


حالما افاق وحيد في صباح اليوم التالي، تذكر انه قد وعد والده ان يقرا في الكتاب المقدس في كل يوم. فانتفض من سريره واغتسل ثم اعد فطوره وهمّ بالتهام طعامه. اﻻ انه قبل ان ياكل احنى راسه وصلى مرددا بعض الكلمات التي كان يسمع والده ينطق بها. ثم حدث نفسه “ان والدي سيفخر بي عندما يعرف انني كنت اصلي قبل ان اتناول طعامي”. ثم جاء بالكتاب المقدس وقرا قصة “قايين يقتل هابيل”. كانت تلك اول جريمة في التاريخ. وسال وحيد نفس “كيف تولدت هذه الكراهية والغيرة او الحسد في قلب قايين؟”. ان الكتاب يكتفي بالاجابة عن هذا السؤال في كلمات قليلة “لماذا قتله؟ ﻻن اعماله كانت شريرة واعمال اخيه بارة.”. وكأن الشر في القلب ﻻ يتطلب سببا لتولده. ﻻ يوجد سبب يجعل اخاه يستحق عليه القتل. ان قايينا لم يشهد احدا من قبل يقتل شخصا اخر. ولكن ها هو يعمد الى قتل اقرب الناس اليه. فما هو مصدر هذه المشاعر الرهيبة التي تفجرت في قلب قايين؟ هذه قصة تدعو للتامل ﻻنها نابعة من طبيعة الذات البشرية. هذه الذات التي ارهق الفلاسفة قديما وعلماء النفس حديثا في محاولة سبر غورها دون جدوى.
اثارت قصة “قايين وهابيل” في مخيلة وحيد تصورات ﻻ عهد له بها من قبل. اخذ اﻻن يفهم معنى توالد الشر وتكاثره بين الناس. ان الخطية كمرض معد. فيروس مميت، تماما مثل ذلك الفيروس الذي اجتاح العالم كله مؤخرا واصاب الملايين وقتل عشرات اﻻﻻف – فيروس كورونا او كوفيد-19. ذلك الفيروس الذي اخذ صفة “جائحة” والقتبا عديدة “القاتل الصغير”، “القاتل الصامت”.. الخطية كاحد تلك اﻻوبئة واﻻنسان في حاجة لمن ينقذه منها.
ظلت هذه الفكرة عالقة في ذهنه معظم النهار. وابتدا ينظر الى الحياة من منظار جديد. وان كانت غشاوة من الغموض ما زالت تحجب عنه الصورة. انه في حاجة لم يقوده في رب الحياة المعتم.
ثم تنبه على صوت طرقات قوية على الباب..
ازداد انقباضا، وتولته وحشة شعر معها بالفراغ المفزع، مع علمه اﻻكيد ان كل ما يجري حوله مشهد من المسرحية التي كانت خاتمتها معروفة منذ بدايتها. لقد تكهن بها منذ زمن.. وها هو يعيش اﻻن الفصل اﻻخير نها. ومن المؤسف حقا ان النهاية ليست نهاية مفاجئة. لقد ادرك ذلك منذ اللحظة التي احب فيها “هايا”.
في صمت تناول القلم وراح يكتب وكانه يهيم في وجود مفقود:
نظرة ضلت بها اﻻبصار طوعا
نظرة اﻻحلام ﻻ ترضي الخلودا
نظرة الوداع يا دمع المآسي
فوداعا .. وداعا لن اعودا.
كنت وحيا لحياتي
وشروقا لظلامي وورودا
ثم شوكا وشقاءا لفؤادي
وغروبا فغروبا ﻻ مزيدا
طوى وحيد الورقة التي دون بها قصيدته وكانه يودعها بين صفحات ملحمة على بساط الريح. اﻻ تحمل بين ثناياها بعض تلك اﻻجواء المتلهفة الضائعة والشعور بالعبث؟ حقا، انه عالم مكفن بالضباب الكثيف الذي لم يجد مفرا منه.