اانها اسطورة عن غني تعلم الدرس:
كنت منحنيا على مكتبي انظر ساهما الى الكتاب الذي امامي. وقد استغرقت في تاملاتي بحيث لم اعد ادري بشئ مما يحيط بي. كان النهار قد ولى واحتجبت الشمس خلف النهر اوو على الاصح غاصت فيه، ولم يبق من اثارها الا بعض الاحمرار الذي لوّن السحابة الرمادية الكبيرة التي كانت تطل على النافذة الغربية. وفيما انا مستغرق شعرت بحركة قريبة مني ففزعت. فقد كنت وحدي بالبيت. ورفعت راسي ورايت رجلا فارع الطول وقد طالت لحيته البيضاء حتى وصلت الى ركبتيه وتجلت نظرة مرحة في عينيه وانفرج فمه عن شبه ابتسامة وقال، كما لو كان قد سمع سؤالي الذي لم تنطق به شفتاي. نعم، انا من كنت تقرأ عني. ونظرت الى اذنيه فضحك وقال: كلا لست بعد حمارا. نعم اني كنت اغبى من الحمار، ولكني عدت الى انسانيتي.
قلت: ولكني كنت اعرف ان ميداس شخص اسطوري ولم اكن اظن انه انسان حقيقي.
فابتسم وقال: ثق انني انسان حقيقي. عشت على الارض. انا ميداس بلحمه وعظمه. نعم انا ميداس.
قلت: كم يسرني ان اراك واسمع قصتك على حقيقتها.
فاجاب وهو يمد يده ويسلمني درجا: خذ! هذه هي القصة.
تناولت الدرج وفيما انا القى نظرة عليه فوجئت باختفاء الرجل. اين اختفى؟ هل انا احلم؟ ولكن الدرج في يدي ينبئني ان الامر حقيقة وليس حلما.
ورحت اقرا.
اعترافات ميداس
لقد بلغت اليوم من العمر ارذله. ومع اني لا زلت مستمسكا بالحياة، الا اني اخشى ان النهاية ستفاجئني قبل ان اؤدي الرسالة التي وضعت على قلبي ان اقوم بها. انني ادون هنا اعترافاتي.
لم يكن من السهل عليّ ان ادون رذائلي لكني سارعى الامانة بكل دقة.
انا ميداس صاحب الاسم المشهور في جميع انحاء الارض. نشات في عائلة طيبة . كان ابي ملكا. ولما مات خلفه على العرش وقد ورثت عنه مملكة مترامية الاططراف. ماتت زوجتي وهي تلد وكان حزني لفقدها طاغيا. على اني تعززيت بالطفلة الحلوة التي ولدتها لي. كانت الحلاوة نفسها. كان خداها وردتين في بستان وكان شعرها جدائل ذهبية تتدلى على جانبي وجهها وقد امتزجت حمرة خديها بصفرة شعرها فكان من ذلك سحر يذهب بلب العابد. كانت ابنتي ابريز نعم هذا اسمها. كانت ابريز معبودتي. كانت ابريز تنزل كل يوم الى الحديقة وتقطف باقة من الازهار وتضعها على مائدتي، فكنت ابصرها على الافطار واشعر بسرور طاغ.
على ان حبا كان يملك قلبي . لم اكن ادري في اول الامر بقسوة تملكه. كنت احب الذهب اكثر من اي شئ في الوجود. كنت اقدر تاجي الملكي لانه كان مصنوعا من ذهب، ولو وجد في العالم شئ اخر احبه اكثر من الذهب فهو ابنتي ابريز. وكان حبي لها يزداد كلما ابصرت جدائل شعرها الذهبية. وكنت اظن لحماقتي ان افضل شئ اعمله لابنتي ان اكدس لها اكواما من الذهب.
وهكذا تحولت حياتي الى اداة لجمع الذهب. فكري لا يخرج عن منطقه الذهب وفمي لا ينطق الا بكلمة الذهب ويداي لا تعلمان الا للحصول عليه وقدماي لا تسعيان الا للبحث عنه. نعم حياتي اصبحت ذهب وذهب ولا شئ غير الذهب.
خصصت مكانا في الطابق السفلي من البيت من اجل الذهب. غرف محصنة بالابواب الفولاذية رصت فيها الصناديق التي امتلات بسبائك الذهب.
(يستكمل)