-2-
رحيل سبستيان
في صباح يوم جميل من ايام الصيف كان سبستيان مستعدا للرحيل. كان يحمل على ظهره حقيبة جل، وكان جده يحملها معه في خروجاته الكثيرة مع بنطلون وقميص وجوارب للغيار وككان يحمل مندولينة معلقة على كتفه.
خرجت لينا لتودعه:
الوداع يا ولدي. كن امينا دائما.
ثم ضم المرشد العجوز يد الصبي الصغير بشدة وقال:
الى اللقاء. اذكر الله دائما. واحفظ محبته وخوفه في قلبك.واذا وجدت نفسك في ضيق رنم ترنيمة جميلة.
تمسّك سبستيان لحظة اخرى بيد العجوز ثم انصرف. لقد شعر بضيق ولكنه لم يكن يريد ان يلاحظ جده ذلك.
بخطوة سريعة نزل المنحدر ومن قرية “جستج” اخذ الطريق الكبير الى قرية “انترلاكن”. من بعيد لمح الفنادق الكبيرة. قال في نفسه“مع هذا الجمع الكبير لابد ان يكون هناك فرصة عمل“.
سأل النادل:
هل يوجد عمل لي هنا؟ يمكنني ان اساعدك اذا شئت.
فالتفت اليه النادل وقال بلهجة تهديد:
اذهب من هنا بسرعة. نحن لا نعرف ماذا نصنع بالمتشردين.
اندفع سبستيان خارجا. وعلى بعد خطوات راى بناء ذو نوافذ طويلة. انه فندق. ولمح رجلا في باب البناء. قال سبستيان: “لابد انه صاحب الفندق“.
اقترب منه وساله اذ شجعه هدوء الرجل:
هل يوجد لديكم عمل لي؟“
وبدون كلمة فحص الرجل الصبي من فوق الى اسفل ثم من اسفل الى اعلى، واذ هزّ رأسه اجاب اخيرا:
لا يوجد عمل لدينا، لا للصبيان ولا للموسيقيين.
لم تحرك سبستيان. لقد تكلم صاحب الفندق ببطء حتى ظن سبستيان انه لم يقل كل شئ . وانه سوف يضيف شيئا الى ما قاله.. ولكن هذا لم يحدث. فقد اخرج الرجل ببطء يده من جيبه ثم اشار الى الشارع. وكان هذا تعبيرا عن القول “اغرب عن هنا“.
ثم مر بحديقة وقبل ان يقترب، صاحت امرأة تقف بالنافذة:
“لا لا نريد موسيقي!
فأحاب سبستيان مدافعا عن نفسه:
اني ابحث عن عمل ولم آت لاعزف الموسيقى.
لا شئ عندي لك. هيا اغلق البوابة وابتعد.
على طول الطريق كان سبستيان يتوقف عند كل بيت ليسال عن عمل ولكنه لم يوفق. وهكذا عبر القرية ووصل الى المزارع.
ربما ستكون الفرصة سانحة لدى المزارعين، فلابد انه يوجد عمل في فصل الصيف حيث الحصاد. ان المزارع الكبيرة وسط المراعي بدت مرحبة به.
اقترب من احد المزارعين وقال:
هل يوجد ما اقوم به؟ يمكنني ان اساعد في جمع التبن.
اجاب المزارع وهو يلقي نظرة احتقار الى المندولينة:
نعم نعم نحن نعلم قيمة العمال امثالك.
واصل سبستيان طريقه في ياس. وكان يتوقف هنا وهناك للسؤال عن عمل. ولكن دائما بأكثر خشية لانه كان دائما يلقى نفس الاجابة.
شعر الان انه قد جاءت اللحظة ليرنم ترنيمة جميلة كما اوصاه جده.
ولكن مثلما اختبر الجد العجوز قبله لم يكن الامر سهلا. لم يستطع ان يخرج لحنا وكان الصوت محبوسا في حنجرته. فاخذ المندولينة ظنا انه بذلك سيسهل الامر. ولكنه تذكر نظرات الاحتقار التي وجهت الى مندولينته خلال النهار. فاخذ يتحدث معها وهو يربت عليها “انا احبك كما تعلمين. هم يحتقرونك اما انا فلن اتركك حتى لو كان بسببك لا يريدني احد في اي مكان“. ثم اخذ يضغط على الاوتار التي حتى هذه اللحظة لم يسبق لها ان اصدرت اصواتا حزينة بهذه الكيفية.