يوميات كاهن في الارياف #١

عن كتاب: مذكرات كاهن في الارياف – للانبا يوحنا قلتة

استلم الكاهن الشاب امور الرعاية في قرية (بردنوها) وهو لفظ قبطي يعني “المظلمة او المخيفة”، وتقع اقصى شمال المنيا مركز مطاي.
القرية الكبيرة يسكنها عشرة الاف من المسلمين والمسيحيين مناصفة، وتشتهر بتربية النحل وتصديره الى باقي المحافظات. لم تكن القرية بها الا مدرسة ابتدائية فقط فاهلها لم يشعروا بالحاجة الى العلم، فقد عرفوا بشئ من الثراء بسبب دخلهم من بيع عسل النحل وبسبب شدة خصوبة الارض الزراعية في هذه المنطقة. كان بالقرية كنيسة من اجمل كنائس مصر – بناها مهندس ايطالي ورسم لوحاتها فنان ايطالي جلبهما العمدة القبطي، وكأنها جوهرة لامعة يحيط بها اكواخ الفقراء المطحونين.
وصل الكاهن الى مقر خدمته – مبنى مكون من طابقين: الاول، هو الكنيسة والثاني، حجرة واحدة امامها مكان استقبال. تذكرك رائحة المبنى بالاثار المصرية القديمة، .. كان القرويون البسطاء يأكلون احلاما ويعيشون بالاحلام. فالمجد لابد آت، والمسلمون والمسيحيون وحدة وطنية رابطها حاجتهم الملحة للخروج من العصور الوسطى، الفقر يطحنهم والبؤس يهز ارواحهم واجسادهم، والقرية لم تتغير منذ رمسيس الثاني في منازلها وتقاليدها واخلاق سكانها. القبور ملاصقة للمنازل، فالحياة كالموت في القرية لا يفصل بينهما الا انفاس تنبعث من اجساد هزيلة.
**
الكنيستان القبطية والكاثوليكية متجاورتان ، والشعب القبطي راض بما قسم له ان يعيش ممزقا الى مذاهب، لا يعكر صفو الاشقاء الا مجادلات مذهبية جوفاء.
**
ازدحمت الكنيسة بشعب الرعية لمعرفة الكاهن الجديد والتطلع الى هذا القاادم من القاهرة. واطال الكاهن الالحان متجاوبا مع فريق الشمامسة فظهر تمكنه من شؤون الطقوس والالحان القبطية. لم يكن استقبال افراد الشعب حماسيا فقد تعودوا على تنقلات الكهنة، كما انهم تشككوا في ان يستمر معهم الكاهن القادم من بعيد مدة طويلة.
اعلن الكاهن في نهاية القداس انه في حاجة الى حمار “الوسيلة الوحيدة المتاحة للوصول الى اقرية المجاورة- فبرز من الصفوف الامامية المقدس بطرس وهو رجل في السبعين من عمره، كاثوليكي متمسك بمذهبه، متحمس لكنيسته، يحب البطريرك وبابا روما دون ان يراهما او يعرف عنهما شيئا.
قال عم بطرس: الحمار جاهز يا قدس ابونا ولم تمض دقائق بعد انتهاء الصلاة، حتى جاء عم بطرس بحمار اسود “اكل عليه الدهر وشرب”، حمار عجوز مريض لا يكاد يرفع راسه وكان الكاهن قد عرف من الناس – والقرية لا تعرف الاسرار كما يقال – عرف ان العم بطرس لديه حمارين، واحد ابيض “شاب حصاوي” كما يقال، قوي وكانه فرس صغير، والحمار الاخر اسود مريض.
سأل الكاهن المقدس بطرس: لماذا جئتني بالحمار الاسود المريض؟
اجاب على الفور: يا قدس ابونا. اذا احضرت الحمار الاسود لكي يبقى الطقم واحد. انت ترتدي فراجية سوداء والحمار لونه اسود كذلك.
لم ينطق الكاهن بكلمة ولكنه تعلم فنا من فنون تفسير الاحداث والخروج من المآزق والمطبات.
**

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s