فلورنس نايتنجل

Florence-Nightingale

(فلورنس نايتنجيل : حاملة المصباح)

.. في سن السابعة عشرة ، حدث شئ هام جدا في حياتها .. شئ يشبه ما حدث من قبل للفتاة الفرنسية (جان دارك) . ففي احدى الأوراق التي كتبتها فلورنس في هذه السن نقرأ مايلي ” في 7 فبراير 1837 سمعت صوتا يناديني من السماء ويدعوني لكي أكرس حياتي لخدمة الله”
ولم يكن الصوت حلما من الأحلام ، وانما كان صوتا حقيقيا وصفته فلورنس بأنه كان صوتا عاليا ينطق الكلمات بوضوح .
وربما تقول أن ذلك ليس غريبا بالنسبة لفتاة صفيرة في السابعة عشر من عمرها وتعيش في عالم من الخيالات والأحلام . ولكن فلورنس بعد أربعين سنة من هذا التاريخ كتبت في مذكراتها أنها سمعت هذا الصوت أربع مرات خلال حياتها ..

.. استاء الأب وتكدر صفوه . فهل بعد كل هذا الجهد الذي بذله في تعليمها .. وكل هذه السياحات في أوروبا .. وكل هذه الملابس الجميلة الفاخرة التي اشتراها لها من باريس .. تأتي هذه الشابة الغريبة وتقول أنها تنوي أن تصبح ممرضة .. ؟!
أما أمها فقد وقع عليها هذا الخبر وقع الصاعقة .. وأصابتها نوبة من الغضب ، ثم انفجرت باكية ..
ياللمسكينة فلورنس .. لم يعد هناك أحد في صفها .. كلهم أصبحوا ضدها .. لقد أحست بالضياع وفقدت شجاعتها .. وكتبت تقول في هذه الفترة : ” لم أعد أجد مبررا لاستمرار الحياة ولن أجد شيئا آخر لأعمله .. اني أقل شأنا من التراب .. اني لا شئ على الاطلاق ..!”
*****
في سنة 1845 كانت المستشفيات من الأماكن المخيفة .. مملوءة بالقذارة والفوضى ، ومزدحمة بالمرضى و الآلام ، وتنبعث منها روائح كريهة لاتطيقها الأنوف …
وبالإضافة الى كل هذه الأشياء السيئة ، هناك اسوأ الأشياء على الاطلاق .. الممرضات ! .. وهن نساء جاهلات لا يعرفن شيئا عن التمريض .. أخلاقهن سيئة ويسكرن بشرب الخمور الرخيصة طول الوقت . ، وتقول فلورنس ان رئيسة الممرضات في احدى المستشفيات الكبيرة ، ذكرت لها أنها لم تر طوال حياتها ممرضة لا تشرب الخمر حتى تسكر وتفقد وعيها !
*
ومرت ثماني سنوات بعد أن أعلنت فلورنس رغبتها في العمل كممرضة ووقوف أسرتها ضد هذه الرغبة .. وكانت سنوات صعبة . لأنها مازالت مصرة على العمل كممرضة . ورفضت بالتالي أن تتزوج من شاب كانت تحبه ويحبها ، اذ كيف تتزوج وتترك “الخدمة” التي دعاها اليها صوت من السماء .

**
في سنة 1820 كان مستر ومسز نايتنجل والدا فلورنس يجوبان اوربا في رحلة ترفيهية. وفي مدينة فلورنس اﻻيطالية وضعت اﻻم طفلتها “فلورنس” وقد اسمتها باسم المدينة التي ولدت فيها. وكان للوالدين ابنة اخرى تكبرها بعامين سمياها “بارثينوب” وهو اسم مدينة نابولي اﻻيطالية باللغة اليونانية. ذلك ان هذه اﻻبنة ولدت في تلك المدينة.
وبعد مولد اﻻبنة الثانية فلورنس عادت اﻻسرة كلها الى وطنها في انجلترا.
كان الوالدان من الطبقة الراقية. ولكن يبدو انهما كانا في غير وفاق. كانت اﻻم جميلة ، مرحة، تتصف بشئ من اﻻنانية، وتحب الحياة الممتلئة بالمباهج والمسرات.
وكان اﻻب لطيفا طيبا، ولكنه كان يحب الكسل، ومقتنعا بفضاء وقته في صيد الحيوانات واﻻسماك او في قراءة الكتب والسياحة في مختلف البلدان. وكا ثريا لديه من اﻻموال ما يغنيه عن القيام باي عمل جاد.
وبعد ان نمت الوليدة فلورنس واصبحت طفلة صغيرة. عاشت حياة بعدة عن السعادة. كانت مختلفة عن البنات الصغيرات التي يماثلنها في العمر.
والغريب انها كانت ﻻ تشعر بالسعادة، برغم ان بيتها كان ممتلئ بكل المسرات. فلديها ولدى اختها مجموعة من الخيول والقطط والطيو الملونة. وكانت فلورنس تشعر ان كل هذه المسرات ﻻ تهمها.
كانت تتمتع بقدر كبير من الخيال، فتهرب دائما الى عالم الخيال. وكانت تؤلف قصص تحكيها لنفسها، وكانت تعطي لنفسها دور البطلة في تلك القصص. ولشدة انغماسها في عالم الخيال ، اصبحت تحس بعدم وجود اية علاقة تربطها بامها.
وكانت اﻻختان بارتي وفلورنس تتلقيان دروسهما في البيت على يدي اﻻب واحدى المدرسات ، كان اﻻب يدرس لهما اصول اللغة والتاريخ. وﻻحظ اﻻب من البداية ان بارتي غير مقبلة على دروسها وانها كانت تفضل البقاء مع امها في غرفة المعيشة، وذلك على عكس فلورنس التي كانت تفضل البقاء مع ابيها في المكتبة لتلقي المزيد ن المعرفة. وكان لهذا اﻻنقسام الذي حصل في اﻻسرة نتائج غير سارة..
*
اصوات من السماء:
وفي سن السابعة عشرة، حدث شئ هام جدا في حياتها.. شئ يشبه ما حدث من قبل للفتاة الفرنسية “جان دارك”..

ففي احدى اﻻوراق التي كتبتها فلورنس في هذه السن نقرا ما يلي:
“في 7 فبراير 1873 سمعت صوتا يناديني من السماء ويدعوني ان اكرس حياتي لله”.
ولم يكن الصوت حلما وانما كان صوتا حقيقيا وصفته فلورنس بانه كان صوتا عاليا ينطق الكلمات بوضوح.
وربما تقول ان ذلك ليس غريبا بالنسبة لفتاة صغيرة وتعيش في عالم الخيال. ولكن فلورنس بعد 40 سنة من هذا التاريخ كتبت في مذكراتها انها سمعت هذا الصوت 4 مرات خلال حياتها.
*
3- التجارب اﻻولى:
مرت سنات قبل ان تتضح اﻻمور. وكانت سنوات كئيبة صعبة.. لقد سافرت الى اوربا فترة ، ولكنها كانت ﻻ تستريح اﻻ في لندن، برغم ما فيها من التعاسة وسوء التفاهم بينها وبين امها واختها.
وحدثت مناسبتان جعلتاها تؤمن ان طريق حياتها هو الخمة في المستشفيات والعناية بالمرضى. فقد مرضت جدتها ﻻمها فقامت برعايتها. كما مرضت سيدة عجوز اخرى كانت تخدم في المنزل لفترة طويلة. فقامت برعايتها هي اﻻخرى. ثم بدات ترعى المرضى اﻻخرين في القرية التي كات تعيش فيها.
وتعلمت فلورنس من هذه التجارب شيئا هاما. هو ان التمريض امر قاصر على النساء فقط. ويجب على السيدة او الفتاة التي تمارس التمريض ان تكون طيبة وعطوفة. وانهن يجب ان ينلن التدريب والتاهيل لذلك العمل.
وفجاة خطرت ببالها فكررة. فهناك على مسافة غير بعيدة عن بيتها توجد احدى المستشفيات، ومدير هذه المستشفى صديق لعائلتها ، وان عليها اﻻن ان طلب من العائلة ان تسمح لها بالعمل في هذه المستشفى لمدة 3 شهور تتعلم فيها التمريض.
وما ان افصحت عن رغبتها عن هذه الرغبة حتى هبت عصفت هوجاء.. يا للمسكينة فلورنس ، فالجميع ضدها في لمنزل. لقد عبرت عن هذا قائلة:
“لم اعد اجد مبررا لاستمرار الحياة.. ولن اجد شيئا اخر اعمله.. اني اقل شانا من التراب.. انا ﻻ شئ على اﻻطلاق”.
..
مساعدة الجنود:
لقد امنت فلورنس بضرورة مساعدة جنود الجيش، ليس فقط عندما يكونون مرضى او جرحى، بل وحين يكونون اصحاء ايضا.. وكانت تؤمن بان خدمة هؤﻻء الجنود خارج المستشفى ﻻ تقل اهمية عن خدمتهم داخلها.
وبالرغم من معارضة بعض الضباط افتتحت ركنا للقراءة وخصصته للنود الذي ﻻ يستطيعون الحركة. وعندما ارادت استخدام احد المدرسين لتعليم اﻻميين منهم القراءة. رفض الضباط ذلك بشدة.
وقد ﻻحظت ان الجنود ينفقون راتبهم الضئيل على شرب الخمر، ﻻنهم ﻻ يستطيعون تحويل نقودهم الى عائلاتهم في انجلترا. لذلك فقد خصصت يوما في اﻻسبوع تتلقى فيه اﻻموال التي يريد الجنود تحويلها الى ذويهم، ثم تقوم بعد ذلك باجراءات تحويلها لتسلم الى اسرهم في جميع انجاء انجلترا.
ثم افتتحت بعد ذلك قاعة للمطالعة زودتها باﻻثاث الفاخر وزينت حوائطها بالخرائط والصور واللوحات. واشترت من اموالها الشخصية مموعة كبيرة من اﻻدوات المكتبية..
وفي قاعة القراءة تلك كان الجنود يتجمعون ايضا لسماع الخطب واﻻحاديث المسلية. كما كون بعضهم فرقة للانشاد والغناء. وكون اخرون فريقا للتمثيل، وفريقا لكرة القدم. كما جهزت وادت بعض اﻻلعاب الهادفة التي ﻻ تحتاج الى مجهود بدني..
وبفضل كل هذه الجهود تحسنت صورة الندي امام نفسه وامام زملائه وامام ضباطه بل وامام المجتمع ككل. واختفت تماما وبغير رجعة صورة الندي العربيد..
وفي ابريل 1856م انتهت الحرب بين انجلترا وروسيا ، وبالتالي فقد قل العمل بالمشفى. وما ان حل شهر يوليو حتى وصل اخر جندي عائدا الى انجلترا. وهكذا انتهى عمل فلورنس في حرب القرم. واستعدت هي ايضا للعودة الى بيتها.
العودة الى البيت:
كانت انجلترا كلها ترغب في تكريمها. فالتقارير التي كتبت ضدها كانت ﻻ تساوي شيئا امام العرفان بالجميل الذي اسدته الى عشرات الاﻻف من الجنود وعائلاتهم في انجلترا. بل وارادت الحكومة ان تتيح لها العودة على ظهر احدى السفن الحربية. ولكن فلورنس لم تكن راغبة في ذلك التكريم لذلك فقد عادت على ظهر سفينة عادية الى فرنسا واطلقت على نفسها اسم اﻻنسة سميث.
بعد الحرب:
عندما عادت الى البيت كانت متعبة منهوكة القوى. ومع ذلك كانت تفكر في اﻻعمال الكثيرة التي خططت للقيام بها. واهمها وضع خطة لتحسين احوال الجنود.
وكان عليها ان تقنع السلطات في انجلترا باهدافها. ولكن بعد ان تكسب احترام هذه السلطات. ﻻنها كانت تظن – وهو ظن كان صحيحا الى حد بعيد – ان رجال السلطة ﻻ يؤمنون بما تؤمن به من اهداف نبيلة، ويشكون تماما في قدرتها على القيام بما تحلم به من اعمال مفيدة.
والغريب ان فلورنس قد انزوت في بيتها فلم تظهر ابدا امام الجمهور، ولم تكتب مقاﻻت او تلقي اية محاضرات عامة. ولم تنضم الى اي حزب من اﻻحزاب. كانت تريد ان ينساها الناس، وكادت تنجح في ذلك.
فف لال السنة التالية لم يسمع عنها اي خبر. لقد قضت فلورنس عامين في مشفى سكوتاري العسكري وعندما عادت الى وطنها كانت في السادسة وثلاثين..
اهداف حياتها:
مرت عليها سنوات طويلة وهي ملازمة بيتها مريضة .. وسنوات طويلة اخرى كانت تعمل فيها ليل نهار: تزور المرضى وتضع المشاريع لمساعدة المرضى والفقراء. وتقابل المسؤلين لتقدم التقارير التي كتبتها والحلول التي تراها ﻻصلاح اﻻحوال.
وكان اهم هدفين هما تحسين احوال الجنود وتحسين اجور الممرضات وان تجعل من التمريض مهنة جديرة باﻻحترام. وقد نجحت في تحقيق هذين الهدفين. ليس في انجلترا وحدها بل وفي بقية بلدان العالم المتمدن.
وقامت بتاسيس معهد نايتنجل للتمريض كان له اكبر اﻻر في تطوير مهنة التمريض ومستوى الخدمات الطبية ..
وقامت بتاليق كتاب صغير ن تدريب الممرضات، ما زال بعضه نافعا حتى اﻻن. وكان ذلك الكتاب يعتبر طفرة كبيرة في التطور وقد طبع منه اﻻف النسخ وزعت على المصانع والمناجم والقرى والمدارس.. كما ترجم الى العديد من اللغات.
في اواخر ايامها:
ظلت فلورنس تعمل لسنوات طوال وكرمها الملوك والملكات .. اما الممرضات انفسهن والفقراء الذين وهبت حياتها لخدمتهم فقد كانوا اسبق الجميع للاعتراف بفضلها.
وماتت وهي في سن التسعين من عمرها بهدوء على فراشها. وعلى قبرها وضع هذا النصب (ف. ن. 1820 – 1910م)

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s