-2-
ولائم سيدة القصر
… اليوم عاد عمي من الخارج متأخرا ، ولكننا لم نكن قد نمنا بعد. كنا ننتظره وقد سألناه عن سبب تأخره .. لقد ظل هذا دأبه الشهور الاخيرة ولكن اليوم تأخر الى قرب منتصف الليل.
اخبرنا ان الملك كان يعتزم ان يقوم بحملة حربية اخرى. لقد عاد من غزوة الامس منتصرا. وها هو يستعد لغزوة اخرى. ارسل يدعو كبار الموظفين وعظماء الدولة وسكان العاصمة الى وليمة سيدونها التاريخ. وقد امر ان تقام بجوار العاصمة مدينة من الخيام.. ويا لها من خيام! كانت من انسجة خضراء وحمراء ووردية، وكلها من اجود انواع الحرير. وقد تدلت من سقوفها اسلاك من الفضة والذهب المرصعة بالجواهر واللؤلؤ ، وفي طرف الاسلاك ثريات من الزجاج الملون والبلور ، جعلتها اذا ما هب الهواء عليها ترسل انغاما موسيقية ساحرة، وفرشت الارض بابسطة من اجود ما صنع في فارس. واسست باسرة ذهبية وضعت عليها وسائد حريرية. وجاءوا بموائد من خشب الصندل والارز ورصت فوقها الاطباق والاقداح الذي تطلب اشتغال مئات العاملين. وقد بلغني من كبير حراس القصر امر الملك ان تمتد الولائم ستة شهور كاملة يقدم فيها الطعام والشراب بسخاء منقطع النظير.
وذكر عمي ان كثيرين من زملائه قد تعينوا للاشراف على مداخل المدينة الجديدة. وانه هو “عمي” قد رقي الى درجة حارس على الباب الكبير. وذكر ان المدينة تموج بمختلف الجنسيات: مصريين وكوشيين وعرب وهنود وبابليين واشوريين ويهود.. مائة وسبعة وعشرين دولة خضعت لسلطان زركسيس. جاء من كل مكان ممثلون يحتلون وظائف ذات شأن كبير.
بدأت الوفود الكبيرة تصل ، وقام الموظفون المكلفون بارشادهم الى اماكنهم وقد خيل اليّ ان العالم كله قد اجتمع في شوشن القصر. لم استطع ان اعي كل ما قاله عمي، اما زوجة عمي فقد نامت وهو يتحدث – ذهبنا الى فراشنا قبل الفجر بقليل. لا شك اني لن استطيع ان انام فاذا نمت فلا شك انه سيكون نعاسا مليئا بالاحلام. سأبصر تلك “المدينة البهية” التي تشبه الفردوس الذي حدثنا عنه اباءنا. وسأتجول في طرقاتها كما اشاء فلن يستطيع حارس ان يمنعني من السير لاني سأفعل ذلك في الحلم. سأنام الان لاستيقظ على الحقيقة القاسية ، حقيقة حياتنا في بيتنا الوضيع ولكن لا. فاني سأستيقظ وانا في ملء الرجاء والامل..