هامان في بيته
تركنا المائدة نحن الثلاثة بمشاعر مختلفة
اما الملك فقد خرج وهو يحمل لي انبل العواطف. عاد حبه القديم ربما اشد مما كان. ولكنه خرج وهو يحس بكثير من الشكوك في هامان ونواياه – اما انا فقد تركت المائدة وانا اشعر انني اقتربت من مبتغاي.
على ان هامان كان حضوره الوليمة اول خخطوة في انزلاقه. خرج في ذلك اليوم فرحا طيب القلب، ولكن لما رأى بن عمي في باب الملك لم ينحن له امتلأ غيظا. يا له من احمق! انه يبدو عظيما امام الناس ولكنه مخلوق حقير. رجل ارتفع كرسيه فوق كراسي العظماء وسجد له الكبراء والاشراف. رجل هو جليس الملك ونديمه المفضل، يخلو اهتمامه من عظائم الامور ليهتم بسفاسف الاشياء. كل ما يشغل عقله الخبيث هو مظاهر التبجيل التي يقدمها له شخصيات نكرة، ماذا ينتظر من بواب من امة حقيرة مغلوبة على امرها؟! حقا ان الصغير صغير ولو احيط بكل مظاهر العظمة.
لقد اخبروني انه عندما دخل الى بيته، ارسل واستحضر احباءه وعدد لهم عظمة غناه وكثرة بنيه وكل ما اولاه الملك من مكانة ومهام جليلة. وقال فيما قال: “حتى ان الملكة كوكب الصباح لم تدخل الى الوليمة التي عملتها الا بعد دعوتي.. وانا ايضا مدعو غدا اليها مع الملك”. ثم تابع يقول “لكن كل هذا لا يساوي عندي شئ كلما ارى مردخاي البواب جالسا في باب الملك” انني مستعد ان ابذل كل شئ في سبيل القضاء عليه والتنكيل به.
قال هامان هذه الكلمات واحمرت عيناه وطفح الزبد من فمه، وقام يصيح ويشيح بيده “مردخاي مردخاي! لن اشبع الا اذا شربت من دمك ايها الحقير”
اما زوجته الحكيمة زرش فحاولت ان تهدئ من ثورته وقالت: “سيكون لك اكثر مما طلبت . الم يصدر المرسوم الملكي بابادة جميع قومه”
قال “ولكن وقت الابادة بعيد! بعد اثنى عشر شهرا.. وهل استطيع ان انتظر كل هذه المدة!”
فقالت: “ولماذا تنتظر عليه، فلتقضي عليه بصورة بشعة يكون عبرة لكل من تسول له نفسه ان يتعالى على كبير الامراء هامان، ثم صمتت قليلا ولما تكلمت قالت: “انك لا تستطيع ان تقتله بالسكين او بالسيف لان اسحق نجى من سكين ابيه على المذبح. ولن تستطيع ان تغرقه في الماء لان موسى نجى من سيف فرعون بوضعه في الماء، ولا تستطيع ان تجعله طعاما للنار فقد نجى منذ عهد قريب الشبان الثلاثة شدرخ وميشخ وعبدنغو من اتون النار، والوحوش المفترسة لن تؤذيه فقد ينجيه الهه كما فعل مع بلطشاصر حينما القاه داريوس الملك في جب الاسود. وربما السجن ايضا لن يقضي عليه فقد يخرج منه الى مكانة اعظم كما خرج يوسف من السجن ليجلس على عرش فرعون. بل اذا قلعت عينيه لا تستطيع ان تتقي شره لان شمشون بعد ان قلعت عيناه قتل الالوف من اعدائه، وكان الذين قتلهم في مماته اكثر ممن قتلهم في حياته – لا توجد الا وسيلة واحدة متبقية – وهي ان تقتله معلقا على خشبة. مر عبيدك فيعملوا له صليبا ارتفاعه خمسون ذراعا. وفي الصباح قل للملك ان يصلبوا عليه مردخاي الحقير هذا لانه لم يعطيك التبجيل اللائق.
ووافق الجميع على رأي زرش.
وذهب هامان مستريحا الى فراشه. سينتهي من مردخاي غدا، وها هو يرى مردخاي في حلمه منطرحا عند قدميه يطلب العفو ، ويرى نفسه وهو يركله ويدفعه الى مصيره البائس. ويستيقظ من نومه وهو يضحك وتسأله زوجته عن سبب ضحكه: ويقص لها وللعبيد حلمه ويسخر من قول مردخاي “ان ابي بنيامين لم يسجد الا لله. انا لا اسجد لك يا سيدي هامان”.
ويقهقه عاليا وقد انفرجت اساريره: “هذا جزاء من يقف في طريقي.. سأسحقك ايها المخلوق الضعيف. لقد جنيت على نفسك بكبريائك وحماقتك. سأطلب منهم ان يطيلوا عذابك”.