لنكولن #5

-17-

لنكولن ودوجلاس

سافر لنكولن ودوجلاس الى جميع انحاء اولاية الينوي، وعقدا عدة اجتماعات حضرها الاف من الناس، وفي كل اجتماع من هذه الاجتماعات كان كل منهما يخطب في جماهير الحضور لعرض افكاره ومبادئه ومعتقداته.

وكانت الجماهير تصغي الى كل منهما بدهشة وانبهار. فقد كان دوجلاس خطيبا بارعا مفوها. كما كان لنكولن خطيبا بسيطا وقويا في نفس الوقت وكلامه يدخل الى القلب مباشرة.

وانقسم الناس حيال هذين الخطيبين. فكان بعضهم يؤيد افكار دوجلاس، وبعضهم يؤيد افكار لنكولن.. وقد اجريت الانتخابات الرئاسية سنة 1860م. وعندما اعلنت النتيجة علت الدهشة وجه لنكولن ووجوه كل اصدقائه ومؤيديه، لقد اصبح ابراهام لينكولن ذلك المحامي الريفي البسيط الذي لم يكن معروفا منذ سنوات قليلة رئيسا للولايات المتحدة الامريكية.

-18-

في البيت الابيض

وفي 11 فبراير 1861م غادر لنكولن بلدته سبرنج فيلد ليبدأ رحلته الى واشنطن مصطحبا زوجته وابناءه الثلاثة الصغار.. وفي واشنطن تقلد منصب لرئيس في جو تكتنفه اصعب الظروف. فعلى اثر نجاحه في الانتخابات اعلنت 7 ولايات جنوبية الانفصال وكونت اتحادا كونفدراليا واختارت لنفسها رئيسا اخر.. كان معنى السماح لهذه الولايات بالانفصال انهيار الدولة ولن تكون هناك امة امريكية موحدة..فما العمل؟

كان على الرئيس لنكولن التعامل ع هذه المشاكل البالغة الصعوبة والتعقيد.. وذلك بالرغم من انه كان قلي الخبرة بمثل هذا النوع من المشاكل، وبالرغم من انه كان محاطا بمجموعة من المستشارين الضعاف.. بينهم مستشار كان يظن في نفسه القدرة على حل كل تلك المشاكل وكان يرغب في ان يترك له الرئيس حرية التصرف في كل شئ.

-19-

وبدأت الحرب الاهلية

وتلاحقت الاحداث بسرعة شديدة.. كان هناك قلعة اسمها “فورت سومتر” تقع في احدى الولايات الجنوبية.. وكان يشغلها جنود تابعون للولايات الشمالية.. وطلب جنود الجنوب من جنود الشمال ان يسلموا القلعة لهم ويرحلوا..

رفض جنود الشمال هذا الطلب. فهاجم جنود الجنوب القلعة لمدة يومين متواصلين حتى سقطت القلعة في ايديهم. وهكذا بدأت الحرب الاهلية الكبرى بين الولايات الشمالية والجنوبية.

واستنفر الرئيس لنكولن جيش الشمال، كما اعدت الولايات الجنوبية جيشها وجهزته للحرب .. وسرعان ما نشبت المعارك بين الفريقين.

استمرت هذه الحرب 4 سنوات، سقط فيها مئات الالاف من الفريقين. ولم يعد سوى اخبار الموت.

وازداد الامر سوءا حين انقسمت العائلات على نفسها، واصبح بعض افراد العائلة الواحدة يؤيدون الشمال والبعض الجنوب، وكان كل فريق ينضم الى الجيش الذي يؤيده. وهكذا حارب الاخ اخاه.

كانت الولايات الشمالية سيئة الحظ في بدء الحرب، خصوصا بالنسبة لسوء اختيار الضباط. وجاء وقت اصبح فيه جيش الجنوب قريبا من واشنطن نفسها ولكنه سرعان ما اجبر على التقهقر. وهكذا استمرت المعارك تدور حتى ظنها الكثيرون بلا نهاية..

وكان الرئيس لنكولن يدير الامور من مقره في البيت الابيض وقلبه مفعم بالحزن العميق.. لكنه كان ثابت الجأش. يثق تماما ان السلام سيعود مرة اخرى الى الولايات المتحدة .

كان كثيرون يشتكون من تصرفاته واوامره، ولكنه كان يستمع اليهم بهدوء وصدر رحب… بل والبعض يقفون ضده علنا ولكنه لم يتخذ ضدهم اي اجراء غاضب.. كان قلبه الكبير يتسع لكل تلك المتاعب .. وزداد تمسكه بان تصل الامور الى نهايتها المحتومة وهي اقرار السلام وعودة الامور الى نطاقها السليم.

ورويدا رويدا بدأ الناس البسطاء العاديون في كل الولايات يشعرون ان الرئيس الجالس في البيت الابيض رئيس عظيم ورجل من اعظم الامريكيين المخلصين.

ولكن لنكولن كان له عيب خطير وحيد، كان يسبب قلقا لدى معظم ضباط الجيش.. فقد كان يحب الناس حبا جما، وكان يقدر الضعف البشري ، ولذلك فقد كان يعفو عن الاخطاء . كان لنكولن يعارض مثلا في منح قادة وحدات الجيش حق انشاء محاكم عسكرية ميدانية لمحاكمة الجنود الذين يفرون من المعركة او الذين يضبطون نائمين اثناء نوبتهم في الحراسة واصدار الحكم باعدامهم. وكان يقول دائما يجب العفو واعطاء المذنب فرصة اخرى.. ولكن ضباط الجيش كانوا لا يفضلون هذه الطريقة الرحيمة في معالجة هذه الاخطاء العسكرية التي كانوا عتبرونها من الجرائم الخطيرة التي تستحق الاعدام.

-20-

لنكولن والجندي

والقصة التالية تعتبر نموذجا لما سماه البعض “ضعف الرئيس”. ففي احد الايام وصل ضابط برتبة كابتن ومعه بعض الجنود الى البيت الابيض ليعرض على الرئيس موضوع احد الجنود الشبان الذي ضبط نائما اثناء نوبة الحراسة وقرر قادة الوحدة اعدامه رميا بالرصاص.

واستعطف الكابتن الرئيس لكي يتدخل في الامر لانقاذ هذا الجندي من الاعدام..

وبعد بضع ساعات قليلة اندهش هذا الجندي المحبوس حين رأى الرئيس امامه . سأله عن بيته واسرته ومزرعة الاسرة، وشاهد صورة الام التي كان الجندي يحتفظ بها. وقال له الرئيس:

لقد نشأت انا نفسي في مزرعة مثل مزرعة اسرتك. واذا قررت ان اعفو عنك فلابد ان تدفع ثمنا غاليا. فتهلل الجندي:

اني متأكد يا سيدي ان ابي سيفرح لذلك وانا على استعداد ان يبيع جزءا من المزرعة ليدفع الثمن المطلوب.

وقال الرئيس:

لا .. ليس هذا كافيا.. ان عليك وحدك ان تسدد الثمن. وهو ان تثبت انك جندي شجاع مخلص لجيش الاتحاد.

ووضع الرئيس يده على الجندي حين اقسم انه سيكون مخلصا للجيش وسيكون محل ثقة الرئيس..

ودفع هذا الجندي الثمن فيما بعد.. فقد اثبت شجاعة نادرة وبينما كانت المعركة مع العدو على اشدها ، قفز هذا الجندي الى النهر لينقذ بعض الجرحى من زملائه وظل يقوم بهذه العملية الى ان اصيب برصاص العدو اصابة بالغةلا .. وحين كان يحتضر ويلفظ انفاسه كان يشكر الرئيس الذي اتاح له هذه الفرصة لكي يستشهد بشجاعة في سبيل وطنه.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s