تكريم عمي
كنت في جناح القصر الخاص بي اشرف على اعداد الوليمة للملك وهامان. لم اكن في العادة انشغل بالولائم العادية وكانت كثيرة. ولكني كنت اولي الولائم التي يجلس فيها الملك معي اهتماما خاصا.
هذا فوق ان هذه الوليمة لها شأن خاص. كانت نقطة حاسمة في حياتي وحياة شعبي. كنت مرتبكة، وقد لاحظ ذلك جميع الخصيان والوصيفات، لكنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن السر الحقيقي خلف هذا الارتباك. كانوا قد لاحظوا شبه القطيعة بيني وبين الملك ، وغالب الامر انهم نسبوا ذلك الى دسائس هامان. وها هم يبصرون ولائم الصلح بيني وبين هامان، كانوا ظنون كما قلت ان هامان يدس لي لدى الملك. وكانوا يظنون انه فعل ذلك ردا على محاربتي لنفوذه. بل قد ظنوا اشياء اخرى لمست هامان وتطلعه اليّ. والقصور في العادة مملوءة بالاشاعات والمؤمرات.
اه، اين تلك الحياة البسيطة في بيت عمي حيث كنا نجلس نحن الثلاثة ومعنا عدد من الاحباء المخلصين نتحدث حديث المحبة والاخلاص. ليتلا الذين يحسدون سكان القصور يعلمون. ليتهم يعلمون!
على اني بالرغم من انشغالي بالوليمة لم اغفل ما كان يجريب في الخارج. كنت القي نظرة من الشرفة الى الخارج، وكان هتاخ والسراري ينقلون اليّ ما يجري في جناح الملك والخارج.
استيقظ الملك مبكرا على غير العادة. وجاء هامان الى القصر مبكرا على غير العادة. وامر الملك فدعا هخامان لمقابلته. كان وجه الملك شاحبا قليلا وكان هامان يبدو مضطربا قليلا. ولكنه عندما سمع كلمات الملك اشرق وجهه بصورة واضحة، بالرغم من انه حاول ان يخفي عواطفه. قال الملك؟، اشر عليّ يا هامان – ماذا يفعل لرجل سر الملك ان يكرمه؟ وصمت هامان قليلا وقال: “اعتقد يا مولاي ان رضا الملك فيه الكفاية وكل الكفاية.
يا للثعلب المكار! على ان الملك لم تخدعه تلك الاجابة. لقد لاحظ عيني هامان عندما قدم وجه اليه سؤاله، وقرأ فيهما النهم والشراهة، فاسرع يقول. نعم نعم ولكني اطلب شيئا محسوسا يليق بكرم الملك وسخائه. لم ينتبه هامان للفخ المنصوب. كان الملك منذ الامس يحس بما يجيش في صدر صفيه من اطماع، ربما يفكر ايضا في وجود دسائس. لقد راودته شكوك، وها هو ينصب له الشراك، ينصب للرجل “الداهية” ما يمكن ان يكشف دخائل قلبه. وانزلقت قدما الداهية. كان طمعه اكثر من حكمته، كشف نفسه. فكر هامان “ليس هناك رجل يسر الملك ان يكرمه اكثر مني”. ولكنه حاول ان يظهر كل تجاهل ويتكلم في براءة غير انه سقط. لماذا لم يسأل قبلا ما اذا كان الرجل فقيرا او غنيا، لما لم يسأل ما اذا كان الرجل موظفا كبيرا ام صغيرا.
ان حالة الرجل تحدد نوع الاكرام. فيمكن ان يكون الاكرام عطية مالية كبيرة او تعيين في وظيفة او ترقية الي وظيفة اكبر. لم يسأل هامان عن حالة الرجل المطلوب اكرامه لانه لم ير ان هناك شخص يسر الملك ان يكرمه غيره. كشف هامان داخل نفسه، ولو انه كان حكيما لاكتفى بتكرار اجابته السابقة. “يكفي رضا الملك. ان كل عطية اخرى تقلل من قيمة الاكرام”. ولكن هامان كان يطمع في الكثير رغم انه كان حائزا على الكثير..
هو صفي الملك ونديمه يجلس الى جواره ، يأكلان معا ويشربان على مائدة واحدة. يلعبان الشطرنج معا. كرسيه اعلى من كل كراسي الرؤساء والاشراف.. هو متزوج من الحكيمة زرش، واولاده كثر، امواله لا تحصى، قصوره في كل البلاد، اسمه معروف في كل البلدان والاقاليم من حدود اليونان الى كو.
“اه، لو يمكنه ايضا ان يجلس على العرش!”
ويجلس الى جانب الحسناء الملكة كوكب الصباح استير.
ثم تكلم هامان:
“اما وقد امر سيدي الملك، فاني نزولا على امره اقول:
ان الرجل الذي يسر الملك ان يكرمه ياتون باللباس السلطاني الذي يلبسه الملك وبالفرس الذي يركبه الملك وبتاج الملك الذي يوضع على راسه ويدفع اللباس والفرس لرجل من رؤساء الملك الاشراف ويلبسون الرجل الذي سر الملك بان يكرمه ويركبونه على الفرس في ساحة المدينة وينادون قدامه هكذا يصنع للرجل الذي يسر الملك بان يكرمه.
كان هامان يتوق اصدار الملك امره. انه يرغب ان يصير ملكا ولو ليوم واحد، ومن يعلم فربما استطاع بعد ذلك اليوم ان يزحزح الملك عن عرشه ويجلس هو بدلا منه!
وتكلم الملك، وكانت كلمته صاعقة!
فقال الملك لهامان : “اسرع وخذ اللباس والفرس كما تكلمت وافعل هكذا لمردخاي اليهودي الجالس في باب الملك.لا يسقط شيء من جميع ما قلته.”
اهتز هامان وكاد يسقط على الارض لولا انه استند على عمود قريب. وجرب ان يفتح فاه مرة ومرتان وفي المرة الثالثة خرج صوته مبحوحا: “ولكن يا سيدي –”
وقبل ان يتم كلامه قال الملك: “اسرع ونفذ الامر!”
نفذ الامر. كان يعمي يجلس على فرس الملك وحوله جمهور من الشعب، انه لا يصدق . لقد اخبروه ان هامان اعد له صليبا ليعلقوه عليه. فلما جاء هامان ليقدم له اكرام الملك ظن انه سيقوده الى الصليب… ولكن.. ماذا يقول: “معجزة! معجزة! ان الهي هو الاله الحي القوي.. انه لم يضعف لم تعتره الشخوخة كما اشاع الوثنيون. انه الاله المتسلط علىة كل ممالك العالم.
انتهى الموكب. خلع عمي ثياب الملك ولبس ثيابه العادية وعاد الى حراسة باب القصر. ولكنه عغاد شخصا اخر. انه لا ينظر الى المستقبل بخوف. ان الهه حي. نام عمي ولكن الهنا لا ينام. ان عيناه ساهرة على شعبه.