لوحة فنية: القصبة والفتيلة

قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ (مت12: 20).

كنت جالسا مساء احد السبوت بعد ان انتهيت من عملي. اخذت اتصفح احد المواقع الاخبارية. ما هذا؟ لمحت اعلانا “المعرض – للفنون سيقام يوم – السبت في مكتبة –
اه، لقد مضى وقتا طويلا منذ ان ذهبت فيها الى معرض للفنون. سيكون الذهاب الى مكان المعرض شيئا حسنا، قلت لنفسي. يمكنك ان تفعل هذا.
اغلقت التلفاز وارتديت معطفي وذهبت الى هناك. رايت لافتة مكتوب عليها “القصبات المرضوضة” وكانت تشير الى باب. والى جوارها لافتة اخرى تعلو باب اخر وكتب عليها “الفتائل المدخّنة”. عبرت الردهة وفتحت واحد من البابين الخشبيين ودلفت الى داخل الغرفة.
كانت اللوحات الزيتية موضوعة في جميع ارجاء الغرفة لها اطارات مذهبة، والوان تنبع بالحياة، وكلها موضوعة في حوامل – الواحدة في ظهر الاخرى.
كانت اللوحة الاولى صورة شخص ابرص كان منحنيا مثل الاحدب وكانت يده بلا اصابع وقد لفّها في خرق بالية وهو يمدها الى الامام كانه يطلب احسانا. كانت قطعة من القماش البالي تخفي وجهه ما عدا عينيه البنيتين المملؤتان بالالم. كان الجمهور المحيط بالابرص افجارهم مشتتة. وكان في الصورة اب يمسك بابنه المحب للاستطلاع. وامراة تكاد تتعثر وتقع وهي تبتعج عن الزحام ورجل ثالث يحملق غاضبا وهو يجري. وفي اعلى الصورة كتبت هذه العبارة: “يا سيد ان اردت تقدر ان تطهرني”(لو5: 12).
وفي الصورة الزيتية الثانية نفس الرجل الابرص، ولكن المشهد قد تغير بطريقة مفاجئة. عنوانها كلمتين فقط “اريد فاطهر”. في الصورة كان الرجل الابرص يقف معتدلا. كان ينظر الى يدها الممدودة وبها اصابع! اختفى الوشاح الذي كان يخفي معظم وجهه وكان يبتسم وقد اختفت الجماهير من حوله، ولم يكن سوى شخص واحد يقف الى جوار الابرص وان كان وجهه لا يرى في الصورة لكنك تستطيع ان ترى يده الموضوعة على كتف الابرص.
وفي الصورة التالية رسم الفنان صورة امراة وهي تقفز على جانب جدول مياه الى الجانب الاخر، كانت ملابسها ممزقة وجسدها هزيلا ولونها شاحبا، كان يبدو عليها انها مصابة بفقر الدك.. كان في عينيها ياس وكان على جانب الاخر للجدول يوجد ردل كل ما تستطيع ان تراه منه ساقيه والنعل الذي كان يلبسه وهدب ثوبه وفي اسفل الصورة كتبت تلك الكلمات التي قالتها المراة “ان مسست ثوبه فقط شفيت”(مت9: 21).
وقفت بسرعة امام الجانب الاخر للحامل لارى المشهد الذي يليه: انها الان واقفة وكانت الارض التي تحت قدميها صلبة. وكان وجهها نضرا ينبض بالحياة. وكان واقفا بجوارها ذلك الشخص الذي كانت تريد ان تلمسه. كانت كلماته هي عنوان الصورةة الانية “ثقي يا ابنة. ايمانك شفاك”.
وكانت الصورة التي بعدها صورة سريالية. وجه رجل تنم قسماته عن الالم. وكان الوجه ممطوطا ومنتفخا من اسفله مثل الكمثرى، كانت فتحات عينيه مائلتين ويقفز منهما العديد من النظرات الزائغة. وكان فمه مفتوحا وهو يصرخ صرخات مدوية. لاحظت شيئا غريبا وانا انظر الى هذه الصورة، لاحظت ان هذا الوجه يسكن فيه مئات المخلوقات العنكبوتية وهي تنشب مخالبها فوق بعضها البعض. وكانت اصواتها اليائسة مدونة في العنوان المكتوب على الصورة “استحلفك بالله ان لا تعذبني”.

ثم خطوت خطوة نحو الصورة التالية وانا مأسور بهذا المنظر. انه نفس الرجل ولكن ملامحه الان قد هدأت. فعيناه لم يعد لهما المنظر المخيف. فهي الان صافية ووادعة فمه الان مغلق، والكتابة على الصورة توضح سبب التغيير الفجائي الذي حل عليه: “لقد تحرر من الارواح الشريرة”. كان الرجل بنحنى الى الامامام وينصت بانتباه وكان يتدلى من رسغيه قيد من الحديد وسلسلة مقطوعة.
وفي صورة اخرى كانت هناك امراة شبه عارية وهي منكمشة من الخوف امام جمهرة غاضبة من الرجال الذين يهددونها برجمها. وفي الصورة الكقابلة كانت الاحجار ملقاة على الارض تغطي الفناة الذي وقفت فيه المراة مذهولة، ورجل مبتسم يقف بجوار بعض الكلمات المكتوبة على التراب.
وفي صورة من الصور هناك رجل مشلول محمول على فراش وهو يحث اصدقاءه ان لا يياسوا وهم يحملقون في البيت الذي يعج بالناس. وفي الصورة المقابلة كان الفراش محمولا على اكتاف هذا الرجل الذي كان يطفر وهو خارج من البيت.
كانت في انحاء القاعة مجموعة من الصور تكرر نفسها فهناك دائما صورتين متقابلتين – واحدة لشخص في ازمة والاخرى لنفس الشخص وهو في راحة وفرح وسلام. كانت كل صورتين تمثلان الشخص قبل وبعد ان يشهد التغيير في حياته.
ولكن في وسط القاعة كانت هنام صورة وحيدة. وكانت هذه الصورة مختلفة عن باقي الصور الموجودة في القاعة. لم يكن هناك وجوه او اشخاص في هذه الصورة. لقد غمس الفنان فرشاته في النبوة القديمة ورسم شيئين في منتهى البساطة هما قصبة وفتيلة.
“قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنّة لا يطفئ”(مت12: 20) هل هناك شئ اكثر قصامة (هشاشة) من القصبة المرضوضة؟ انظر الى قصبة تنمو على حافة النهر وهي منحنية الان من شدة التيار.
هل انت قصبة مرضوضة؟ هل كنت تقف قبلا معتدل القامة مزهوا 🐮🛐🚶🎶؟ لقد كنت تستقي من مياه النهر وجذورك ثابتة في ارض الثقة بالنفس.
بعد ذلك حدث شئ ما.. لقد ترضضت.
بواسطة كلمات قاسية.
بواسطة غضب صديق،
بواسطة خيانة شريك الحياة.
بواسطة فشلك.
وانت قد جرحت وانحنيت. ان قصبتك الجوفاء مشروخة الان ومنحنية.
والفتيلة المدخنة في الشمعة .. هل هناك شئ اقرب الى الموت من الفتيلة المدخنة؟ كنت قبلا مشتعلة ولكنها الان تشتعل بصورة متقطعة ثم تنطفئ. انها ما زالت دافئة من اشتعال الامس ولكن ليس فيها نار. انها لم تبرد بعد ولكنها ليست حارة بالمرة. هل كنت مدة طويلة تشتعل بالايمان؟ تذكر كيف كنت تضئ؟ ثم جاءت الريح الباردة . لقد قالوا ان اراءك حمقاء. وان احلامك متغطرسة ، مثلما قال اخوة يوسف له (تك37: 8). لقد استهزاوا بك وقالوا لك: ليس لك خلاص بالهك (مز3: 2). لقد انهكتك الريح. نعم، وقفت صامدا لفترة، لكن الرياح الشديد ما لبثت ان اطفات شعلتك تاركة اياك في ظلام.
القصبة المرضوضة والفتيلة المدخنة ليس لهما مكان في المجتمع الذي ليس به مكان للمسحوقين. العالم سوف يقصف عكازك الذي تستند عليه وسوف يطفئ المصباح الذي تعتمد على نوره.
ولكن الكتاب المقدس يقول ان الله سوف لا يهملك. ان لديه مكانا للمسحوقين والمتعبين. انه هو من سيحقق احلامك. هذه هي وعود الله. وهذا ما عبرت عنه الصور في المعرض
دعنا نقول انها مجرد مجموعة من الصور. وبالمناسبة، اقول لك ان صورتك موجودة بينها. انها موجودة في المعرض ولكن بخلاف باقي الصور صورتك الاولى تظهر القصبة المرضوضة والصورة المقابلة عبارة عن لوحة بيضاء في انتظار يد رقيقة لترسم القصبة المرضوضة وقد استقامت والفتيلة المدخنة وقد اشتعلت وتوهج نورها من جديد. انها في انتظار يد حانية هي يد يسوع.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s