رسائل من فجر المسيحية #٧

الرسالة السابعة
بعد 5 سنوات من الرسالة السابقة

عزيزتي بورشيا
لقد عشت السنوات اﻻربع الماضية تحت سحابة من الرعب. كنا نتوقع ان تمتد الينا يد كاليجولا بالسوء. انه بحق مجنون. لم ينس غضبه على لوسيوس في ايامه اﻻولى. ولكن ها هو قد مات وانزاح هذا الكابوس.
كما اني ﻻ استطيع ان اعبّر لك عن فرحنا. ان هذا يجعلنا نشعر ان العدالة قد عادت اخيرا الى ربوع اﻻمبراطورية بزوال عهد كاليجوﻻ.
اما عن اليهود فقد اضحوا اشقياء متمردين كالطفل العنيد. ومن يلومهم في هذا فقد ظننت في البداية انهم يمثلون الروح القبلية البدائية المغلفة بالتعصب اﻻعمى، ولكني استطيع ان التمس لهم عذرا بسبب قسوة الوﻻة. على انهم اﻻن يبدو انهم اكثر خضوعا تحت حكم كلوديوس قيصر. بالجهد استطيع ان احتمل البقاء هنا ستة اسابيع اخرى قبل الذهاب الى مكدونية. لقد بدات اﻻمور تسوء تحت رئاسة الوالي مرسيلوس وازدادت سوءا تحت وﻻية هرينيوس واسوأ عندما تولى هيرودس اغريباس – الذي كان قد سجن بسبب مشاحنة مع طيباريوس وعين رئيس ربع بعد اقصاء هيرودس انتيباس، ولقد كانت وﻻيته تضم في البداية الجليل وبيرية، ثم ضمت اليها السامرة لتشبه مملكة هيرودس الكبير جده. يا ليته اعدمه مع من اعدمهم من اوﻻده منذ ثلاثين عاما! اذا ﻻستراحت فلسطين من حكمه الجائر.
لوسيوس المسكين مضطر ان يذهب اليه في اورشليم بين الحين واﻻخر بطبيعة عمله. لقد كرهته منذ ان رأيته في اول مرة. بدا كخنزير سمين ولو ان ملامحه كانت متناسقة. وهو مرائي – مع لوسيوس يتصرف كأي روماني غيور على مصلحة اﻻمبراطورية ومع اليهود يجاهر بانه اكثر تدقيقا في مراعاة فرائض الناموس اكثر من الفريسيين انفسهم. بل ان اغرب ما فيه

مقدرته على ضبط عواطفه او اطلاق العنان لها واصطناع البكاء. مثال ذلك انه جرت العادة في المحافل الدينية ان يقرا الحاكم بعض الفصول من الكتب المقدسة عندهم. ففي مرة قرأت نصا جاء فيه “ﻻ يحكم عليك غريب ليس من اخوتك”. وبحركة مسرحية انفجر باكيا بصوت عال وسط جمهور العابدين، فصرخ الحاضرون بصوت واحد “ﻻ تيأس. انت اخونا”، فانحنى نحوهم باسما، وهو يمسح دموعه، وشكرهم. وهكذا كسب لنفسه محبة الشعب.
كأنما ﻻ تكفي بلايا حكم اغريباس فقد حدثت مجاعة شملت انطاكية شماﻻ الى حدود مصر وتأزمت صلته مع جمهور الشعب الذين يعتمدون على الزراعة. فانت تعرفين انه ﻻ نستطيع ان نجلب القمح من شمال افريقيا كما تفعل روما باساطيلها التجارية ومع انه قد وصلت الينا مساعدات من كبادوكيا وبنتس اﻻ انها لم تكن كافية، العبء كله يقع على الطبقة الفقيرة. فالموت يحصد اﻻلوف منهم بينما يقبع اﻻغنياء وراء مخازنهم المكدسة. وانه لمشهد يثير الشفقة وانت ترين عيون اﻻطفال الغائرة في الشوارع يستجدون الاحسان. اما الشخص الوحي الذي يبدو انه ازداد سمنة في المجاعة فهو قيافا. فهو يملك مزرعة شاسعة في منتصف الطريق، حيث اهدى الينا منحة من الغلال مقرونة ببعض المال لتوزيعها على فقراء الشعب. ولما التقيت به وابديت دهشتي من تصرفه قال لي “لعلك تظنين يا عزيزتي انني قاسي القلب. وحتى ان كنت كذلك فانه ينبغي للمرء ان يكون دبلوماسيا في بعض الظروف!”. ثم اشار عليّ بزيارة تريفينا وطلب منها مساعدات لتوزيعها ايضا. وحينما فعلت كما اشار عليّ لم انل سوى سخريتها اللاذعة، وﻻ زلت اذكر قولها “دعيهم يا ﻻفينيا.. دعيهم يهلكون جوعا. ان هذ سيخفف عبء الوالي المسكين! وﻻ تظنين انهم سيحفظون لك الجميل. انهم سيأخذون عطاياك، ولو تمكنوا بعد ذلك من قطع رأسك لفعلوا”. على ان هذه العقبات لم تهن من عزم لوسيوس في محاولة تخفيف اثر هذه المجاعة، وحتى اغريباس نفسه فعل ما بوسعه.
ولكن حدث حادث اثار غيظه وسبب له ارتباكا ليس بقليل، فقد قتل من المسيحيين من ضمن من قتل يعقوب اخا يسوع. ولما رأى ان ذلك يرضي اليهود عاد والقى القبض على سمعان المسمى بطرس. وكان مزمعا ان ينفذ فيه حكم اﻻعدام بدون محاكمة، لوﻻ ان عيدا وطني من اعياد اليهود كان على اﻻبواب، فاضطر الى ارجاء تنفيذ الحكم الى ما بعد العيد. وقد التقى به لوسيوس بخصوص هذا اﻻمر، وقال له ان اعدام اي متهم بدون محاكمة ﻻ يتفق مع العدالة الرومانية، غاجابه بعناد “انه مجرم ومهيج فتنة، كما ان هذا يهدئ ثائرة الشعب”، فاجابه “انك ﻻ تسنطيع ان تطعم البطون الجائعة بلحوم المسيحيين!”. فاصطنع ابتسامة كريهة وقال “انت مخطئ يا صديقي، وﻻ تعرف نفسية الشعب، نحن في حاجة الى القضاء على اتباع الهرطقة الجديدة”. ولما رأى لوسيوس انه ﻻ جدوى من الحوار اضطر الى السكوت.
وقد شددت الحراسة على بطرس وكانوا يريدون ان يسيروا به في موكب انتصاري. وحدد يوم المحاكمة. وفي صباح اليوم المحدد، ارسل اغريباس جنده ليؤتى بالمحكوم، فلم يعثروا له على اثر. كانت القيود مكومة والحراس يقفون على الباب المغلق، وﻻ احد هناك، ولم يستطع الجلد حتى الموت ان ينتزع كلمة واحدة من الحراس. فامر هيرودس باعدامهم – ولم استطع ان اعرف سر ذلك اﻻ من بعض المسيحيين، الذين قالوا ان ملاكا هبط من السماء وفك قيوده واخرجه من السجن دون ان يشعر الحراس..
عزيزتي، لقد اتعبتك كثيرا باخبار هذه الطائفة. على كل حال لقد اقترب موعد رحيلي الى فليبي، وسوف ﻻ اضايقك مرة اخرى بتلك اﻻخبار، ﻻنه ﻻ يوجد مسيحيون هناك..
قبلاتي لك..
ﻻفينيا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s