-12-
الاخوة الاصاغر يخدمون
اراد القديس فرنسيس ان يتمم الرسالة التي كلفه الله بها، بأن يبني الكنيسة الروحية اي نفوس المؤمنين بالتعليم الروحي، فارسل اخوته اثنين اثنين، وذهب هو معهم. وعندما انتهت مدة خدمة الاخوة اجتمعوا معا، واخذوا يحكون لبعضهم البعض ما حدث اثناء خدمتهم. اخذ الاخوة يضحكون في فرح وهم يسمعون عن الالام التي جاز فيها بعضهم لانهم صاروا مستحقين ان يتألموا من اجل المسيح. كان الناس احيانا يقاطعون وعظهم بالغناء البذئ، وكانوا احيانا يرمون الطين عليهم ليسكتوهم. عندما كانوا يدخلون المدن بثيابهم البسيطة كانت الامهات يبعدن الاطفال خوفا عليهم، باعتبار ان الاخوة سحرة يؤذون الاطفال بالعين الشريرة. وكان التجار يطردوهم باعتبار انهم كسالى شحاذون يريدون ان يأكلوا خبز الكسل. وكان رجال الشوارع يضحكون عليهم ويهزأون بهم ويضربونهم بالطوب باعتبار انهم مجانين. وكان الاطفال يمشون خلفهم ويهتفون ضدهم.
نعم! لم تكن خدمتهم سهلة.
في احدى البلاد ضربوا الاخين بالحجارة، فكان كل منهما يأتي امام الاخر حتى يحمي زميله من الاذى.. وفي بلد اخر حاول الاهالي ان يسقوا الاخ خمرا وعندما رفض ضربوه وقطعوا ثيابه البالية.. وفي بلد ثالث قطعوا اكمام ثوب الاخ حتى كاد البرد ان يجمد ذراعيه1
غير ان خدمتهم كانت مثمرة.
في بيت رجل غني حدثت معجزة. اراد الرجل ان يعطي الاخوة مالا كمكافأة، وعندما رفضوا اعطى الكثير من ماله للفقراء.
واقبل الكثيرون يسمعون وعظهم في رغبة صادقة. لم يكن الاخوة يترددون في وعظ الناس مهما كان عددهم قليلا، فقد كانوا يتسلقون الجبل ليكلموا احد الرعاة، او يدخلون بيت فلاح ليكلموا زوجته وهي تحلب اللبن، او يسيرون وراء فلاح يحرث الارض يعظونه فيما هو يمشي وراء محراثه حتى لا يتعطل عن عمله. وكان كلامهم يناسب حالة كل واحد، فالفلاح الذي يحرث كلموه عن بذار ملكوت السموات، والمرأة التي تحلبي كلموها عن كلمة الله النقية كاللبن، والراعي الذي بمفرده على الجبل كلموه عن الراعي الصالح وهكذا.
ولم يأكل الاخوة خبز الكسل. فالاخ برنارد الغني امتلأت يده بالثأليل بعد ان ساعد فلاحا في تحميل عربته بالسباخ، وكانت اجرته صحن مرق ورغيف خبز. شرب برنارد المرق وابقى لاخوته رغيف الخبز.
-13-
البابا يبارك رهبنة فرنسيس
كان لابد للقديس فرنسيس من تنظيم اتباعه بأن يكتب هدف رهبنته ويعتمده البابا
واحضر بعض الاخوة ورقا وقلما لفرنسيس ليكتب:
“نحن الاخوة الاصاغر اجتمعنا معا لنحيا حياة الطاعة والعفة دون ان يكون لنا ملك شئ، محاولين ان نتبع يسوع في تواضعه وفقره. ونحن نرحب بكل من يعطي ماله للفقراء ثم يكسب عيشه بعرق جبينه. وسنكتفي بطعامنا. ولن نتخاصم او نجادل. وسنجد سعادتنا في معاشرة البسطاء والضعفاء والمرضى والبرص والشحاذين”
وقع الاخوة الاصاغر ثم سافروا في ربيع عام 1210م الى روما ليقابلوا البابا.
لم يستطع فرنسيس مقابلة البابا فقابل الكاردينال “يوحنا” الذي فرح وقال “ان نظام فرنسيس سيحفظ الكنيسة من السقوط”. وجاء اليوم الذي وقف فرنسيس واخوته في حضرة البابا.
قال الكرادلة ان عيشة الفقر لا يمكن تطبيقها عمليا.. فقال البابا لفرنسيس:
“صل يا ابني حتى يعلن لنا المسيح ارادته”
وخرج الاخوة من امام البابا يصلون ان يعلن الله ارادته للبابا.
وذات يوم حلم البابا ان بناء الكنيسة يسقط ، ولكن رجلا فقيرا جاء وسند المبنى فلم يسقط. وعرف البابا الرجل من وجهه انه فرنسيس..
وفي نفس الليلة حلم فرنسيس ان شجرة عظيمة كثيرة الفروع كانت تنمو وفجأة انحنى اعلى فرع في الشجرة امامه!
وجاء فرنسيس مرة ثالثة في حضرة البابا .. وسأل البابا “هل ات متأكد ان الله والناس سيساعدونك باستمرار؟”
فقال: “بالتأكيد. وسأحكي لك قصة. كانت فتاة فقيرة جميلة تعيش في الصحراء ، وذات يوم رآها الملك وتزوجها وانجب منها اولادا. ثم تركها وذهب الى عاصمة مملكته. فاذاعجزت الفقيرة ان تطعم اولادها ، وارسلتهم الى قصر الملك ليأكلوا . فهل يطردهم ابوهم الملك؟ بالطبع لا ، لكنه يطعمهم افضل الطعام ويعطيهم احسن مكان”
“وما معنى القصة؟”
“انا هو السيدة الفقيرة التي احبها الله الملك العظيم، وقد ولدت هؤلاء الاولاد. فان احتاجوا ارسلتهم الى ابيهم الملك، فهل يطردهم؟”
وتحرك قلب البابا “انوسنت الثالث” كثيرا فنزل عن عرشه واحتضن فرنسيس وقال “اذهب واكرز وعلم، فانت واتباعك ستحفظون الكنيسة”
وخرج فرنسيس واخوته من عند البابا بفرح عظيم..
واصغى ابوه اليه ذات مرة وهو يعظ ثم قال “صار ابني اشهر رجل في اسيسي.. ولكن اه! لو لبس ملابس نظيفة كم كان يكون ذلك افضل. ابن افضل تاجر قماش يلبس اقذر وارخص الملابس!”
وطلب فرنسيس من اتباع ان يعلموا الناس بالقدوة وكان يقول طيجب ان كون وعظ الاخوة بالمثل الصالح اكثر منه بالكلام”
وذات مرة قال لاحد اتباعه “لنذهب ونعظ الناس”
وخرج مع الراهب وسارا في شوارع المدينة ثم رجعا الى الدير. وسأل الراهب وقال “كيف رجعنا الى الدير ولم نعظ؟” فقال فرنسيس “من قال اننا لم نعظ؟ لقد وعظنا .. وعظنا بالقدوة الصالحة”
-14-
كلارا تتبع فرنسيس
في سنة 1211 القى القديس فرنسيس عظات “صوم الاربعين” وكان بين الحاضرين “كلارا” التي اعطت من قبل فرنسيس المال لترميم كنيسة القديس دميان. ولاحظ القديس وجهها ينير بنور سماوي، وقال في نفسه انها ملاك يعيش بين البشر” ثم قال لاحد رهبانه “تعالى نصلي حتى يحفظ روحها”.
وفي عام 1212م القى القديس عظات الصوم الاربعيني مرة اخر في اسيسي، وسمعته كلارا وعزمت ان تقابله. وقد دبرت عمتها اللقاء عند نهر صغير خارج البلدة.. وبعد اللقاء الاول كان لقاء اخر وثالث.. وفي كل لقاء كان الحديث يدور حول يسوع – السماء – الفقر..
وقرر الاسقف المسئول عن رهبنة القديس فرنسيس ان تهجر كلارا العالم ليلة الاثنين التالية لاحد السعف. وفي ليلة ذلك اليوم، قبل الفجر، هربت كلارا من بيت ابيها مع عمتها من باب خلفي في حديقة المنزل الكبير، وسارت الى الكنيسة التي اجتمع فيها الاخوة الاصاغر وكانوا يصلون صلاة الصبح، وبعد انتهاء الصلاة ركعت كلارا امام المذبح ، وتقدم فرنسيس فالبسها ثياب الرهبنة الخشنة، ثم قص شعرها الحريري الجميل الطويل.. وسقط الشعر الذهبي امام المذبح، فاعطاها القديس البركة قائلا “يا اختي، انت الان عروس ملك النور.
واكتشفت العائلة هروب كلارا، فاخذوا يسألون عنها حتى عرفوا انها تسكن في دير القديس دميان. وجاء عدد كبير من العائلة بغضب شديد، وحاولوا ان يقنعوها بالرجوع، ولكنها كشفت عن رأسها وقالت “مستيل ان افترق عن المسيح. وحتى اذا اخرجتموني من الدير فلن تصرفوني عن محبة المسيح وطاعته وخدمته”
وتركوها عندما رأوا عزمها وثباتها.
ولقد صارت كلارا ومعنى اسمها “المنيرة” البالغة من العمر 21 عاما نورا لكثير من الفتيات لاتباع المسيح. وكان اول من عزم للسير وراءها اختها اختها “اجنس” البالغة من العمر 16 عاما..
وخرجت اجنس من بيتها الى دير القديس دميان ، ولكن اهلها خرجوا خلفها، وسحبوها من شعرها على الطريق المحجر، وهي تصيح “ساعديني يا اختي كلارا، ارحمني ايها المسيح”. ثم اغمى عليها. واراد عمها ان يقتلها، ولكن يده عجزت، فتركوها ومضوا. وقامت اجنس لتعود الى اختها في الدير.
وبعد وقت استراحت عائلة اجنس وكلارا من جهة رهبنة الابنتين وهم يقولون: “اصحاب الدم الشريف هم وحدهم الذين يثبتون على عزمهم مهما كان الثمن”.
**
وقد كانت رهبنة القديسة المنيرة “كلارا” سبب بداية الرهبنة الفرنسيسكانية الثانية، التي يسمونها “رهبانية القديسة كلارا” او “رهبنة السيدات الفقيرات”.
-15-
متاعب وتجارب
لم تكن حياة القديس سلسلة انتصارات ونجاح، لكنها كانت مليئة بالمتاعب، وقد حدث مرة ان جاء عليه حزن شديد لم يعرف له سببا. وحاول ان يطرد الحزن بالترنيم والصلاة فلم ينجح واخيرا ذهب ليقابل كلارا حيث قضى معها وقتا طويلا يتحدث حتى استراحت نفسه.
وبعد ان ترك كلارا هجم عليه خاطر ملأ نفسه بالفشل، فقد رأى فلاحا يحمل طفلا، فقال في نفسه: “ما كان يجب ان ابدأ هذا العمل! انا لا اصلح لشئ، واعيش عالة على الاخرين. كان يمكن ان الاخوة الاصاغر يصيرون كما هم اليوم بدوني، وانا احيانا اظن في نفسي اكثر مما يجب. كان يمكن ان اكون مثل اي شخص عادي.. مثل هذا الفلاح – على الاقل يكون لي اولاد”.
ولم يقدر فرنسيس ان ينام اليل؟، وبقى اليوم الذي بعده يمشي في الغابة على غير هدى. ورآه الاخوة وسألوه هل انت مريض؟”. فقال “نعم. مريض هنا. انا محتاج الى هواء نقي” واشار الى قلبه ثم بقى يمشي ويمشي.
وفي وسط الثلج وقف.. وصلى. ثم صنع سبعة تماثيل من الثلج ونظر اليها وقال “هذه زوجتي واولادي. انهم يحتاجون الى الطعام والكساء.. لكن من اين اعولهم وانا لا املك قوت نفسي؟ كم انا سعيد لانه لا يوجد لي سيد اخدمه الا واحد وهو الله.
ووقف يضحك بصوت مرتفع وقد تحررت نفسه من التجربة، ثم ركع يصلي “ربي والهي ، اني احبك اكثر مما احب اي كائن حي. احبك اكثر من كل شئ”.
وفي مرة تجدد رجل غني واهتدى الى الله على يدي فرنسيس فاعطاه جبلا كان يملكه ليكون مسكنا للرهبان. وفرح فرنسيس كثيرا بالهدية، فقد كان يشتاق ان يصرف وقتا طويلا مع الله في خلوة فوق الجبل يصلي ويتأمل. ولكن بعد تفكير قال فرنسيس “لقد دعاني الله للوعظ، وفكرة الخلوة فوق الجبل وحدي فكرة انانية. كف استفيد انا وحدي ولا افيد الناس؟ يجب ان اعيش كما عاش المسيح وسط المحتاجين لوعظ والارشاد”
ولم كن فرنسيس يعرف ما يصنع: هل يطيع نداء اله للوعظ او نداء الذات للخلوة؟
ودعا فرنسيس احد رهبانه وطلب منه ان يذهب ويستشير كرا وقال فرنسيس “هي تحيا دوما في نور الله وتستطيع ان ترشدني بارشاد الله”
ورجع الراهب يقول “كلارا تقول الوعظ اولا. فان الله لم يخلقك لترضي نفسك بل لتخدم الاخرين”
واطاع فرنسيس الصوت، ومضى يعظ.
وذات يوم كان فرنسيس مسافرا الى روما مع راهب طويل مليح. وعند الظهر دخل الاثنان الى قرية ليشحذا طعاما. وسارا كل منهما في شارع لوحده. وبعد وقت تلاقى فرنسيس والراهب عند نبع ماء. كان فرنسيس قد حصل على طعام قذر لا يصلح حتى للكتاكيت اما الراهب الطويل المليح فقد حصل على شرائح خبز نظيفة مغطاة بالزبد. وحزن الراهب لان الناس يحابون بالوجوه، اذ اعطوه وهو الصغير في الروح الطعام الحسن واعطوا فرنسيس العظيم الطعام الردئ. ولكن فرنسيس ضحك بصوت مرتفع وهو يقول : لنشكر الله الذي اعطانا الماء والهواء والشمس ثم اعطانا هذا الطعام.
**
وقد واجه نظام رهبنة القديس الكثير من الانقسام، ومع ان عدد الاتباع بلغ ثلاثين الفا، الا ان البعض بدأوا يتركون النظام، خصوصا الذين انضموا اليه من البدء وقد حدث انسحاب بعض الاخوة الاوائل هزة في النظام كله. وكان سبب التذمر ان الاخوة طلبوا قانونا مكتوبا ينظم الرهبنة. بينما رفض القديس ان يضع نظاما ثابتا.
وقد حدث سوء تفاهم كثير، رأى القديس فرنسيس بعده ان يكتب قانون نظام رهبنته.. ثم اضطر ان عيد كتابته.. واخيرا ترك القديس قيادة النظام كله في يد بعض اخوته، خصوصا بعد ان ساءت صحته. وكان الاخ بطرس – الكاهن الذي تبع فرنسيس – هو رئيس النظام بعد فرنسيس ثم تولى المسئولية بعده الراهب الياس.
-16- فرنسيس يعظ الصليبين
كان فرنسيس حزينا بسبب الحروب الصليبية، لان المسيح الذي يعلم الناس المحبة، والذي في صليبه الغفران والتضحية لا يمكن ان يرضى بالحرب والقتل والموت.
واخذ فرنسيس الاخ برنارد معه للسفر الى مصر. وبعد ان ركبا مركبا بضعة ايام قامت عليه عاصفة شديدة حطمته والقت بالركاب على شاطئ قريب من ايطاليا. وقال فرنسيس في نفسه انه لا يستحق ان يذهب ويعظ. ثم رجع الى ايطاليا واخذ يعظ الناس في طريقه حتى وصوله الى اسيسي.
وفي سنة 1219م حاول مرة اخرى ان يسافر الى مصر، ونجح ي ذلك. ورأى فرنسيس الدم يسيل حتى وصل الى النيل فيصبغه بلون احمر عند دمياط. وقد وجد ان بعض الجنود الصليبيون ملانون بالبغضة والانقسام والشر. وبدأ يعظهم ويقول “سبب عدم نجاحكم في الحرب هو انكم تحملون السلاح بدل الصليب. والصليب الذي تحملونه على صدوركم يجب ان يكون في قلوبكم. لو جئتم بالمحبة لكنتم قد ربحتم القلوب. السيوف تهرق الدم والصليب يربح القلب. ولن تصلوا الى الارض المقدسة حتى تتقدس قلوبكم. وملعون كل من يحارب لغير العدل وحرية القلب من الشر. طهروا نفوسكم . طهروا قلوبكم.
وعزم القديس ان يذهب لمقابلة الملك العربي. وعندما وصل الى معسكر الملك الكامل بن الملك العادل الايوبي عند المنصورة ادخلوه ليقابله. وقال فرنسيس “لم يرسلني اليك مخلوق. ولكن العلي العظيم هو الذي ارسلي وبأمره اتيت”
وظن الملك الكامل ان فرنسيس مجنون. ولكنه احترمه لشجاعته، وطلب منه ان يقابله في اليوم التالي. وقضى فرنسيس بضعة ايام في المعسكر .
وقال الملك لفرنسيس “دينك ليس صحيحا فقال فرنسيس للملك “اوقد نارا ادخل فيها انا ورجالك، والذي يخرج سالما يكون دينه صحيحا” وتبسم الملك ورفض وطلب فرنسيس ان يوقد الملك له نارا ويدخل فيها فاذا احترق كان هذا بسبب خطاياه، واذا خرج سالما يؤمن الملك واتباعه بدينه. ومرة اخرى تبسم الملك ورفض. ولكه قال لفرنسيس “ادع الله ان يهديني الى الدين الذي يرضيع عز وجل، وان يعطيني القوة على الايمان به. لاني مهتم الان بالحرب وهذا يعطل الامر”.
واعطى الملك لفرنسيس تصريحا له ولاخوته بزيارة الاماكن المقدسة.
-17-
فرنسيس يعظ الطيور
كان فرنسيس يسير مع راهبين من اخوته قاصدا الوعظ في بلد قريب. وكان الطريق الى تلك البلد يمر بغابة بها اشجار كثيفة . ولاحظ فرنسيس الاف الطيور.. وطلب فرنسيس من راهبين يتبعانه ان يقفا حتى يغظ الطيور ، فاذا الطيور كلها ساكتة تنظر اليه بعد ان غطت اغصان الشجر.. ثم قال
“اخوتي العصافير الاعزاء. انالله اعطاكم الحرية لتطيروا وواجبكم ان تسبحوه على الدوام في كل مكان..وتشكروه على الطعام الذي يعطيكم بدون تعب فانتم لا تزرعون ولا تحصدون ..”
-18-
فرنسيس يعظ الذئب
في مدينة “غوبية ” بايطاليا كان القديس يعظ واراد ان يسافر نها ليلا الى بلدة اخرى ليعظ لكن اهل غوبية طلبوا اليه عدم السفر خوفا عليه من ذئب شديد الخطر ولكن القديس قال لهم “ماذا فعلت لاخي الذئب حتى يفترسني ويفترس حماري؟”
ثم مضى يفتش عنه حتى وجده فقال له “ايها الاخ الذئب: لم يخلقك الله لتؤذي الناس وان لم تتوقف عن ضرر الناس ستجد العقاب الاليم. هل تعدني ان تتوقف عن اذى الناس؟”
ومد الذئب يده ووضعها في يد القديس علامة الدخول معه في العهد. ثم رجع الى غوبية والذئب يتبعه مثل نعجة.
وفي المكان الذي قابل فيه القديس ذئب بنى اهل غوبية كنيسة جميلة.
-19-
كلمات خالدة
عندما حذره الاسقف من متاعب الطريق الذي يسلكه قال:
المسيح وقع تحت ثقل الصليب ثلاث مرات ولكن الاب وقف معه. وانا اتكل على الاب نفسه. والا ما كنت حضرت هنا”
وفي الموعظة التي القاها في اسيسي بعد ان اعطاه البابا التصريح بالوعظ:
احبوا بعضكم بعضا وانسوا ان كنتم اغنياء او فقراء، لان الانسان لا يساوي الا ما يساويه في نظر الله. لا يجب ان نحسب انفسنا اكثر مما يجب او نظن في نفوسنا افضل من الواقع. ولن تصيروا احسن الا اذا منحتم الاخرين من النور الذي منحكم الله.
وفي مرة كان يسير مع احد الرهبان حين قال له:
“لو اعطى الاخوة الاصاغر افضل صورة للقداسة والصلاح. ولو شفوا المقعد، وفتحوا عبيون العميان واخرجوا الشياطين واقاموا الموتى .. فلن يجدوا في كل هذا الفرح الكامل”.
ثم قال القديس فرنسيس “وحتى لو عرفنا كل شئ واستطعنا ان نخبر بالمستقبل وعرفنا اسرار ضمائر الناس وقلوبهم.. فليس في هذا الفرح الكامل”
وهنا سأله راهب: “اذا اين الفرح الكامل؟”
فقال: “ان وصلنا الى با الدير ونحن نكاد نموت من البرد وكاد الجوع يقتلنا ثم رفض البواب ان يدخلنا لانه يظن اننا لصوص.. وان كنا نلح فيجري خلفنا ويضربنا فان احتملنا هذا في صبر ومحبة يكون هذا الفرح الكامل”
وقال مرة:
“انا قيثارة في يد الله يعزف عليها الحانه، والناس يأتون ليسمعوا كلام الله”
المحبة هي كل شئ. يستطيع اي انسا ان يقدم من ماله لله. ولكن الشئ الوحيد المطلوب هو ان نفرح دائما بما يعطيه الله – هذه هي المحبة
يا رب انا خجلان من انك تستخدم دودة حقرة مثلي. لاكون قناة ماء تصل فيها محبتك للناس.
وصلى عندما ضعف بصره:
اشكرك يا رب من اجل (اختي) الشمس ولو اني لن اراها بعد. ولكن هذا لا يهم لانك لم تخلقها لاجلي وحدي.
وعندما ضعف لاجسده وسلم عمله لبطرس في قيادة نظام الرهبنة قال “من الان ليس لي ما اعمله في العالم الا ان اكون قدوة ، سأكون قدوة للاخوة الاصاغر ولن اطلب غير شخص الله”
وذات مرة كان يسافر على ظهر حمار حين سأله فلاح: “هل انت فرنسيس الاسيسي؟” فقال “نعم” قال الفلاح “اذا خذ بالك من نفسك، فان الناس يقولون عنك كلاما صالحا، فاجتهد ان تجعل هذا الكلام حقيقيا”. وانحنى فرنسيس وقبل قدم الفلاح وقال له “اشكرك على هذا التحذير” وقال “لو انعم الله على الخطاة بما انعم عليّ، لكانوا خيرا مني. ولو تركني افعل الخطية كما تركهم لصرت شرا منهم. فما في من صلاح هو عطية ربي انا المطبوع على الشر، لذلك لا يحق لي ان افتخر بمواهب الله”.
وهنالك الصلاة المشهورة التي قال فيها “يا رب اجعلني اداة في يدك للسلام،
فحيث تكون الكراهية اجعلني ابذر بذور الحب، وحيث الاساءة الغفران، وحيث الشك الايمان، وحيث الظلام النور، وحيث الحزن الفرح”.
“يا رب لا تسمح ان اسعى خلف تشجيع الناس قدر ما اسعى خلف الناس لتشجيعهم، ولا اسعى وراء الناس ليفهموني قدر سعي وراء الناس لافهمهم. ولا تسمح ان اطلب محبة الناس لي قدر طلبي ان احبهم. لاني عندما اعطي اخذ وعندما اغفر للاخرين تغفر انت لي، وعندما اموت اولد للحياة الابدية”.
-20-
رقد وهو يرنم
طلب فرنسيس من الرب طلبتين قبل ان يموت.. الطلبة الاولى ان يختبر الام الرب والطلبة الثانية ان يختبر محبته للبشر.
وعند فجر احد الايام اضاء الجبل كله بنور عظيم واذا بالمسيح يظهر له، ثم خرج نور من يديه الى يدي فرنسيس ومن جنبه الى جنبه..
وفي حجرة جانبية كان فرنسيس يرقد متألما وهو في فرح كثير، وطلب من اثنين من الرهبان ان يرنما له، فاخذا يرنمان. ودخل رئيس النظام الذي اسسه القديس فرنسيس واسمه الياس يطلب الى فرنسيس الهدوء والصمت لان الناس لا تصدق ان القديس الذي يموت محتاج الى الترنيم . ولكن فرنسيس قال “بنعمة الروح القدس انا متحد بالرب ولا استطيع الا ان افرح لاني سعيد بالاتحاد به”
وذات يوم سأل فرنسس الطبيب “متى تنفتح لي ابواب السماء؟”
فقال الطبيب “اليوم”
واسرع الاخ الياس يخبر الناس بقرب مو القديس، فاجتمع اهل اسيسي والبلاد القريبة. وطلب القديس من اصحابه ان يرنموا له المزمور 142 والذي يقول:
“بصوتي الى الرب اصرخ.. انت ملجأي نصيبي في ارض الاحياء.. اخرج من الحبس نفسي لتحميد اسمك. الصديقون يكتنفونني لانك تحسن اليّ”
وفي اليوم الثالث من شهر اكتوبر عام 1226م رقد القديس فرنسيس وله من العمر اربع واربعون سنة، بعد ان رنم قدر ما استطاع من مزمور 142 مع اخوته الرهبان.
***
رقد القديس العظيم قديس الفرح والسلام والمحبة، ولكن رسالته لم تمت فقد حملها من بعده كثيرون من اتباعه.. ولا زالت الى يومنا هذا تحمل النور الى الكثيرين في بلاد العالم المختلفة.