الفتاة بسرعة نحو احد اﻻبنية القليلة على هذه الجزيرة، ويجري رجال الشرطة خلفها معتلين صهوات جيادهم. تنادي:
ابي, ابي!
ﻻ تعثر عليه، تتلفت حولها يمينا ويسارا، تجد كومة من القش فتختبئ فيها.
يسأل الجنود صبيا في الجوار عن القس، فيشير بيده قائلا:
– ها هو.. في هذه الكنيسة هناك!
يذهب الجنود الى هناك. حالما يدخلون يجدون القس في فنائها يتحدث مع احد القرويين. يلقون التحية:
– مرحبا ايها القس ..، اين هي الفتاة؟. اننا نبحث عن فتاة هربت منا للتو..
يقاطعهم قائلا:
– هنا، نحن نعمل.. ولم ارى احد.
– هذه الفناة قد أصيبت بالبرص يا ابانا. نحن قلقون عليها. سيعاد فحصها مرة أخرى في هونولولو.. إذا كانت سليمة، سيتم إطلاق سراحها.
بعد لحظات تتمكن الكلاب المدربة من العثور على اثر رائحتها وارشاد رجال الشرطة عن مكانها. يقبض عليها وترحل الى الجزيرة للفحص.
في العيادة تقف الفتاة امام لجنة من 3 اطباء. يشير احدهم الي بقعة في جسدها وهو يقول:
هنا على هذه الجزيرة نصف السكان يسمونه الجذام. لكنه ليس الجذام على الإطلاق. عندما تم فحصها لأول مرة. كان لديها بقعة على الفخذ الأيمن مصفر الأرجواني. انها ليست موجودة الآن.
– منذ متى هذه البقعة هناك؟
– حسنا، لقد حصلت على جميع الأعراض. البقع تأتي وتذهب. انها تفقد الاحساس في أصابع قدميها تدريجيا.
المصابون بهذا ﻻبد ان يرسلوا إلى مولوكاي.
يهتف الى معاونه:
– التالى! ادخلوا التالي!
**
في قاعة المجلس يقف احد اﻻعضاء ويقول:
الكثير من مواطني البلد ماتوا بسبب الجدري والتيفوس. هذا المرض لا أحد يعرف كيفية انتقاله. لا يوجد علاج له.
يرفع احدهم يده مستئذنا بالحديث. وبعد ان يعطي رئيس المجلس موافقته يقول:
– ان هذا المرض ينتقل بواسطة الاتصال الجنسي . أنه قصاص من الله بسبب فجور الناس..
يقاطعه احدهم مؤكدا:
– بالضبط. لقد استمعت الى اعترافات لمدة 20 عاما. لقد انصدمت، ضاق تنفسي. عندما سمعت ما قاله صبي عمره 18 سنة ..
يتابع العضو السابق كلامه قائﻻ :
– لكن إذا كان المرض ينتقل بواسطة الاتصال الجنسي، كيف يصبح الأطفال مصابين بهذا المرض اذا؟
– نعم، سؤالك منطقي. كيف يصبح اﻻطفال مرضى؟.
يهتف احد اﻻعضاء:
-. ﻻبد أنها وراثة.
يقول رئيس المجلس:
– لقد تشاورت مع أعلى سلطة طبية، فقال لي انها المرحلة الرابعة من مرض الزهري.
– هراء!
يصيح احد اﻻعضاء.:
– تم عزل البكتريا..
تضج القاعة بالجدال.. يدق الرئيس بمدق على الطاولة الموضوعة امامه ويهتف:
سادتي، أيها السادة ! دعونا نتفق على الأقل على ان هذه المصيبة يجب ان تحصر، وأولئك المصابين يجب أن يكونوا معزولين. وبما انني أنا رئيس الوزراء فلدينا اﻻمكانات لعمل هذا.. واثق اننا لن نفشل في هذا، و اﻻ ..
يصيح احدهم:
– واﻻ ماذا؟
– هاواي ستصبح أمة من البرص. لكن طالما تم عزل المرضى في مكان حيث ليس لديهم اي امكانية للاتصال بباقي السكان.
– لكن هذا المكان سوف يتحول إلى الجحيم بدون أي قانون.
– هذا هو السبب لدعوتي لكم. . لا يمكننا أن نرسل الشرطة إلى تلك الجزيرة.
– لماذا لا؟
– لقد حاولت. لقد استقال الكثيرون ممن ارسلوا الى هناك. اوﻻ بسبب الخوف من المرض. ثانيا أنهم لا يستطيعون اصطحاب اسرهم معهم.
– انه أمر مؤسف حقا!
– لا يريدون ان يذهبوا..- لا يريدوا ان يفعلوا ذلك.. ثم سوف يستمر السكان الأصليين في إخفاء مرضاهم. وأنا لا ألومهم على ذلك!
– بالضبط!
**
في الكنيسة جمع اﻻب رئيس الجماعة الرهبانية الرهبان وبدأ الاجتماع بقوله:
– نحن المبشرين قدمنا حياتنا لنشر كلمة الراعي الصالح ربنا يسوع المسيح. لقد علمت انه تم نفي عدد من الذين قد ادينوا إلى تلك المستعمرة.. مستعمرة الرعب والموت في مولوكاي. لكنهم يموتون هناك، دون اعتراف أو طقوس دينية للصلاة عليهم. والخطر رهيب على أرواحهم الخالدة. لقد كنت مترددا، لإرسال أي واحد منكم لمثل هذا المكان الخطير! ولكن عندما انتهينا من اجتماعنا مع رئيس الوزراء، لقد تركنا مع هذه الكلمات:
هذا المكان سوف يتحول إلى الجحيم ان لم نتخذ التدابير لمنع ذلك.
واضاف:
اذا على اي انسان مسيحي: كاهن، واعظ أو أخت أن يكون مستعدا للتضحية بحياته لتعزية هؤلاء التعساء و الفقراء, لتكون نفسه جديرة للتألق إلى الأبد على العرش الذي بني على الحب اﻻنساني. إذا! من منكم له الرغبة للتطوع لهذه الخدمة؟
وقف في الحال اربعة كهنة.
قال الرئيس:
– حسنا هناك أربعة منكم، سوف يخدم كل واحد منكم لثلاثة أشهر، وبالتالي نستطيع ان نؤمن لهم كاهن على مدار السنة. الآن، نلنا الشرف لتأسيس رعية جديدة. وسيكون لك …
واشار الى اﻻب دميان وقال:
– ايها الأب داميان! لدينا كنيسة صغيرة هناك. انها تحتاج الى بعض الاصلاحات.
– حسنا، بركتك يا ابتي!
– عندما كنت صبي صغير في فلاندرز، كثيرا ما نمت في الإسطبلات. لا تنس، لا تلمس أي مريض
او تأكل شيئا أن لم تكن قد أعددته بنفسك. هل أنت على استعداد، ايها الاب؟
– نعم يا ابي.
-الله يكون معك، يا ابني. اريدك مرة أخرى في هونولولو في غضون شهر،
– أعدك يا ابتي!
– تذكر نصيحتي.. لا تلمس أي شخص!
**
– مرحبا، ابي
– ما الذي جاء بك إلى مولوكاي؟
– هل لديك هذا المرض؟
اجاب على الفور:
لا لقد جئت لتأسيس رعية.
– حسنا، لقد حصلت على ودائع كبيرة من الارواح لتخلصها.
ثم التفت الى بعض اﻻغراض على اﻻرض وقال:
– هل حصلت على اشيائك بين هذه الصناديق؟
– ﻻ. لقد جئت كما أنا.
– فعلت الصواب يا ابي. إلاحمق فقط سيختار القدوم هنا. هيا، سأخذك الى مسكنك.
اشار بيده:
– هل ترى ذلك المنحدر؟
– تقصد السطل؟
– نعم، لكن هناك درب واحد فقط فوق هناك. منحدر حاد بما يكفي ليدوخ البغال. معظم المرضى لا يمكن أن يفعلوا ذلك، اذا حاولوا الفرار. لكن اذا نجحوا سيتم اطلاق النار عليهم واذا قبض عليهم سيعدمون.
– اطلاق النار؟
– هذا هو القانون. !لا يغادر اي مريض هذه الجزيرة إلا في تابوت..
ساد الصمت قليﻻ ثم بعد ذلك تابع كلامه:
– البحر هنا أسوأ من بقية الجزر الأخرى. الجزء الجيد هو، إنه يمنع أي شخص من محاولة الهرب. الجزء السيئ هو أنه من المفترض أن تحصل على إمدادات كل شهر. لكنك محظوظ إذا اتت القوارب هنا كل شهرين. ان إدارة مزرعة الفرسان هنا على هذه القمة. طلبوا مني أن “اتولى الادارة” هنا.
– كم مرة تنزل؟
– أنا أحاول أن انزل مع اثنين من رجالي عندما تاتي القوارب حتى لا يسرق الطعام من البداية.
وصلا اﻻثنان معا الى كوخ رجل قوى الجسم لكنه مشوه قليﻻ في بعض اطرافه. القى التحية ثم ارف:
– كاهوهولي! قل مرحبا إلى الكاهن. لقد جاء ليخلص الانفس.
– مرحبا ابي!
– كاهوهولي هو حارس المتجر ورجلي رقم واحد هنا، وهو يوزع الحصص. إذا بقى الكاهن، هنا غدا. كنت قد اقرضته الحصان و اعطيته الحصص.
ثم نظر الى الكاهن وقال:
– أنا لا أعرف، إذا كنت تدخن، أو لا. ولكن أنصحك لتجرب الغليون. ستجد المريضة جدا لها رائحة كريهة. إذا كنت تدخن الغليون، لا يهم كثيرا.
– باركك الله !
– من الآن فصاعداً, الله وحده يستطيع مساعدتك يا ابي.
– نعم، أنا غالبا ما اعتمد عليه!
في الكنيسة ركع الكاهن امام المذبح وصلي:
– ربي الحبيب! انت مت في سن 33. أنا أبدأ حياتي في 33. أصلي من أجل حمايتك.
**
مرحبا، ايها الكاهن! رأيتك قادم.
-مرحبا!
– مرحبا!
– انت انكليزي؟
-نعم.
– كنت مساعدا طبيا في هونولولو من قبل ان اتي هنا يا ابي. هناك درس لك.
قال اﻻب وهو ينظر الى قدميه المشوهنين:
– هل أستطيع نقلك الى الكنيسةلحضور القداس؟
– لا.
– أنا أحب منظر البحر. لن يكون بقائي في الحياة لفترة طويلة.
– لكن ربما اعطيك الاسرار المقدسة؟
– شفقة؟ رجل دين كاثوليكي صالح؟ هل سيقوم ابي من قبره؟
قال رفيق اﻻب:
– آه، ابي ! انت لا تشعر بالإهانة. اليس كذلك؟
قال اﻻب:
– هل أعود غدا؟
– أنا .. ربما اخاف بما فيه الكفاية، للتفكير في امر حضوري الى الكنيسة. قد يكون الله معك.
– ومعك.