القلب المعذب

boy

قال المعلم في سخرية “يا سيد يوسف نبيل” ارجو المعذرة ان سألتك ان تجاوبني امام التلاميذ “لماذا لم تعمل الواجب المدرسي مرة اخرى؟”.. واتجهت انظار التلاميذ الى يوسف الذي اصطبغ وجهه بحمرة الخجل، ولم ينطق بكلمة..

ومضى المعلم يقول: “اما عن الامتحان الذي اداه يوسف في الاسبوع الماضي – فاني اود انكم جميعا تطالعون اجاباته .. انه نموذج لاكثر اجابة مدعاة للشفقة.

وبدأ الغضب يزيد داخل يوسف ، واخذ يصرّ على اسنانه، ونظر المعلم الى يوسف وقال: “ماذا جرى لك؟ في العام الماضي كنت اول الصف، ولكن عملك في هذا العام لا يليق حتى بتلميذ مبتدئ!”

وهنا لم يستطع يوسف ان يضبط اعصابه، فرمى الكتب ثم جرى خارجا من الصف. وقال احد زملاء يوسف: “للاسف لقد اصبح يوسف دائما غاضبا متوترا!” وضج التلاميذ وهم يحكون لبعضهم ما جرى – واستدعى مدير المدرسة يوسف الى مكتبه..

حينما دخل يوسف الى مكتب المدير قال له: “اجلس يا يوسف – لقد عدت تسبب المشاكل! ماذا تقول في هذا؟”. نظر يوسف الى الارض.. وبعد لحظات نظر الى وجه المدير وقال: “انا اسف لما جرى. لا اعرف لماذا اؤذي مشاعر كل المحيطين بي، لم اكن افعل هذا من قبل”

وهز المدير رأسه، وطلب من يوسف ان يوضح له ما جرى بالصف، وسرعان ما تطرق الحديث الى موت والدته..

قال يوسف: “لقد احببت امي كثيرا، فقد كانت سيدة رائعة، وكانت تحبني جدا.. لقد صدمني موتها جدا”. وسأل المدير في اسف: “انا اسف لموت والدتك. ولكن ما موقف والدك منك لقد سمعت انه تزوج، فهل شعرت انه اصبح اكثر قربا منك بعد وفاة والدتك؟

وظهرت علامات السخرية على وجه يوسف وهو يقول: “هل تضحك عليّ؟ ان والدي يعتبرني مصدر ضيق له. انه لا يهتم بي، وانا من جانبي لا احبه. انه لم يحبني قط – على الاقل لم يحبني كما احبتني امي، وها هو يتزوج مرة اخرى ولم تمض ثلاثة اشهر على امي في القبر! انه عار عظيم!”

وصمتت المدير وهو يصغي الى الام يوسف، ثم قال “قد تجد مبررا لحقدك على والدك وغضبك منه بسبب ما فعل، لكن ارجو ان تلاحظ مقدار الخسارة التي سببتها لك هذه المشاعر..”، فاجاب على الفور “انني قادر على مواجهة الموقف!”

وعاد المدير يقول “ان ما جرى لك في هذه الشهور يظهر انك مخطئ يا يوسف. ان الحقد مدمر، وعدم الغفران مؤذ، هناك قصة رواها السيد المسيح توضح ما اقول. سأحكيها لك:

“منذ زمن طويل عاش ملك اشتهر بالرحمة والكرم، كما كان يفهم روح الشريعة، وكان قد منح سلفيات لعدد كبير من المواطنين ورأى ان يصفي الحسابات المعلقة بينهم وبين الدولة. كان هذا التفكير يشغله “ما اكثر عددىالمديونين الذين لم يسددوا ديونهم، وبعض الديون كبيرة يجب ان تسدد”.

ودعا الملك وزير ماليته. وقال له “لقد فات موعد سداد الكثير من الديون. فاستدع المدينين”.

كان احد المدينين – واسمه مجدي- مدينا بعشرة الاف وزنة من الفضة. حالما وقف امام الملك . جاءه صوت الحاجب “مجدي، لقد حان دفع ما عليك من ديون”

وساد صمت القاعة الملكية والكل يتساءل هل ترى يقدر على السداد؟ .. وجاء صوت مجدي مرتعشا “اسف يا سيدي. انا عاجز عن السداد!”

واجاب الملك: “وانا ايضا اسف! ان القانون لا يعفيك من السداد، وانا هنا اصدر امري ان تباع انت وزوجتك واولادك وكل ما لديك لتوفى الدين. القضية التالية!”

ولما اقترب الجنود ليأخذوه، القى بنفسه على الارض امام الملك وصرخ:”الرحمة يا سيدي! تمهل عليّ فاوفيك الجميع!”

وكان الملك على وشك اصدار الاوامر للجنود ليقيدوه ولكنه فكر “ما عسى هذا الرجل ان يفعل؟ انه لن يقدر ان يوفي الدين” وتحرك قلب الملك شفقة وامر الجنود ان يبتعدوا عنه.

“كفى انك تكسر قلبي. انا اسامحك بكل ديونك. سأسدد انا دينك بدلا منك، لان ديونك يجب ان تسدد للدولة. اذهب بسلام. انت حر!”.

وخرج مجدي من حضرة الملك فرحا، ولكنه التقى زميله المدين له بمبلغ مائة دينار وقال مجدي في نفسه “لان هذا الرجل وامثاله اقترضوا مني صرت مدينا للدولة بكل هذا الدين! وعزم ان يطالب هذا الرجل وامثاله بسداد ما عليهم، حتى لا يعود يستدين مرة اخرى!.

استوقف زميله بعنف واشاح بقبضة يده في وجهه صائحا بغيظ: “لقد مضى وقت طويل يا عادل دون ان تسدد ما عليك، فادفع ما عليك الان والا..

وارتمى الرجل امامه وقال: “تمهل علي فاوفيك كل دينك!”

ولكن مجدي رفض واشتكاه لدى الشرطة فالقى في السجن.

وعندما سمع اصدقاء مجدي ما جرى اندهشوا وتساءلوا “كيف يفعل هذا؟ كيف بعد ان سامحه الملك بكل هذا؟” ثم ذهبوا للملك واخبروه بكل ما فعل مجدي، فاشتعل الملك غضبا. وامر باحضار مجدي.

وحينما مثل مجدي امام الملك قال له: “كل هذا الدين تركته لك وقررت ان اسدده عوضا عنك لانك سألتني الرحمة، فكان يجب ان ترحم زميلك كما رحمتك انا”

وصمت مجدي..

وصاح الملك : “خذوه وضعوه في السجن الى ان يوفى الفلس الاخير”

ولما انتهت القصة تطلع المدير الى يوسف وقال:

“هل تعرف يا يوسف ان الله يعاملنا بالطريقة نفسها؟”

– ماذا تقصد؟

– تماما كما سلم الملك الرجل الذي لم يسامح زمله الى السجن – هكذا يتركنا الله الى لعذاب قلوبنا وضمائرنا، ان لم نغفر للاخرين من قلوبنا. بل اني متيقن من هذا ، لهذا تثور لاقل اهانة توجه اليك ، انك معذب يا يوسف من الداخل، لان قلبك ملئ بالمرارة من نحو ابيك.

– ولكن كيف اغفر وقلبي عاصف في داخلي.

– لا يستطيع احد ان يغفر بقوته الشخصية ، ولكن علينا ان نطلب من الله ان يعمل فينا لنغفر، فالغفران ينبع ن القلب، ولن يغفر الا القلب الذي غيّره الله وجعله جديدا، وطهره وغفر له . هذا وحده هو الذي يقدر ان يغفر.

– هل يمكن ان الله يغيّرني؟ وكيف انال القلب الجديد؟ اني احتاج اليه.

– عندما تطلب من الله باخلاص، وتقول له الحق عن نفسك، عندها يمنحك الله قلبا جديدا.

واغمض يوسف عينيه وتنهد موافقا ، وراح يطلب من الله ان يغيّر ما بداخله.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s