكثر من ذلك وهب الله لي سبعة الاف رأس من الغنم، وثلاثة الاف رأس من الابل، والف رأس من البقر و500 حمارة ولي من الخدم اكثر مما لكل اهل الارض – اي مزيد بعد هذا؟

نعم، اي مزيد؟ ولكن ايوب كان يحس بنقص داخلي.

يجب ان اكون اسعد اهل الارض. لماذا هذا الفراغ احسّه؟

لم يكن ايوب قد كسر عهدا قطعه على نفسه امام الله، وكان كل ولائه موجها لما تعلم من ابيه عن الله. كان قد بنى مكانا للعبادة بقرب بيته يتعبد فيه مع كل عائلته، كان يتلو كل يوم ما علمه ابوه من صلوات، عدة مرات ، كان كريما مع الفقراء، بل كان يوزع نصف دخله! وكان يرافق الصلاة الصوم، على الاقل مرة كل اسبوع. وكان معروفا على مستوى كل القبائل المحيطة انه افضل اهل الارض واكثرهم صلاحا واقواهم ايمانا، بل انه كان واعظا يدعو الناس للتوبة. وعاد ايوب يسأل نفسه “لماذا عدم الرضا في داخلي؟ هل يرى الله خطاياي؟ مستحيل! لو ان هناك واحدا صالحا فهو انا… يبدو انني افحص نفسي اكثر من اللازم، ثم عاد الى بيته.

عندما كان احد اولاد ايوب يحتفل بمناسبة خاصة – كان يدعو كل اخوته واخواته، وعقب كل حفل كان ايوب يدعو اولاده ليصلي لاجلهم ويقدّسهم، لانه كان يقول “ربما اخطأ احد اولادي وقال كلاما لا يرضي الله بغير ان يقصد” – وكان كل مساء يتقدم اولاده الى التل القريب ليصعد محرقات لله بقدر عددهم، ثم يقودهم في الصلاة طالبا الرحمة.

ركع ايوب امام المذبح يصلي:

الهي الصالح، نسألك العون والمغفرة، اننا متكلون عليك، متكلون على جودك ورحمتك. نسبح اسمك ونعظمه، ولا ننسى احساناتك. نهجركل اثيم ونبغي رضاك. فارحمنا لانك خير من يرحم.

***

في تلك الليلة ، في اثناء العشاء اثار احد اولاد ايوب سؤالا: “لماذا نصلي؟” وفكر ايوب قليلا وجاوب ولده بكلمات كان قد جاوبهبها والده عندما سأله السؤال نفسه.. قال “هدف الصلاة هو ان نفكر في الله، وفي كل ما هو فاضل صالح، وهذا يمنحنا قدرة التغلب على الشهوات الدنيئة فينا” وعاد الابن يسأل :

– ولكن ما قولك في الخطيئة؟ لقد علمتنا ان الله يكره الخطية . ان الله يدين الخطاة ويكره الخطية فكيف نحظى بعلاقة معه مثلما حظى بها الانبياء قديما؟ هل يمكن ان الصلاة تمحو خطية الانسان؟

وجاوبه ايوب في حزن: “لا تستطيع. كل ما يمكن عمله ان تصلي لله وان تفعل الخير، ولعل الله يرحمنا بواسع رحمته” وانتهى الجميع من عشائهم على امل اللقاء للعبادة اليومية بعد ساعة.

وذهب ايوب الى حجرته، وفكر في نفسه:

“كم يشبهني اولادي عندما كنت في شبابي! انهم يثيرون الاسئلة التي اثرتها انا من قبل”. وجعل ايوب يفكر في الله.. لقد جاوبت ولدي بما اجابني به والدي- فلماذا لا اجد راحة فيما جاوبت به ولدي؟”

ووجد ايوب اجابة سؤاله في اعماق نفسه- “ربما وجدت ان الاجابة غير وافية، لقد حاولت ان اكون افضل الناس، ولكن السلام لم يشمل قلبي، لم ابلغ حالة القرب من الله كما كان نوح وابراهيم، الله بعيد عني جدا!”.وفي ضيقة قلبه وجد ايوب نفسه يعمل شيئا لم يسبق له ان فعله.. وجد نفسه يخاطب الله بكلمات غير محفوظة، ويحدثه بكل ما في قلبه:

“ربي، لقد عملت الكثير من الخير ابتغاء رضاك، ولكني لم احظ بالقرب منك باكثر مما يحظى به قارئ يدرس سيرة في صفحات كتاب، لا ادري اين يكمن النقص؟.. لربما كان والدي على خطأ. ان كان فعل الخير لا يقرّبني منك فاي شئ يقرّبني اذن؟”

وصمت لحظات.. وكأن ما قاله صدمه ، وقال لنفسه : “كفى هراء يا ايوب! ان الله في السماء وانت على الارض، فلا تتوقع اجابة على ما اثرته من اسئلة” ثم قام ليقود عائلته في صلاة المساء.

وجعل الجميع يتلون الصلوات المحفوظة التي كانوا يرددونها كل مساء وبعد الصلاة قال ايوب لزوجته واولاده “لارواحكم السلام” فاجابوه: “ولروحك ايضا” ولكن قلب ايوب كان مضطربا. وفكر “سلام الله ؟ كل يوم نسأل سلامه ليحل بقلوبنا فلماذا انا منزعج؟!”

واستمع الله من علاه لصرخات ايوب – كان الله يحب ان يكون قريبا من عبده لولا ما في نفس ايوب من عيوب! وفتح الله عيني ايوب الى النقص الذي فيه. وذات يوم مثل الملائكة امام الله – تبارك اسمه – وجاء الشيطان ايضا، فسأله الله “من اين جئت؟” فاجاب “من الجولان في الارض ومن التمشي فيها” فسأله الله هل جعلت قلبك على عبدي ايوب ، لانه ليس مثله في الارض. رجل كامل ومستقيم ، يتقي الله ويحيد عن الشر” فجاوب الشيطان:

هل مجانا يتقي ايوب الله؟ أليس انك سيجت حوله وحول بيته، وحول ما كل ما له من كل ناحية. باركت اعمال يديه فانتشرت مواشيه في الارض. ولكن ابسط الان يدك ومس كل ما له فانه في وجهك يجدف”.

فقال الله لللشيطان “هوذا كل ما له في يدك .. ولكن اليه لا تمد يدك” ثم خرج الشيطان من امام الرب.

==

ليست الخطية مشكلة بسيطة حتى لو كان الانسان يظنها امرا هينا، ان الله يقول “فانك وان اغتسلت بنطرون واكثرت لنفسك الصابون فقد نقش اثمك امامي”. اثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم ، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع”

ما هو الجواب الذي قدمه الله لايوب عن مشكلة الخطية ، والبحث عن السلام الداخلي؟”

هذا ما ستعرفه في الجزء التالي.

“ربي والهي، لقد فعلت الكثير من الخير، وحاولت ان اتبع طريقك، ولكني لا اشعر بالقرب منك باكثر من قربي من شخصية اقرأ عنها في كتاب! لقد تملكتني الحيرة! ان لم يجعلني العمل الصالح اكثر قربا منك فاي شئ اذن سيقربني؟

كانت هذه صرخة قلب ايوب ! لقد اجتهد ان يكون خير رجال الارض، ولكن السلام لم يملأ قلبه، وبدا له الله بعيدا غاية البعد عنه، بخلاف الحال مع نوح وابراهيم!

-2-

اتكأ ايوب في كرسيه، وفرك عينيه وقال:

“مراجعة حساباتي تتعب عينيّ، وقد بلغت من العمر عتيا!”. ثم طوى الدرج وقام عن المنضدة الرخامية الباردة، وسار في طرقات بيته عندما سمع صوت غسيل.

“هؤلاء الخدم ! انهم يحدثون الكثير من الضوضاء!

ودخل غرفة جانبية فرأى في ضوء النافذة بعض النسوة يغسلن الملابس، وفجأة توقف العمل والكلام: فقد رأته النسوة ، واصغين له وهو يقول: يا من ملأتن الدنيا ضجيجا يكفي لايقاظ ميت! هل رأت احداكن سيدة الدار؟” فاجابته خادمة صغيرة “نعم يا سيدي، انها في الحديقة” ، فشكرها ايوب ، واتجه الى الحديقة .

ورأى زوجته تشرف على العمل، وحيّاها، فردت تحيته. وسألها ايوب: منذ بضعة ايام لم يزرنا احد من اولادنا: فهل عندك اخبارك عنهم؟”

– هل نسيت يا زوجي العزيز ان اليوم هو عيد ميلاد ابنك الاكبر؟ لقد مضوا كلهم الى بيته للاحتفال بهذه المناسبة.

– “هذا صحيح- عندي سبعة اولاد وثلاث بنات، ولذلك انسى!”  وضحك. ثم قال: “سأتجه الى الناحية الغربية لاتفقد سير العمل في مخزن الغلال، وسأعود الى البيت قبل موعد العشاء”.

وسار ايوب وهو يقول في نفسه: “كم اشكر الله من اجل اولادي!” وقضى ايوب معظم النهار يراقب العمال، ثم عاد الى بيته قبل موعد العشاء بساعة.

وذهب ايوب لغرفته، ليستريح ساعة، ولكنه لم ينم، فقد الحّ خاطر على فكره كثيرا ما ضايقه.. وجعل يفكر: “الى اي طريق اتجه؟ لقد حاولت ان اعمل الخير، وان احيا حياة طاهرة، ولو وزن الله عملي الصالح مقابل عيوبي لوجدني مقبولا فقد عملت من الخير اكثر جدا مما عمل سواي!”

ونهض من الفراش ودفن رأسه في راحتيه وهو يقول: “لكن لماذا يعوزني سلام النفس؟”.

واتجه فكر ايوب الى الله، فقال: “لقد انعمت عليّ يا رب بالكثير ولكن كأنك منعت عني اثمن شئ! منعت عني نفسك! .. لقد تعلمت عنك الكثير، وعرفت عن شرائعك وقداستك، ورأيت رحمتك وجودك من خلال احساناتك وعطاياك السخية لي.. ولكن اي شخص يمكنه ان يعرف هذا من كتاب؟ اريد يا رب ان اعرفك انت. كيف وصل ادم ونوح وابراهيم الى عمق الصداقة معك؟” وقطعت حبل افكار ايوب قرعة رقيقة على الباب تدعوه للعشاء وبعد العشاء جلس في الهواء الطلق.

وجال ببصره في الحقول، فاسترعى نظره دخان يتصاعد من جهة الغرب، ثم رأى في غبشة العتمة رجلا يجري باتجاه بيته، وعندما وصل الى حيث كان ايوب، امره بالجلوس، فقد كان مقطوع الانفاس لفرط ما ركض.. ثم رأى ايوب شخصا اخر قادما يجري، فقال ايوب: “لابد ان هؤلاء ينقلون اليّ رسالة هامة.. ترى ماذا تكون؟”.

015-job-suffering

وقال الرجل الاول: “البقر كانت تحرث، والاتن ترعى بجانبها، فهاجمنا السبئيون وسرقوها كلها، وقتلوا رجالك جميعا، ولم ينج سواي”.

016-job-suffering

ثم وصل الرجل الثاني، فقال والغنم يا سيدي ! نزلت صاعقة احرقتها، واحرقت الرعاة، ولم ينج سواي، وجئت لاخبرك”.

وقال ايوب في نفسه “مات الرجال، والغنم والبقر! هذا مستحيل!” وبكى.

017-job-suffering

وهنا وصل رجل ثالث تعلو وجهه الجراح، وانحنى امام ايوب وقال “سرق الغزاة الجمال ، وقتلوا رعاتها، ولم ينج سواي ليخبرك!”.

انها اخبار مفزعة! لقد خسر ايوب كل شئ!.. ولم يفق ايوب من الصدمة عندما جاءه رسول يبكي، وتساءل ايوب: “ماذا بقى لي؟ لقد ضاع كل شئ!”.

018-job-suffering

فقال الرجل: “بنوك وبناتك يا سيدي!” فقال ايوب: “هذا مستحيل!” واتسعت حدقتا عينيه وهو يتلقى النبأ المفزع “كانوا يحتفلون في بيت اخيهم الاكبر..”.

وسأل ايوب بقلب يعتصره الجزع: “وماذا جرى؟”.

واجاب الرسول في تحسر: “اكتسحت ريح صحراوية عاتية جدران البيت، فهوى عليهم وماتوا جميعا، ولم ينج سوايّ لينقل اليك خبر هذه الكارثة!”.

وهنا مزق ايوب جبته، واخفى وجهه بيديه، وسقط على الارض ثم جلس صامتا وسط الرجال الذين نقلوا اليه هذه الاخبار المروعة. وساد صمت ثقيل – حتى لكأن الارض كلها تشارك ايوب احزانه.

019-job-suffering

وعاد ايوب يفكر: “عجزت عن الفهم! طلبت السلام مع الله فحلّت بي الكوارث! ماذا يريد الله ان يقول لي؟ لقد بذلت غاية جهدي يا رب، ونفخة واحدة منك جعلت كل متاعبي تذهب هباءا!.. يا رب، ما تفعله انت هو وحده الذي يبقى!” ورفع ايوب وجهه الى فوق وقال:

“عريانا خرجت من بطن امي، وعريانا اعود الى هناك! الرب اعطى، والرب اخذ ، فليكن اسم الرب مباركا!”

في كل هذا لم يخطئ ايوب ولم يقل كلمة ردية في حق الله.

وجاء يوم اخر مثل فيه الملائكة امام الله ، وجاء الشيطان ايضا في وسطهم. فسأل الله الشيطان: “من اين جئت؟” فاجاب ابليس “من الجولان في الارض ومن التمشي فيها!”

فسأله الله “هل جعلت قلبك على عبدي ايوب ، لانه ليس مثله في الارض. رجل كامل ومستقيم ، يخافني ويكره الشر، وبرغم المصائب التي حلت به ما زال متمسكا بكماله!”، ” فجاوب الشيطان: “جلد بجلد، وكل ما للانسان يعطيه لاجل نفسه. لو انك اصبت ايوب بضربة في جسده لوجه الشتائم اليك علنا! فقال الله للشيطان “ها هوذا في يدك، ولكن احفظ نفسه”

فخرج الشيطان من حضرة الرب.

كان ايوب قد افترش الرماد ولبس ملابس الحداد بعد ان مات اولاده. وفي صباح اليوم التالي اصابته قشعريرة وحمى لسبب لا يعرفه. وفي المساء جاءت زوجته لتدعوه الى العشاء وما ان رأته حتى صاحت: “ايوب! ما هذه العلامات على جسدك؟”

“دمامل! حتى جسدي حلت به اللعنة!”

واخذ ايوب شقفة جعل يدعك بها دمامله وتورمت عيناه، لم يسبق لايوب ان مر بمثل هذا الالم. وهنا توجهت اليه زوجته تقول: “لقد كنت اعظم اهل الارض! والان ضاع مالك، ومات اولادك واصاب المرض جسمك! العن الله فيقتلك وتستريح!” ولكن ايوب اجاب: “هذا كلام جهل! هل نفرح بالخير الذي يعطينا اياه الله ونتذمر اذا سمح ان يصيبنا سوء”

ولم يقدر ايوب ان يأكل او ينام خلال الاسابيع التي تلت ذلك، وجاء ثلاثة من اصحابه ليعزوه بعد ان سمعوا بفجيعته، وهم اليفاز وبلدد وصوفر، وعندما وصلوا لم يصدقوا ما رأوه! قال بلدد: “هل هذا ايوب؟” وجاوبه صوفر “لقد تشوه شكله جدا!” وصفق اليفاز كفيه وهو يقول بكثير من الاسى: “يا للحسرة! اننا حتى تعرفنا عليه بصعوبة.”

ومزق الثلاثة ثيابهم حزنا، وهالوا التراب على رءوسهم! وجلسوا صامتن سبعة ايام بلياليها لم ينطقوا بكلمة، فقد كانت فاجعة ايوب مروعة!

jobboil_tif

وفي اليوم السابع قال ايوب: “اما لهذا العذاب من اخر؟ ليتني لم اولد! اذا نمت اقول متى اقوم؟ الليل يطول، واشبع قلقا حتى الصبح اكتسى جسدي بالدود والتراب! جلدي ساخ! اخوتي واصدقائي، حتى خدمي كرهوني. يسخرون مني! ألم ابك لمن كان يقاسي، وألم تكتئب نفسي على المسكين؟ ومع ذلك فعندما ترجيت الخير جاء الشر! وعندما انتظرت النور جاء الظلام!”.. وعندها جاوبه صوفر:

“هل تسمح لي ان اقول كلمة؟ الا ترى ان الذين يقاسون هم الاردياء؟ فان الله يبارك البار ويلعن الشرير، والسماء تفضح اعماله، بل ان الارض تثور ضده. ينزل السيل على بيته فيدمره. هذا مصير الاشرار.

“اذن لماذا يعيش الاشرار حتى يشيخوا، ويزدادوا تجبرا وتسلطا؟ يرون اولادهم ناجحين ، وبيوتهم قائمة بدون خوف؟ يبدو ان الله لا يضربهم ! انك لا تستطيع ان تلومني، فقد عملت الكثير من الخير.

وهنا قال اليفاز:

“هل تقصد ان تقول: ان الله يعاقبك على صلاحك؟ لاشك انك تعاني لانك كسرت شريعة الله. لابد انك ارتكبت الشر او منعت الخبز عن الجائع والماء عن العطشان- برغم ان كنت بالغ الغنى وقادرا على اعانة المحتاج!

فقال ايوب: “هذا ظلم ! لقد عملت الكثير من الخير واسل اي واحد! كل من سمع عني يمدحني، وكل من رآن يشهد لي لاني انقذت المسكين المستغيث واليتيم الذي لا معين له. الذي كان على فراش الموت باركني ، فقد جعلت قلب الارملة يغني فرحا. لم ارتكب في حياتي ما يستحق الانتقاد!”

وجعل بلدد يفكر في اجابة ثم قال: “فكيف يتبرر الانسان عند الله؟ وكيف يتطهر مولود المرأة؟ لا تقل انك طاهر!

فهز ايوب ورأسه قئلا: “ولماذا لا اتبرر؟ علموني وانا اسكت. فهموني في اي شئ ضللت. الله يعلم اني لم اخطئ واني برئ من كل شر. اني برئ .. اني برئ!”

وفجأة جاءت سحابة ظللت الرجال، وتكلم الله من السحابة بصوت كالرعد: “جاوبني يا ايوب لو استطعت! هل تدين عدالتي؟ هل انت في مثل قوتي؟ اذن تزّين الان بالجلال والعز والبس المجد والبهاء ! ان كان عملك بالغ الصلاح دس الاشرار في مكانهم، واطمرهم في التراب معا، واحبسهم في القبر! ان فعلت هذا فانا ايضا امدحك، لان اعمالك الصالحة تخلصك! هل انت حقا برئ؟”

وهنا ملأ فكر ايوب ما قاله الانبياء: “القلب اخدع من كل شئ وهو نجيس  من يعرفه؟ كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد الى طريقه” فقال ايوب: “الخطية اذن ليست مجرد عمل ارتكبه” ورفع ايوب وجهه نحو السماء وقال:”بسمع الاذن سمعت عنك، اما الان فقد رأتك عيناي.. كل ما عملته من اعمال بر يبدو كخرقة قماش قذرة، يذبل كورقة. قلبا نقيا اخلق فيّ يا الله. وروحا مستقيما جدد في احشائي”.

وشفى الله ايوب وعوّضه ضعف ما كان عنده من قبل! واعطاه سبعة اولاد وثلاث بنات، وعاش ايوب حتى بلغ عمره 140 سنة، ورأى بني بنيه حتى الجيل الرابع، ومات في شيخوخة صالحة شبع فيها من الايام.

059-job-suffering

==

قال داود النبي في المزامير “ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا اله لا تحتقره”

وقال ايضا “اختبرني يا رب واعرف قلبي. امتحني واعرف افكاري”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s