اوريجانوس: قديس ام هرطوقي؟
نظرت اليه طويلا احاول ان اخترق الحجب التي تخفي حقيقته. ولكنه ظل محتفظا بوجهه الجامد الذي لا يكشف عما يبطنه، ولما تعبت من انتظار ما ينبئ عن استعداده لسماع كلامي.. قلت: لقد سمعت الكثير عنك. سمعت من يقول انك قديس، وسمعت من يقول انك..
فاسرع يقول مقاطعا:
منحرف هرطوقي.
قلت في شئ من الخجل:
نعم، سمعت شيئا من ذلك. فقد اختلفت الاراء فيك من نفس كنيستك.. وها الرب قد اكرمني بلقياك ايها المعلم المبجل. لذلك ارجو ان تكشف لي شيئا من اسرارك. وقد علمت انك تمكنت من الفلسفة ما جعلك قطبا من اقطابها. لذلك ارجو ان تترفق معي في الحديث فاني امثل الطبقة العادية في الشعب.
وابتسم اوريجانوس وقال:
اعتقد انك تعرف ان الفلسفة لا تزيد عن العرض المظم للحقائق، واظن ان التنظيم يحل كثيرا من المسائل المعقدة. لقد كان سبب الخلاف بيني وبين البعض انهم كانوا متشبثين بارائهم دون ان يفهموها. كانوا ينادون بالايمان دون بحث. هذا مع ان الله امرنا ان نحبه بكل القلب والفكر. والمرنم بعد ان قال “علنتي” اي دلني على الطريق قال “فهمني”. والرسول اوصانا ان “نمتحن” كل شئ ثم نتمسك بالحسن. وقبل ان ندخل في الحديث احب ان اؤكد لك اني انتهيت الى التسامح الكامل والصفح عن كل من اساءوا اليّ. لا يهمني اين يضعني الناس وان كنت ارجو الا يرفضوني من شركة الكنيسة المجاهدة.
قلت: اني مبتهج جدا اذ اسمع هذه الكلمات الجليلة من ابن الملكوت وخادم الملك. وذلك لن يمنعني من الدخول في تفاصيل حياتك. بل بالحري يحتّم عليّ ذلك لما لذلك من اثار بعيدة في الكنيسة . ثم قلت ترى هل يثقل عليك ان تبدأ انت الكلام، واعدك الا اقاطعك الا في اللزوم الالزم.
وابتسم اوريجانوس مرة اخرى وقال:
انك قد وضعت عليّ عبئا. سأحاول ان اقدم لك ما استطيع… ولدت في الاسكندرية سنة 185م من والدين مسيحيين. وقد ارسلني ابي الى المدرسة اللاهوتية وجلست عند قدمي معلمي اكلمنضس على انني في نفس الوقت توسعت في دراسة مؤلفات افلاطون وتعمقت في الرواقية ولم تزدني الدراسات الفلسفية الا تعمقا في ايماني بالمسيحية ومحبة المسيح.
وفي سنة 202م اثار القيصر اضطهادا على المسيحيين وقبض على ابي واودع السجن.. وكانت المدرسة اللاهوتية اذ ذاك قد اغلقت ابوابها وتشتت اساتذتها. وقد جاهد البابا ديمتريوس في اعادة فتح ابواببها.. وعينت بها. كنت اعلم الاداب اليونانية ثم قمت بالقاء المحاضرات في تفسير الدين المسيحي.
ونجحت المدرسة. ونجحت اجتماعات درس الكتاب المقدس وشرح العقيدة المسيحي. وكثر اقبال الطلبة كما كثر اقبال طالبي المعرفة.
لكننا فوجئنا بثورة عارمة من قبل السلطات الحكومية، وقبض على كثيرين من المسيحيين ومن بين من قبض عليهم خمسة من طلبة المدرسة.
**
هدات ثورة الاضطهاد قليلا واعاد البابا ديمتريوس فتح ابواب المدرسة اللاهوتية وطلب مني ان اكون رئيسا لها وكنت اذ ذاك في الثامنة عشرة. وقد تقاطر طالبوا العلم اليها. بل ان كثيرين من الوثنيين قصدوا المدرسة للاستفادة من العلوم التي كنت اقدمها. فقد كشفت للناس سمو المسيحية وارتفاعها عن اسمى الفلسفات المعروفة وخصوصا الرواقية..
قلت: يبدو ان انعكافك الزائد وسعيك المتواصل لنوال اسى درجة في العلم والفضيلة قد جعلك زاهدا في الحياة لدرجة متناهية وهو خطأ يؤخذ عليك. انك لم تهتم بجسدك بل حرمته من الزم الضروريات. لا اكل ولا نوم مريح لا ثوب ولا حذاء اذ كنت تسير حافيا.. لقد اقبل عليك طلاب المعرفة ينهلون من بحر علمك. افنيت نفسك لاجلهم. وقد كان يمكنك ان تفيدهم اكثر لو انك اوليت جسدك شيئا من العناية. انا لا اقول انه كان ينبغي ان تعيش عيشة الترف والنعومة..