جرى يوما جدال حاد – فقد مات احد الاساتذة في الاسبوع السابق، واخذ صلاح وزملاؤه يناقشون ان كان قد راح السماء ام لا.. ثم جعلوا يسألون عن الاعمال التي يطلبها الله للدخول الى الجنة. كان لكل واحد راي يختلف مع الاخرين، وقال صلاح “بحفظ شرائع الله يدخل الانسان الجنة” وقال تامر “بل باتباع فروض العبادة” وقال شاكر “ان اهم شئ هو محبة الله”.
كان كل واحد يعلن رايه دون ان يسمع للاخرين، وفي ضيق خبط صلاح بيده على المنضدة وقل:
“اني احب الله، ولكني لن احب من يقول مثل هذه الاقوال السخيفة التي تقولونها!”
ومر صلاح ببيت ابي يوسف، اكثر رجال القرية حكمة، وهو يريد ان يعرف ان كان ابو يوسف يؤيد وجة نظره. وحيّاه ابو يوسف بحرارة، وحكى صلاح قصته بحماس ثم سال:
كت هو العمل الذي يجب ان تقوم به لندخل السماء؟
اليس بحفظ شرائع الله؟
وكان ابو يوسف يصغي بانتباه لصلاح.
اذا قل لي ما هي اعظم وصايا الله؟
مكتوب: تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وتحب قريبك كنفسك.
عظيم يا صلاح ستجد حياة الى الابد ان نفذت هذه الوصية دائما.
وراى صلاح بريقا في عيني ابي يوسف، فقال له “هناك شئ تريد ان تقوله لي” ثم قفزت الفكرة الى ذهن صلاح “الوصية تنادي بحب الله حبا كاملا. ولكن ها هو قد فشل في حب الناس، وكان يود لو تشاجر معهم اثناء المناقشة.
ولكن ليس كل الناس اقربائي – اقربائي هم اصدقائي والقريبون مني.
زلم يكن صلاح مستريحا لهذا كله. واراد ان يدافع عن نفسه، فسال من هو قريبي؟ فقال ابو يوسف “اسمح لي ان احكي لك قصة رواها السيد المسيح، بعدها تقرر لنفسك اجابة سؤالك.
ذات صباح كان تاجر مسافرا – وبدأت حرارة الجو تزيد، فشعر بالتعب والارهاق، خصوصا وقد كتن تعب اليوم السابق كبيرا، ولم يكن قد حصل على نصيب كاف من النوم في الليلة السابقة، وفي سفره اخذ يفكر في موضوع “العبادة المقبولة” لانه كاان قد سمع خطبة في المجمع حول هذا الموضوع في اليوم السابق.
محبة الله .. نعم.. يجب ان يزيد حبنا لله – ولا يجب ان يمنعنا عن عبادة الله شئ.
وفجاة سمع صوتا خلفه، فاستدار ليرى مصدره..
اوه، ما هذا؟! .. ماذا؟!
ولم يرى شيئا فتابع سفره. كان قد سمع ان المنطقة التي يسافر فيها موبؤة باللصوص. ولكنه قال لنفسه “اطمئن هذه خيالات.. لا شئ حولك يخيفك” وبدا يقتنع ان لا خطر هناك. ولكن الحقيقة كانت غير ذلط!
دون ان يدري كانت عيون شريرة تراقبه جن وراء تل قريب.
وانتقلت الاشارة .. وكان الخطر يتهدده من امامه..
المئات يسافرون من هنا بدون تعب، فلماذا القلق؟
احيانا اظن ان قلقي مبالغ فيه … اااه
وقبل ان يفكر قفز كثيرون من وراء الصخور يهاجمونه، ضربوه بدون رحمة، وسلبوه كل ما كان معه.. وتركوه ظانين انه مات!
ومضى الوقت بطيئا على الجريح الملقى على الطريق. وعندما عاد الى وعيه جعل يدعو الله ان يمر به من ينقذه.
ومن خلال عينيه المتورمتين راي شبح رجل قادم من بعيد.
الحمد لله وصل العون.
ولما اقترب الرجل عرف انه رجل الدين الذي كان يخطب في المجمع اليوم السابق. وما ان راه رجل الدين حتى قال في نفسه: ما هذا؟ جريح يدمي؟ انا مشغول. لماذا اصرف وقتي الثمين لاساعده؟ غالبا سيموت قبل ان اسعفه. على اي حال، كثيرون يسافرون من هنا، وسيمد له احدهم يد العون.
وثبت نظره الى الامام كأنه لا يراه، وسار على الجانب الاخر من الطريق! ولم يقدر الجريح ان يستغيث، فقد كان خائر القوى. لكنه قال لنفسه: “يخطب فينا عن حب الله، لكنه لا يحب اخوانه البشر”.
ومضى الوقت، وحرارة النهار تزيد. ها هو قادم اخر – وعرف فيه احد رجال الاعمال المشهورين، معروف بتقواه. وتوقع الجريح ان يجد الرحمة، ولكن رجل الاعمال حالما راى الجريح قال في نفسه “هذا من هجوم اللصوص القساة الذين قد يكونون مختبئين هنا. فلاسرع واغادر بسرعة قبل ان ينتبهوا لوجودي”.
وفيما هو يبتعد تناهى الى سمعه انة الجريح “النجدة”. وتطلع الى هنا وهناك بحذر، لم يبالي ولطز حماره، وسار في طريقه مسرعا.
وبدا الجريح يحس بالموت يسري في اوصاله، ودون ان يمد له احد يد العون وقرب العصر راى قادما من بعيد، تعرف عليه حين اقترب منه.
كان القادم الثالث احد اهالي قرية قريبة من قرية الجريج، وكانت العداوة بين القريتين قديمة ومتاصلة منذ عشرات السنوات. كان الواحد منهم لا يحي الاخر بل يشيح بوجهه عنه كلما راه..
وتنهد الجريح باسف عظيم “ضاع كل املي في النجاة! ضاع رجائي الاخير”.
ثم راح في غيبوبة. وعندما افاق راى وجه المسافر الثالث ينحني فوقه وهو يطهر جروحه ويضمدها. وعندما راى الجريح يفيق قال له: “اشرب هذه” وناوله كاس ماء. ولما بل شفتيه ولسانه ساله في صوت متحشرج:
“ولكنك عدوي! و ت.. تكرهني .. فلماذا تعمل هذا الاحسان معي؟”
ونظر المسافر الثالث الى الافق وقال:
“لانك تحتاج الى عوني.. اطكئن واسترح يا صديقي”.
وناوله بعض الطعام ثم اركب الجريح على دابته/ واعتنى به، ونقله الى فندق. وفي اليوم التالي ودعه، ثم دفع لصاحب الفندق دينارين وقال له “ارجوك ان تعتني به، واذا احتجت الى مزيد من المال فعند رجوعي ادفع لك” ووافق صاحب الفندق – وتابع المسافر رحلته.
وعندما انتهى ابو يوسف من رواية قصته قال لصلاح:
“قل لي: اي هؤلاء الثلاثة هو قريب الذي وقع بين اللصوص؟”.
“اعتقد انه الذي صنع معه الرحمة بالرغم من انه عدوه”.
“ان كنت تريد عملا يحقق مطالب شريعة الله فاذهب واعمل ما قلت عنه: اظهر حبا كاملا لله توضحه في حبك الكامل كل يوم لكل الناس”.
راح صلاح يفكر في هذه الكلمات. ضايقه ما قاله ابو يوسف دون ان يدري سبب ضيقه .. ثم ادرك السر. فقال:
“ولكن لا يوجد من يحب غيره حبا كاملا، خصوصا الاعداء، هذا مستحيل!”.
“بالطبع هذا مستحيل لو حاولت عمله بقدرتك الذاتية”
“اذا لماذا يطالبني الله بما يفوق قدرتي؟ لماذا يطالبني بالمستحيل؟”
شريعة الله صالحة، وليست المشكلة في الشريعة. المشكلة فينا. نحن عاجزون، لكن الله قادر على اجراء لمعجزات فينا”.
كيف؟
يا صلاح يا ولدي نفوسنا امّارة بالسوء، والله يريد ان ينزع منا قلب الحجر ليزرع فينا قلبا لحميا يريد ان يعمل مسرّة الله.
تعني ان الله يغير داخل نفوسنا. يمنحنا كيلادا جديدا. كيف يمكن ان يكون هذا؟
قل لله انك عاجز عن تغيير نفسك، وقل له ان يغيرك بقوة عمله فيك، فيمنحك حياة جديدة افضل. والله رحيم يجيب دعوة الداعي اذا دعاه.
وشكر صلاح ابو يوسف وعاد الى بيته، وحينما فتح الانجيل ليقرأ، وجد هذه الاية:
“لاني اعلم ان الصلاح لا يسكن فيّ، اي في جسدي. فارادة الخير هي بامكاني، واما عمل الخير فلا”(رو8). وركع على ركبتيه وصلى الى الله ان يمنحه قلبا جديدا يحبه ويحب به كل الناس.