يوميات الاب كارول 2

Karol

ذلك الصباح الذي يملؤه الجليد والضباب من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، كان “ادوار” رئيس البلدية في رفقة “كرامتش” الحاكم الذي عينه الحزب لوضع قرارت الحزب موضع التنفيذ. قدم كرامتش للمدينة في زيارة مباغنة لمراجعة الانشاءات التي قرر الحزب اقامتها. بالمدينة ولولا سوء الطالع لكان كل شئ على ما يرام.

 

قال “ادوار” في ارتباك واضح مرحبا بالحاكم:

– اهلا بك، كومبانيون كرامتش. انني ارغب في ان اريك التقدم الحاصل في عملية بناء “اللاهوتا”.

صوّب كرامتش نظره نحو البناء الذي لم يكن قد اكتمل ، وقال في صوت اجش حاسم:

“لا تنس ان الحاكم يتطلع الى رؤية البناء عندما ينتهي العمل به.”

وقعت اجابة كرامتش منه وقع ضربات السوط على الظهر، فقال وفمه يرتعش رعشة تعتري الفم الذي يهم بارتشاف جرعة من كأس ماء متجمد:

“حسنا، سأبذل قصارى جهدي وسأجعل العمال يعملون بشكل اكبر، كومبانيون كرامتش.”

حدق كرامتش ببصره فيه، ثم التفت الى البناء، و ابتسم ابتسامة متغصبة وقال:

“انا متأكد من ذلك.”

***

كان اندرو يقود السيارة، حين هتف بيتر:

– انظروا! لابد انها الكنيسة.

وفي ضوء عمودي انارة ينتصبان في مدخل الكنيسة، رأى فيليب الكنيسة فدمدم يقول لنفسه:

–  هذه اول مرة اقدم فيها الى هذه الكنيسة.

وقالت ماريا:

–  وهذه اول مرة لي اشاهد فيها كنيسة.  ولكن هيا بنا .. لديّ تمرين اليوم بعد ساعتين.

فقال بيتر بصوت جازم على الهدوء:

– الا ينبغي لنا ان ندخل لنصلي اولا؟

قال اندرو:  مهلا يجب الا نغامر. هذه اول مرة نحضر فيها الى هنا.

لكن بيتر تململ وهو نافذ الصبر:

لكن يا شباب. انها فرصة. انا لن افوتها. انها بضعة دقائق.  دعونا ندخل.

دخل الاصدقاء الى الكنيسة وتأملوا للحظات مبانيها الفخمة والعتيقة في ان واحد.

 

وبضجر واضح طلبت اليهم ماريا:

– انا في عجلة. هيا بنا ننصرف.

كان بيتر ينظر الي دون ان يحرّك ساكنا:

قاطعهم صوت يقول في وقار:

“انا اعرف لم جئتم هنا.  انكم جئتم لكي تدفعوا ما يتوجب عليكم دفعه من مال.

اوه! …

“ماذا؟ ألم تشاهدوا راهبا من قبل؟”

قال اندرو:

السيد جونسون يخدع الشرطة مثلك.

– ولكن هذا ليس خداعا. هذا شئ افعله عندما تدعو اليه الحاجة فقط على اية حال اسمي كارول.. الاب كارول. وانتم، ما هي اسماءكم؟

ايها الاب كارول. لن يكشف احد منا عن الاسم الحقيقي لاننا… لاننا لا يمكننا الوثوق بأحد.

قالت ماريا:

– اننا نستخدم اول رقمين من ارقام وجودنا في الجامعة.

وقال بيتر: “الجميع يفعل هذا في الجامعة. انا رقمي 76.

وقال اندرو:

“وانا 84.”

وقال ستيف ماريا: وانا “33.”

واخيرا قال ماريا وهي تنزل حقيبته عن ظهره: وانا “47.”.

اقترب الاب وهو يضع يده على كتف ستيف وقال: “اصبتم.. في الحقيقة لقد كنت اعيش في ايطاليا. ما كنت اعرف ان الوضع سئ هنا الى هذا الحد. يا ترى، هل الى هذه الدرجة لم يعد البولنديون يثقون في بعضهم البعض؟! .. لكنني، على اية حال، اعرف كل فرد منكم!

تبادل الاصدقاء نظرات قلقة، قطعها قول بيتر:

“ماذا تقصد؟”

“انني اعرفكم اكثر مما تظنون. دعونا نرى! .. رقم “47” انت مسئول عن جميع الخدع وانت شجاع، لكني لو كنت مكانك لفكرت مرتين قبل ان اعبث مع الحزب.

“حزب؟”

“ما اردت قوله؟ ذلك الطلاء الذي اشتريته من السوق السوداء. انت تريد ان تلطخ جدران البنايات بشعار معاد للحزب.

“انا لم اشتر شيئا.” وتبادل مع اصدقائه نظرات قلقة صامتة.واظلمت وجوههم بعد ان كانت ترتسم بملامح البشاشة، وبدا عليهم من جهة اخرى انهم لم يستوعبوا بعد المفاجأة.

تابع الاب كلامه:

“76 ” انت رياضية في غاية الطموح. وتتوقين الى الفوز .. ولاجل ذلك اشتريت شريطا من السوق السوداء لكي تتمرني خارج حصص التدريب..

ثم حدق ببصره في ماريا قائلا: “38” انت فتاة خجولة ولكنك مصممة جدا. لقد تمرنت كثيرا جدا حتى قطعت اوتار الكمان. “84” انت رياضي حقيقي ولقد اوقعت نفسك في مشاكل لتحصل على حبل تسلق من السوق السوداء. ولكنك لم تجد احدا يمسك لك طرف الحبل، لانك تذهب دائما الى الجبال بمفردك.. لا تقلق فلسوف نحضر معك يوم الاحد القادم. اليس كذلك ايها الشباب؟ برأيي هناك مساحات كثيرة خالية من الجبال . اعرف طرقات لم تسلكوها من قبل.

قال بيتر وهو يبتسم ابتسامة ضارعة: “ارشدني اليها!

صاحت ماريا مشرقة المحيّا  “وانا ايضا!”

وكرر اندرو ما قاله “وانا ايضا!”

ضحك الجميع فيما يودعون الاب. وقال بيتر مخاطبا اندرو:

سنساعدك على الامساك بطرف الحبل الاخر.

**

keramitch

كراميتش

كان يقف بعيدا بعض الشىء ناظرا ناحية البناء الذي ما زال العمل يجري فيه بدأب. التفت واشار بيده وقال:

“يوجد 400 شقة في كل مجمع من هذا. ولقد صممت حوله سلالم فردية بحيث اذا اراد فرد ان يتحدث الى اخر. عليه ان ينزل من الدرج ويخرج للخارج ومن ثم يصعد الى سلم الاخر. هذا لا يشجع على الاجتماعات الخاصة ومن ثم سيتعلم المواطون ان يجتمعوا اذا اراد الحزب ذلك.

قال الكومبانيون: “ولكن يمكن للعائلات ان تجتمع داخل كل شقة!”

ابتسم ابتسامة صفراء قائلا: “اردت ان اثيرك للتحدث عن هذه النقطة يا كومبانيون كرانتيش. من فضلك اتبعني.

صعد الاثنان الى الطابق الثاني. جال الكومبانيون ببصره في احدى الشقق ثم قال باستنكار:

“شقق غرفها مذرية”.

استسلم للتعليق وقال مستدركا:

“هذا صيح، هذا سيمنع البولنديون من الاجتماعات الخاصة. وسيشجعهم على الخروج. اما اطفالهم فسيوضعون في حاضنات ومدارس وجامعات منذ الصغر.

عقب الكومبانيون معلقا:

“انه عمل ممتاز ايها المهندس! سنعطي هذه الشقق مجانا لكل من يحتاج اليها. وسيترعرع جيل جديد من البولنديين. نساء ورجال متحررين من الطريقة القديمة للنظر الى الاشياء ومنها ..

لم يكمل الكومبانيون حديثه. لكن ادوار تابع كلامه:

“الدين”..

لم يجب الكومبانيون ، بل اشار بيده وقطع حديثه سائلا:

“اه، ماذا يفعل هذا الراهب في موقع البناء؟”.

كان يقف بالاسفل رجلا بزي الكهنة، ويقف حوله 4 من الشباب.

“اه. انه الاب كارول .. انه يتجول هنا يوميا. لقد كان عاملا هنا منذ ايام الحرب .. ”

يبدو ان منظره اثار الكومبانيون، فاخرج يده من جيبه وبها علبة السعوط. اخذ قبضة بين اصبعيه قرّبها الى انفه، ثم قال معطيا اوامره:

“ادوار، اطلب من عميلين ان يعتقلا هذا الراهب حالما يتجاوز الحد المسموح به”.

انتفض ادوار عالما انه يتلقى امرا، لمس جبهته بيده قائلا:

“في الحال، سيدي”.

ثم همس كمن يناجي نفسه: “الرهبان، يخدعون الناس البسطاء. الاقوياء يستغلون الضعيف. الاغنياء يسرقون الفقير. كل ذلك المتاع قديم. وعندما تنتقل الى منزل جديد تتخلص من المتاع القديم. ان افكارهم بالية وقد عفا عنها الزمن. قريبا سيتخلص الناس من سيطرة افكارهم العتيقة.

**

شكرا لكما ”

تأوهت وهي تستعيد في ذاكرتها تفاصيل مؤلمة. كانت الدقيقة الاولى اسوأ اللحظات: لقد عادت من المسرح برفقته مبتهجة، وبيده اجاصة كبيرة، كانت مستغرقة في نشوة تجلس وبين اصابعها بطاقة تطالعها:

سألته وهي تريه البطاقة:

ما هذا؟

لم تتدرب على رقصات الباليه، فتدرك ان حملها يعوقها.

**

وصل اندرو الى المكان المتفق عليه، واذ لمح شعاعا من الضوء ينفذ من خلف احدى الستائر المنسدلة على نافذة من النوافذ المطلة على شارع الكنيسة، اضطرب قليلا. لكن الشارع الذي كان يكتنفه الظلام الا من بعض انوار انبعثت من مصابيح تصطف على جانبي الشارع يفرق بينها مسافات ليست قليلة، جعلت الشارع في اغلبه مظلما. التمعت عيناه بفرح والابتسامة على شفتيه حين رأى رفيقه. نعم، كان ذلك جميلا ، جميلا جدا ومثيرا جدا. وكان هناك ايضا كثير من الاشياء المثيرة، لكن ذلك لا يمكن ان يعبر عنه سوى بكلمات الاستحسان يقولها الرجل لصديقه:

“مدهش 47!”.. ارى انك احضرت الطلاء!”

انتقلت الابتسامة الى شفتا بيتر ايضا وهو يقول بكلمات يملأها الفخر:

“نريد ان نترك تأثرا. ليدرك العالم كله ان البولنديين لا يقبلون بحكم الروس”.

ومد يده وهو يخط بالفرشاة على جدار سور الكنيسة عبارة تقول: “الحرية لبولندا”.

أضف تعليق