في مؤتمر الكرازة

كان ماهر شابا وسيما يجيد الانجليزية. كان الطريق ممهدا امامه ليشغل وظيفة “مندوب دعاية” في شركة عالمية للادوية. تعرف في عمله على د. امير وهو يكبره بعامين في التخرج، ولكنه يكبره باعوام كثيرة في النمو الروحي.
حادثه يوما قائلا: دعايتي لشركة الادوية تشبه الشهادة المجروحة، شهادة مغرضة، شهادة لاجل تكسب المعيشة، شهادة قد تتغير غدا ان عملت بشركة اخرى. اما شهادتي للمسيح فلا اتربح منها، وهي شهادة لا استطيع ان اتنصل منها “انها كنار محرقة محصورة في عظامي”(ار20: 9). ورغم ان ماهر اعجب كثيرا بشخصية امير الا انه كثيرا ما كان يتساءل:
هل امير شخص متطرف في تدينه؟ وهل يريدنا الله ان نكون هكذا.. ؟
وفي احد الايام دعاه امير لحضور احد المؤتمرات الروحية معه .. وبدا ماهر يشعر بالخجل من الاستعفاء.. لكنه بدا يتبع تكتيك اخر في محاولة لرفض الدعوة، فساله:
ما هو موضوع المؤتمر؟
الكرازة.
الكرازة؟ ان كل علاقتي بالكرازة هي تلك المجلة التي اشتريها كل اسوع ولا اجد ما يشدني فيها على الاطلاق، الا انها عادة!
المؤتمر لا علاقة له بالمجلة. تعال وانظر! لن استطيع ان اشرح لك. على العموم المؤتمر 48 ساعة فقط.
انني اشعر بالملل خلال 48 دقيقة. اتريد ان تجعلني احضر مؤتمر 48 ساعة؟

لي ثقة كثيرة ان المؤتمر سيعجبك! وانك سوف تشكرني على دعوتك لحضوره!
نبرة الثقة في كلامك تجعلني اقبل دعوتك.
انا بالفعل حجزت لك مكانا.
كيف تفعل هذا دون ان تخبرني؟ وماذا ان اعتذرت؟
من حقك! لكني اثق انك لن تفعل، لان قائمة الانتظار طويلة من شباب يرغبون في الاشتراك وينتظرون اعتذار احد المشاركين مثلك.
احسّ ماهر ان مكانه في المؤتمر هدف يتسابق اليه كثيرون. لذا اجاب:
وانا لن اخذلك، ولكن تذكر اما ان يكون حضوري بداية لحضوري المؤتمرات او انه سيكون اول واخر مؤتمر احضره.
حتى عشية يوم السفر كان ماهرا مترددا.
هل سيشعر بالغربة وسط هؤلاء المتدينين (بزيادة) في نظره؟ هل سيجد من يتسامر معه ام انه يقضي الليل في التسبحة؟
وححرص ماهر ان يضع كتابين في حقيبته – قصة عاطفية وكتابا يحوي مقالات ياسية لملء وقت الفراغ تحسبا لو لم يعجبه برنامج المؤتمر.
بمجرد الوصول تسلم برنامج المؤتمر، وللمفاجاة كان كلا اليومين مكدس باربع محاضرات وسهرة روحية وقداس صباحي اليوم التالي.
ما هذا؟ 10 محاضرات وقداس في يومين يا امير؟
لست مجبرا. احضر ما تشاء، وان شئت ان تستمتع بوقتك في الحدائق وعلى الشاطئ لن يلومك احد. كما ان بكل حجرة تلفاز يحتوي مئات القنوات الفضائية.
وتنفس ماهر الصعداء، فاقسى شئ على نفسه ان يجبر على شئ لا يريده.
وقبل العظة الاولى وجد ماهر المشتركون يرنمون بحماس:
يا رب الحصاد، ارسل للحصاد، جيشا يعمل في كرمك
يترك الحياة، يحمل الصليب.. يعلن اقتراب ملكك
هبه يا الهي .. حكمة السماء، وكذا برهان روحك
حتى اين سار ، يبذر البذار، يعلن عن فضل حبك
واثناء العظة الاولى بدا يندمج في قصص اعمال الرسل لتروي كيف كان بطرس الرسول يجاهر امام الكهنة والرؤساء بالشهادة للمسيح. وكيف كانت الصعوبات كثيرة، وكيف كانت التعزيات اكثر!
وتوالت العظات وتوالت القصص، واصطبغت الكرازة باسم المسيح بلون الدم عندما انهالت الحجارة على اول شهيد في المسيحية – استفانوس!
ولكن هذا الاضطهاد لم يزد لمسيحية الا قوة “فالذين تشتتواء من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس .. جازوا مبشرين بالكلمة”
وعلى مائدة الغذاء تعرف ماهر وامير على طبيب يدعى نادر وعلى زوجته المحاسبة وتدعى نها. وفهما منهما انهما حديثي الزواج وانهما عائدين للتو من رحلة الى بورندي.
ماهر: وماذا كنتما تفعلان في بورندي؟ هل سياحة لقضاء شهر العسل؟
لا بالطبع فالظروف هناك اكثر من سيئة. الفقر مدقع، والمرض ينهش الكبار والصغار، والكهرباء تنقطع كل ساعات الليل.
فلماذا تذهبان وانتما ما زلتما حديثي الزواج؟
لقد تعرفنا في الاصل على بعضنا في بورندي. حيث كنا في خدمة روحية لذلك الشعب البسيط. ومن ثم بعد ارتباطنا قررنا ان نستانف خدمتنا هناك قبل ان يعيقنا الحمل وتربية الاطفال.
وهنا اتسعت حدقتا عينا ماهر بشدة، فرفع عينيه الى امير ونظر نظرة ذات مغزى وكانه يستنجد به ليفهم كيف يفكر هذين المخلوقين اللذين يبدو وكانهما من عالم اخر.
واستلم امير الرسالة الصامتة واستاف الحوار:
امير: لا شك انكما تجدان تعزية كبيرة في هذه الخدمة.
نادر: لا ادري ماذا اقول؟ يعوزني الوقت ان احكي لك عن واحد من عشرةمما يحدث معنا.
ماهر: كلي اذان صاغية!
نادر: معظم ما يحدث قصص عادية.. ليس فيها فتح اعين عميان.. ولا اقامة موتى.. ولكن توقيتها وتكرارها معنا ومع الخدام الاخرين ليس مجرد صدفة بل تدبير الهي. اجازتنا من العمل تمت في يسر. التدبير المالي للخدمة اتانا من حيث لا نتوقع! خروج الاجهزة الطبية والمعدات الجراحية والادوية ووصولها الى الموقع.. كلها مواقف نلمس فيها يد العناية الالهية.
امير: حسنا.. انت تؤدي خدمة طبية فتكشف على المرضى وتجري العمليات الجراحية. وماذا عن نها؟ ما هي الخدمة التي تقدمها هناك؟
نها: نادر عضو بالفريق الطبي، اما انا فعضوة في فريق التسبيح، واحيانا اساعده في تنظيم المرضى لانني تعلمت لغتهم الى حد ما، ولذا اشرح العلاج لهم، كما انني اجلس معهم في قاعة الانتظار، واستثمر الوقت في الترنيم لهم واحيانا يشاركوني هم ايضا الترنيم.
امير: وما هي لغته؟
الفرنسية. وايضا تعلمنا كثير من الكلمات في لغتهم التي تدعى الكيروندية ..
وهل هم مسيحيون؟
منهم اقلية مسيحية، ولكنهم بسطاء جدا لا يعرفون ابسط التعاليم المسيحية. ولكن اغلبهم يتبعون اديانا محلية بها القليل من معرفة الله والكثير من الخزعبلات والاساطير والسحر والدجل.
وهل تجدان ما يشجعكما على العودة؟
انا محاسبة يا امير ، اي انني احساب الربح والخسارة. ولو لم اربح لما فكرت في تكرار هذه التجربة.
حنا جدا. يعجبني هذا التفكير العملي . فما هي الخسائر وما هي المكاسب؟
اخسر بعض المال والوقت .. ولكن ما اكسبه اكثر. لانني هناك المس عمل الله بوضوح واتعلم منهم اكثر مما اعلمهم؟
ما هذا الكلام العجيب. ماذا عندهم ليعلموك؟
انهم يقبلون الايمان ببساطة ويقين. ساحكي لك عن موقف يوضح ما قلته. في احد الايام كنت جالسة مع امهات الاطفال اللواتي يستاصلن اللوزتين للاطفال، وكنت قد علقت صورة كبيرة للسيد المسيح ممسكا بالكرة الارضية بين يديه. فطمانت الامهات وقلت لهن: ان الرب يسوع بنفسه يعتني بكل طفل سيجرى له جراحة. ورنمنا.. وبعد ذلك كان نادر يجري جراحة لاحد الاطفال ونزف بشدة.. تكهرب الجو.. واسرعت لعمل اتصالات للحصول على دم من فصيلته، وعرفت امه الخطر المحدق بطفلها ووجدتني متوترة في انتظار الحصول على دم لابنها، فما كان منها الا ان طمانتني واعادت على نفس الكلمات التي قلتها قبل قليل:
الرب يسوع بنفسه يهتم بكل طفلة يجري جراحة اليوم.
تخيل! تعلمت الايمان البسيط من تلك الام، التي لم تعرف الرب الا في ذلك اليوم!
فما رايك؟هل اربح ام اخسر؟
نادر: وانا ايضا كلما ادعى للخدمة لا استطيع ان اتهرب “فويل لي ان كنت لا اخدم”.. لا استطيع ان انسى ا قال لي احدهم “لماذا لم تاتي من قبل؟ فربما كان اخي امن بالرب وهو ما زال حيا. لماذا تاخرتم علينا؟ لماذا تبخلون علينا؟
امير: يا لها من كلمات تذيب الصخر! ولكن ماذا تعلمونهم؟ الفداء ام الاسرار؟ اما قانون الايمان ؟ ام طقس القداس؟ ام الكتاب المقدس؟ ان الموضوع صعب.
نادر: لا يا عزيزي.. كل ما نقوله هو ان الرب يحبهم واننا كذلك نحبهم. واننا كلنا اخوة واننا جسد واحد وراسنا هو الرب يسوع الذي احبنا ومات عن خطايانا.
ماهر: وهل هذه الكلمات القليلة تؤثر فيهم؟
هذه الكلمات كثيرا ما يكون لها مفعول اكبر مما نتخيل!

عن كتاب: نور وملح – قصة بقلم د. هاني صبحي – نقل بتصرف

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s