دارت اﻻيام دورات ودورات وكبر الفتى وصار شابا.. مشدود العود نحيل الجسم تائه النظرات كمن يبحث عن شئ هناك في اﻻفق البعيد.. ومع انه لم يبق حمل اﻻمس الوديع، اﻻ ان عيناه ما زالتا تحتفظان ببريق الطفولة الحلوة، ان معاشرة اﻻردياء ومخالطة الحمقى لم تمكنه من ان يحفظ حواسه نقية كما خلقها الله، فلم يبق من ماضيه البرئ سوى قلبت مشتاقا.. عرف الخمر وارتاد المراقص وصارت له صحبة اﻻشرار .. وتنجس بكل اطايب العالم.
بل لم يعد تابعا ﻻبيه فقد صار مستقلا في شره، وذلك بعدما طرده ابوه ﻻنه لم يستطع ان يتقن صنعة وﻻ يكتسب ماﻻ، فذهب الى احدى الحانات التي كان يتلاقي فيها مع اصحابه، وعمل في خدمة فرقتها الموسيقية التي تعزف اﻻلحان للسكارى.
ومع اﻻيام اخذ يحاول ان يلعب على اﻻﻻت في الخفاء.. وفي احدى الليالي وبينما كان يحاول ان يخرج لحنا من مزمار، واذ به يسمع وقع اقدام.. وصوت خلفه يقول:
اذن فانت تجيد اللعب على المزمار يا سلوانس!
اضطرب الشاب في مجلسه، وصعد الدم الى راسه، انها راقصة الفرقة التي تملك الحانة ومن فيها.. وانكمش عندما تذكر انه يمسك مزمارا المفروض ان يكون في مكان غير يده..
“سلوانس! لماذا صمت؟ اكمل. اكمل انك رائع بحق اﻻلهة”.
وما ان القت المراة بعبارتها حتى افترشت اﻻرض الى جواره.. فازداد انكماشه ووضح اضطرابه.
فقالت المراة وهي تحاول ان تتبينه اكثر في وسط العتة:
“ما لك؟ لماذا ﻻ تتكلم؟ اﻻ يكفيك هذا اﻻطراء؟
واستطردت بقهقهة وهي تميل براسها الى الخلف. ولكنها توقفت عن الضحك وقالت:
الهذا انت خائف؟ لم الخوف؟ ان كل اﻻت فرقتي تحت تصرفك!
وبدا يزمر وبث في مزماره احزانه ووحدته وامال شباب واشتياقاته. وعندما صمت وعاد السكون قالت:
من علمك هذا؟
وتاهت نظرات الشاب ثم قال:
لم يعلمني اياها بشر، انما علمتني اياها الحياة.
ثم استطرد:
تعلمتها من خرير المياه ورعد السماء وزقزقة العصافير . تعلمتها من بكاء الطفل ومن اهة الرجل الوحيد ومن عويل المراة الثكلى..
وهل تعرف الغناء يا سلوانس؟
احيانا..
وقالت وهي تبتسم وتخترقه بنظراتها:
الى ان نلتقي ثانية..
وافترق اﻻثنان.