ظهر يوم الجمعة استقلت ايلين سيارتها وبصحبتها كارولين لشراء ما يلزم للاحتفال بليلة عيد الميلاد – شراء الكحك، الحلويات، شجرة الكريسماس والزينة.. وقبل ان يعودا الى المزرعة مرا على بعض الاصدقاء لدعوتهم لقضاء عطلة العيد معهما في المزرعة.
في صباح السبت جاء المدعوون تباعا. حضر “شادي” اخو كارولين وهو طالب بكلية الطب وكذلك حضرت “ميريت” وهي تعمل في معمل ابحاث البيولوجي بنفس الكلية..
بدأت عطلة عيد الميلاد المجيد. وبدأ الجميع في اعداد المنزل وتزيينه للاحتفال بالعيد.. خرج شادي لجلب بعض الحطب من الغابة القريبة، تناول بلطة وبعدة ضربات قوية ظهر فيها قوته التي اكتسبها من سنوات قضاها في العمل الريفي الشاق قطع كمية كبيرة من الحطب حملها ووضعها في المدفاة.. التف الجميع حول المدفأة وتسامروا لبعض الوقت. ترنموا معا ببعض ترنيمات عيد الميلاد و تسلوا ببعض الالعاب. احضرت ايلين البوم صورها لتريه للجميع، وبين الحين والاخر كانت تبدي تعليقاتها. كان الاحتفال بهيجا. عرفت ايلين معها احساسا اخر بالعيد.
عند العاشرة مساءا سمع الجميع قرعات اجراس الكنيسة المجاورة. انها تعلن بدء صلاة القداس التي تقام في منتصف ليلة العيد. نهض الجميع للذهاب الى الكنيسة. وفي الكنيسة غمرت روحانية الصلوات قلب الجميع بالسلام والفرح بهذا اليوم العظيم الذي ولد فيه المسيح مخلص العالم.
بعد انتهاء الصلوات عادت كارولين وميريت الى المزرعة. بينما احب ايلين وشادي ان يستمتعا بجمال الطبيعة، فتسلقا التل المطل على البحيرة. كان الهدوء يكتنف الكون بغلالة من الهدوء.
حين وصلا لقمة التل جلسا على صخرة بجوار بعضهما صامتين لبرهة.. بدت ايلين متأثرة ثم ابتسمت قائلة: “هذه اعلى بقعة في المدينة. اعتدت ان اتي الى هنا لاعتقادي انها الاعلى في العالم”.
هل هنا موطنك؟
نعم ان المكان هو مزرعة تركاها ابي وامي الذين ماتا في حادث وانا لازلت رضيعا، وقامت عمتي بتربيتي وكانت تصطحبني الى هنا كل صيف. وانا صغيرة كنت اتسلق هذا الجبل وارفع عيناي الى السماء، واحاول ان ارى ابي وامي فيها. احيانا اخال انني اراهما بالفعل”.
ربت شادي برفق على كتفها مواسيا ثم قال: “اشعر وكأني احلم – فقط انت وانا معا!”
ضحكت ايلين وقالت “انك لا تحلم كثيرا. اليس كذلك؟”.
“ان الله يمنحني اكثر مما استحق”. ثم قال بصوت بدأ فيه التأثر واضحا “ايلين، انني منذ ان رايتك يوم الجمعة، وانا غير قادر على التفكير في اي شئ اخر. كم تبدين رائعة. احبك، يا ايلين “.
تنهدت ايلين ولم تقل شيئا. بعد لحظة، تابع شادي بانفعال واضح “اعرف ان هذا يبدو جنونا. لم اكن انوي ان اقع في حب اي فتاة، على الاقل الان. لكني اجد نفسي احبك، ويجب ان تخبريني، هل تبادليني نفس المشاعر؟”
لم تكن هناك اجابة. انتظر شادي بقلق، ثم قال بنغمة مترددة “اغفري لي. لقد اغضبتك. اوه، انا لم اقصد ان اضايقك، لكن انت جميلة جدا، وانا .. ”
اجهشت ايلين بالبكاء وبسرعة اخرج شادي منديلا ومسح وجهها وهو يقول “من فضلك لا تبكي. سوف انصرف الليلة ولن ازعجك مجددا. يا لي من شاب اخرق!”.
استمرت ايلين بالبكاء ، وفي تأثر همس شادي: “من فضلك اخبريني. ما هي مشاعرك تجاهي؟”
في كلمات متقطعة اجابت ايلين: “انك وسيم جدا! ومضى وقت طويل قبل ان اشعر باهتمام شخص هكذا بي. انا لا احتمل ذلك!”
انفرجت اسارير شادي عن ابتسامة عريضة وقال: “من هذه اللحظة انا اهتم بك اكثر من حياتي. هل تحبينني ؟ ايلين، هل توافقين على الارتباط بي؟”
في الحال توارد الى عقل ايلين مسألة عمتها راعوث، واحلامها بخصوص حياتها التي كرستها للعمل، وعن المستقبل المهني المتالق الذي تسعى لتحقيقه. ولكنها لم تلق لكل ذلك بالا في غمرة انفعالها وعندما تطلعت الى شادي امكنها ان ترى في عينيه كم كان يحبها! وتحت السماء الممطرة تعاهدا كل منهما ان يكون للاخر ونزلا من التل معا ولم يخبرا الاخرين بشئ مما حدث بينهما.
***
خلال شهري يناير وفبراير، عملت ايلين كما لم تعمل من قبل. لكن الان لا تتوقف عن التفكير في شادي. تقابلا بالصدفة في احد المناسبات الاجتماعية، فكانت لهما فرصة ان يتحدثا معا ليتعارفا اكثر. حكت ايلين لشادي بحماسة عن ذكريات طفولتها في رعاية عمتها راعوث وعن سنوات دراستها وحتى التحاقها بالجامعة. وشرحت له كيف ان موت عمتها هو الذي حدد مستقبلها المهني. حكت له احلامها لمستقبل متألق، رغبتها في ان تلتحق بمجال البحث العلمي. وانها الان تعمل على ايجاد علاج لهذا المرض اللعين الذي اودى بحياة عمتها.
وبدوره حكى لها شادي عن سنوات طفولته ، وكيف انه كان يرافق اباه الطبيب في جوقة الترنيم. اخبرها عن اخاه بوب ، واخته كوني، كما اعطاها لمحة عن بعض الامور الاخرى.
امسكت ايلين بيد شادي وضغطت عليها، بينما كان يحكي عن الليلة التي توفي فيها والده، والخمسة سنوات التي تلتها، سنوات عمل وكد، وكان مصدر السلوى الوحيد له فيها، هو الحلم بانه يوما ما يصبح طبيبا ويمتلك عيادة خاصة.
قال شادي “لم اتوقع ان ابدأ الدراسة الجامعية بسرعة هكذا. لكن بوب قال انه خلال المدرسة ولحسن الحظ ان حلمه هو ان يعمل كمزارع. ثم، ايضا، الام حولت المنزل الى نوع من بيوت النقاهة. انها رائعة في جذب الناس. لذا فقد وجدت انه من الممكن لابتعد بسرعة اكثر مما كنت اامل. اضف الى ذلك حقيقة ان تلك الام وعدت ابي انني يجب ان اتي – وها انا.” ثم انهى عبارته بسرعة “وها انت ايتها الفتاة الجميلة. بالتاكيد انا لم اكن اتوقع انني اقع في حبك. لم اكن افكر في الارتباط حتى انتهي من دراستي”.
ابتسمت ايلين متفحصة “هل انت اسف؟”
– ” لست متاكدا. لم التق باي صديق منذ عيد الميلاد”
– “وانا ايضا لم اكن اتوقع ان احب ايضا”. كنت انوي السفر بمفردي لبلد بعيدة، والان ليس لدي رغبة في الذهاب لاي مكان بدونك. والان- انت عنصر مزعج. عندما اكون بعيدا عنك لا يمكنني العمل جيدا، وعندما اكون معك لا يمكنني العمل مطلقا”.
فرك شادي خصلة من شعره كما لو كان يتوقع ان تحرك في رأسه الاجابة على هذا السؤال المحير “اه، لو يمكننا ان نتزوج. يستغرق الامر سنوات قبل ان اتقدم للارتباط بك. وقبل ذلك الوقت ستكونين قد سأمت من وجودي بجوارك”.
قالت ايلين بلهجة جادة “انت تعرف ما هو الافضل. انا لا اتغير يا شادي. سأكون بجوارك في افتتاح عيادتك”
صاح شادي في خوف: “لكن 6 سنوات. هذا وقت طويل جدا!”.
لم تنبث ايلين بكلمة. كان شادي متأثرا. بينما كانت ايلين يتوارد الي عقلها عشرات الصور من سنوات حياتها.. صورة لعيد ميلادها حين بلغت الخامسة وعشرين من عمرها، صورة لها وهي تتتسلم من محام الاسرة اوراق ووثائق تعلمها بارثها من والديها. صورة ترى فيها نفسها بجوار شادي وهما يعقدان قرانهما باحد الكنائس الصغيرة!
بدرجة غريبة، لم تكن قد اخبرت شادي بوصية العمة راعوث الغريبة التي تمنعها من الزواج حتى تبلغ الخامسة والعشرين من العمر. ومن ثم لم يكن لدى شادي فكرة ان ايلين فتاة ثرية. كانت ايلين تعيش في مسكن عادي باثاث قليل، تبدو فيه البساطة، ولم يكن لها ذوق مبالغ فيه. لقد اشتاقت الى انقضاء العامين سريعا حتى يمكنها الحصول على المال والزواج بشادي. لم تستطع ان تتحمل التضحية بالثروة اذا تزوجت منه الان حتى ان طلب منها شادي ذلك. حلمها بدراسة الطب وكفاحها لايجاد علاج لجرثومة المرض الذي توفيت عمتها به كانت ايضا حلوة لها. المال الذي يجب ان يكون لديها. لكنها تريد الزواج من شادي ايضا، ومع مرور الوقت، بدأت نفسها تنقبض بفكرة انها يجب ان تنتظر حتى يحل عيد ميلادها ال25 حتى يمكنها الزواج.