لم يكن سقراط ، رجل النجاح الظاهري الذي صفقت له الدنيا في الحياة. ذلك لان حياه قد انتهت، في ظاهرها الى الفشل، ولكن لا صورة اروع من صورة خروجه من الحياة. فبعد ثلاثين عاما من الجهاد المتواصل انتهى الى الاعدام على يدي ابناء اثينا. لقد تحالفت ضده كل القوى وتكتل في وجهه ، في بغضة قاتلة، اولئك الذين لم يألوا جهدا في كشف خداعهم . فحينما اكتشفوا ذواتهم على حقيقتها غضبوا منه بدلا من ان يغضبوا على حد تعبيره من انفسهم..
ان اولئك الذين احسوا بان سقراط يقف عقبة في طريق مسراتهم، كان اكبر همهم ان يزيحوه من الطريق. لقد كانوا يريدون ان تعود الازمنة القديمة والديانة القديمة. ولقد كانوا محقين في ان سقراط قد انحرف بهم عن طريق الديانة الاولى بتقاليدها وقصصها واصنامها لانه جعل الاخلاقيات اساسا للديانة وابعد سلطان الدولة عن دائرة
تفكيره ليضع بديلا عنه سلطان العقل والضمير. زد على ذلك، هناك سبب اخر يكمن في طبيعة الروح الاغريقية التي كانت تتجه دائما الى الثورة حتى لا نخطئ ان قلنا ان اثينا بلد الثورات.
كل هذه العوامل كان لها اثرها في هياج الراي العام ضد سقراط. فاتهموه بالكفر بالالهة، والتمرد عليها، وافساد عقول الشباب بتعاليمه.. ولم تكن هناك تفرقة، في تلك العصور، بين الدين والدولة. وكان على الحاكم ان يحمي حدود الدين والا يسمح لاي انحراف ان يحدث بلبلة في المجتمع. لقد كانت الديانة مؤسسة تابعة لللدولة ، وضعت لها الدولة حدودها، وسنين للحفاظ علي كيانها. وكان الحاكم يمسك في يده مقاليد السلطتين الدينية والمدنية معا.
وهكذا يقف امامنا سقراط، كمثل رفيع للدفاع عن حرية العقيدة وسلطان الضمير. لقد حارب في دائرة الوثنية معركة الحرية الدينية كما فعل “لوثر” و”جون نوكس” حتى نستطيع ان نتحدث عنه كالمصلح العظيم في دائرة شعبه. لقد كان يؤمن ان سلطان الدولة ينبغي ان ينتهي حيث يبدأ سلطان الضمير. وان الضمير دولة فريدة في ذاتها، لا سلطان لاحد عليها. ولا ضير ان تكون هناك دولة في قلب الدولة. لقد نادى باستقلال السلطان الروحي ولم يتراجع ان يقدم حياته ثمنا لمناداته. ودفاعه امام قضاته، يعيد الى اذهاننا قول الرسول بطرس “ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس” امام مجمع السنهدريم.