اخذت تراود اندريه ذكريات صباه في موسكو مجددا. فبدت امام عينيه كصفحة طويت منذ امد بعيد. اصبح المهم عنده هو حياته الجديدة، وقد دخل في زمرة الجيش ، ولا هدف له اليوم الا كسب المجد بهذه الصفة، واحتلال مكانة مرموقة.
“هيا تعال من هنا .مرر الكرة. لن يمكنك ان تلعب بمفردك. افتح اللعب يا باولو. تقدم على الجناح يا جيرسي. اللعنة.. على الكرة. اجل امر سئ!.. اقذف الكرة.”
دوت صفارة المدرب في الملعب.. وهتف في اللاعبين:
– “انتهي وقت التمرين اليوم. حان وقت تعليم الشفهي”.
علا التذمر من بعض الافواه. قال ستيف:
– اوه. لا هذا مؤسف.
وقال دان مستنكرا:
– كيف هذا؟ لم لا نعطى وقتا اضافيا؟
وقال ميشا “لا يهم يا جرسي. اسمع، سألعب حارس مرمى، وبامكان احدكم ان يسدد ركلة جزاء. فاذا نجح في التسديد سيعفى اليوم من التعليم الشفهي.
قالت جيرسي:
– ولكنهما لم ينجحا في ذلك المرة السابقة.
قاطعها على الفور:
– اذا لم تنجح هذه المرة سيعاقب.
قالت ساخرة: هو لا يعرف كيف يتصدى للكرة.
اوه. لا. هذا غير معقول.
همهم وهو يتذكر كل ما جرى “اه! اه!..”
ووفاه خياله من جديد بكل تفاصيل المباراة السابقة، وبوضعه كمدرب للفريق، وبالهزيمة التي مني بها وهو ما كان يعذبه اكثر من اي شئ اخر.
ويستفيق من ذكرياته على صوت الاجراس تدق. نقل بصره من وجه الشيخ الى ارض الغرفة، ثم تتبع ببصره قدمى الموحلتين اللتين تركتا اثارهما في الارضية. وفكر في نفسه ان صوفيا لم تعرني اذانا صاغيا. لم هذا؟ لم لم تسمع لي.. جلس الى مكتبه يتصفح احد الكتب وبين الحين والاخر يمسك بالقلم ليخط بعض المسودات في ورقة بيضاء، حين سمع صوت طرق. وحينما فتح وجد امامه ستيفاني. حيا كل منهما:
– اهلا ستيفاني.. اهلا صوفيا.. مرحبا بكما!
تنهدت صوفيا:
– كنا نبحث عنك ايها الاب.
اجاب متأسفا:
– هل بحثتما عني طويلا؟
– اجل ايها الاب. فلدينا مشكلة!
– لعلها شيئا بسيطا. اخبراني ماذا بكما؟
ناوله ستيفاني مظروفا.
اخرج الاب الرسالة من المظروف، وراح يقرأ بضع كلمات. اشرق وجهه بابتسامة عريضة ثم حدق ببصره فيهما وقال لهما:
– ستيفاني.. صوفيا.. اعلما انكما في سن الشباب هذا سوف تكتشفان انه لا معنى للحياة الا لو جعلتماها هدية للاخرين. سوف تكتشفان انكما خلقتما لترتبطا معا طوال حياتكما.
وبدا على وجه الاب ان ستيفاني وقغ منه موقعا حسنا وربت على كتف ستيفاني في مودة فائقة قائلا:
– ستيفاني، ان الله خلقك، وهو الذي خلق صوفيا ايضا.
ونقل بصره الى صوفيا واستطرد:
ان الخالق هو من وضع في كل منكما الشوق لصاحبه. هذا نداء الطبيعة والخالق هو من دفعكما اليه. وعندما تتزوجان ستنجبان وسيرتبط جسدكما ونفسيكما ضمن وحدة مقدسة على صورة الخالق.
اما صوفيا فاطرقت رأسها في خجل لبرهة ثم استأذنت للحظات. وفي الردهة لبثت واقفة امام مرآة صغيرة لدقائق تصلح منديلها الذي تعصب به رأسها. فادرك ستيفاني ما يخامرها. وسأل الاب:
– ابتي ، ترى هل هو الوقت المناسب لاطلب يدها للزواج؟
فغمز الاب بعينيه ولكزه بمرفقه مبتسما:
– الست انت متعجلا.
واردف:
انك شاب خفيف الدم ذو مكانة ممتازة. وهي ايضا جميلة في جمال الملائكة. انها حقا جوهرة مصونة ودرة مكنونة. لكن لا تنس ان الزواج يحتاج الاعداد الجيد له.
**
نظر الى الجدار .. اساءه ذلك فمضى الى حجرة المدخل، وهي ممر بسيط صغير ينتهي بباب يطل على السلم. لم تلبث ان القت الشمس بنورها على المدينة كلها. كانت ماريا قد انتهت للتو من اعداد حقيبتها، وخرجت لتنضم الى الاصدقاء المتأهبين لقضاء يوم في احضان الطبيعة ما بين التزلج وصيد الاسماك في بحيرة الماء المتجمدة..
لفت نظر الاب شئ .. وسرعان ما وجه الجميع ابصارهم الى كتابة خطت بالطلاء على جدران الكنيسة:
وصمت الاب كارول. وكان واضحا انه لا يريد ان يفصح عن شئ. بينما ابتسم باولي فجأة وصاح:
– واو . هذا رائع.
سأل كرامتش :
– من هو هذا الشجاع الذي فعل هذا؟
اجابه اندريه بنبرة غريبة بعض الشئ:
– جين بالدو.. اين ذهبت بك الظنون؟
اراد ان يضيف شيئا اخر، ولكنه امسك عن الكلام حين القى نظرة على القائد الذي كان يحدق من مكانه الى الجدار. ساد صمت للحظات ثم سأل:
من هذا الذي كتب هذا؟. “الحرية لبولندا” ! يا لهم من اوغاد.. ولكن من اين اتى بالطلاء ؟ وكيف تمكن من الكتابة على جدار المبنى بهذا الشكل؟ .. ثم هتف:
– لا يمكن احتمال اعتداء سافر كهذا. اعثروا على من فعل هذا. اريده هنا امامي مع حلول المساء.
فقال اندريه :
– ولكننا لا نعرف من هو؟
وعاد كرامتش يصر باسنانه:
– في وسعك ان تتصرف.
– حاضر سيدي.
انصرف اندريه.. استطاع في خروجه ان يسمع صياح القائد الذي صار محتدما وهو يتمتم:
يا لهم من اوغاد..
. واذ صار في السيارة تمتم:
تفتيش! سيقومون يتفتيش! يا للحمقى!