ابونا القسيس #٦

-6-
فقال القس للكونت:
اعلم ان لله حكمة فيما يعمله بنا ويقدره علينا..وان كنت قد فقدت قصرك وثروتك بسبب الحربفان الله حفظ لك ابنك ونجاه من ويلاتها.. اما الكونت دي شامبورد ةوعودة ملك فرنسا الى عرشه الشرعي فمثل هذه المسائل يجب ان ننساها ولا نتحدث عنها، نعم يجب ان ننسى الماضي ولا نذكر غير الحاضر، ولو كنت مكانك لظللت اشكر الله واحمده في كل يوم كما تعمل الكونتيسة ..
وابتسم الاب ابتسامة تدل على اخلاصه واردف:
لندع الخلق للخالق. وليس لنا ان نعترض على اعمال الله لان هذا الاعتراض خطية كبيرة بل ان مثل هذا الاعتراض قد يعرقل اعمالنا ويعثر خطواتنا لان الله لا يحب الا المتكلين عليه المسلمين لاحكامه.
ولم يستطع الكونت الا ان يبتسم بعد سماعه كلمات التعزية والمواساة هذه. وانصرف الاب يتبعه كلبه.
وقال الكونت هكتور دي سابلوز لابنه: حقا ان ابانا اتى بالعزاء للقلوب الثائرة الحزينة، ولكن الحرب غيرته فجعلته يتحدث بلعامية وبلهجة لم تهذبها المدنية ولم يعد يحسب حسابا للتقاليد الرسمية ولا يكترث لمن يخاطبه سواء اكان من النبلاء ام العامة.
فقال الفتى بيير
نعم، انها عادة اكتسبها من الحرب ومعاشرته للجنود.
فاجابت الكونتيسة:
نعم، يبدو هذه هىالموضة الحديثة لان الناس في الوقت الحاضر لا يستطيعون ان يسمعوا الكلمات المنمقة التي كان يتحدث بها النبلاء بل انهم لا يفهمونها.
واحتج بيير:
لماذا؟ ربما كان الناس اشد تمسكا بالتقاليد وهم يتحدثون بلغة الارجو العامية..
وذهب بيير الى الاسطبل فاسرج جواده وامتطى صهوته وطار بها يسابق الريح حتى اقترب من حديقة قصر سابلوز. وكانت السماء قد احمر لونها الى المغيب وارتفعت اغصان الاشجار العتيقة وكانها تريد ان تعانق السحاب. كما ارتفعت قبة جرس كنيسة سابلوز فكانت اشعة الشمس الافلة تنعكس عليها وتنطبع صورتها على مداخن المصانع التي كانت تنفث ابخرتها. ووقف بيير يشاهد ذلك القصر الذي باعه ابوه ولكنه لم يحزن ولم يتحسر.
**
وفي اليوم التالي ذهب المسيو كوسينيه لمقابلة الكونت دي سابلوز في بيته في سولناي فقابله الشيخ بفتور ولم يابه المليونير لهذا الاستقبال الفاتر لانه كان مقتنعا ان الكونت لن يلبث طويلا حتى يقبل اقتراحه. وبدا الكونت يشرح سبب زيارته. فلم يقاطعه الشيخ بل ظل صامتا وقد ارهف اذنيه للسمع حتى اذا اتم المسيو كوسينيه حديثه قال الكونت بلهجة تنم على الازدراء:
ومن قال لك اني من حزب المحافظين واني اريد الاحتفاظ بشئ؟
اني اعني..
وقاطعه الكونت قائلا:
كلا. انك تريد الاحتفاظ بما ال اليك من ثروة ولذلك رضيت ان تكون من المحافظين ، اما انا فقد اضعت كل شئ ولم يعد لي ما يمكنني الاحتفاظ به، اني يا سيدي رجل من الماضي. ولن احتفظ الا بذكرياتي.
اننا سندافع عن الماضي.
وما الفائدة من الدفاع عن الماضي وقد مات؟
ولكن يوجد حزب يعارض الثروة هو حزب المحافظين وانا اريدك ان تحمل لواءه.
ان الحزب الذي سرت تحت لوائه وحاربت لاجله قد طوى.
وعاد المسيو الى بيته حزينا وحينما قابل زوجته قال لها:
لقد وقعنا على شيخ شديد المراس. لقد حدثني عن الكونت شامبورد وملك فرنسا والعلم والطوفان ونهاية العالم..
وهل حدثته عن المال؟
كلا. وهذه هي المرة الاولى التي لم استطع امام رجل فقير معدم ان اتحدث عن المال والغنى لاني ادركت انه ليس ممن يباعون او يشترون.
لكن لم نخسر قضيتنا. يمكننا التاثير على ابنه.
ابنه؟
وعلت ابتسامة على شفتي مدام كوسينيه. وقالت:
قد فكرت انا ايضا به.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s