ابونا القسيس -٨

الدين والملكية والاسرة
عاد كوسينيه من السفر، فقابلته زوجته بالعناق. فقال:
لقد قضيت يومين وانا فريسة وهم كبير.
ليس فيما تقوله شئ يدهشني.
ولماذا؟
لان الوهم والخوف من عادتك لكنك لا تلبث ان تتغلب عليهما. اذن ستكلفك الانتخابات مالا كثيرا.
سانفق 300 الف فرنك على الاقل. لكني اعرف كيف استعيدها اضعافا.
نعم. انا مطمئنة ايها الذئب الماكر.
**
وصل مظروف به بضع اوراق نقد كبيرة وقد كتب عليه:
“هذا من اجل اعمالك يا حضرة الصديق العزيز. وستتلوها اوراق اخرى”..
واسرع الاب بلجرين الى مكتب البريد فغير الاوراق المالية ذات القيمة الكبيرة باوراق صغيرة وعملات معدنية . وطفق يطوف على المعوزين الذين انشب الجوع فيهم مخالبه ، وعلى المرضى الذين اقعدهم الشيخوخة ، يوزع عليهم تلك النقود التيجاءته.
وذهب الى بيت اسرة بلانكا فاعطى الام ما يقوم باود صغارها. وزار الام لوسيتا التي كانت لا تزال طريحة الفراش وطفق يواسيها ونفحها بالقليل مما ارسله الله.
وحينما كان جالسا على حافة السرير جاء الطبيب بروفليكس الذي لم يكن قد راه من زمن طويل. فتبادل الرجلان التحية وبعد ان قضيا وقتا بقرب المريضة انصرفا معا. فقال الطبيب:
اية زيارتين ترى ايها الاب انفع. زيارتي ام زيارتك؟
اجابه الاب مازحا:
من غير شك زيارتك.
اراك وقد اقررت بذلك.
لكن زيارتك انفع، حين تترك بعض النقود على المائدة.
صه. ايها الملحد. انك لا تستطيع بفضل عقاقيرك الا ان تنقذ الجسم، اما انا فاعمل لخلاص الروح.
تدور اشاعة انك ستساعد كوسينيه حتى يصير عضوا في البرلمان.
واشتد ارتباك القسيس وقال:
ان كوسينيه من خيار الناس الذين يعملون البر وبفضلهما استطيع ان اخفف الام البائسين. اما الباقي فليس له حساب ولا يذكر.
بل انه يذكر وله حساب لانه يتعلق بالدفاع عن القضية المقدسة، قضية الناس الذين اصبحوا يخافون الجمهورية، بل قضية انصار النظام القديم. والاغرب من هذا ان صاحبك كوسينيه قد اصبح من اعضاء الحزب مع انه طرد الكونت دي سابلوز بفضل ملايينه التي تربحها حديثا في ظل الجمهورية!
انصرف الطبيب ولم يترك له وقتا للرجد. وطفق الاب يحدث نفسه:
اني لم اتعهد بشئ بعد، فلادع الامور تجري مجراها. ولاتركها تجري في كما قدر لها. اما اليوم فاني استطيع ان اوزع على الفقراء ما يجود به كوسينيه.
**
في قصر كوسينيه تجمع نخبة من رجال السياسة للاعداد للانتخابات القادمة. كان جلهم من اعضاء جماعة “الفرنسيين الحقيقيين” كما حضر الاب بلجرين. وبدا المسيو كوسينيه يعتذر عن تخلف بيير دي سابلوز عن الحضور. وجعل القوم يتدثون عن الاطعمة الفاخرة المقدمة على المائدة. ث شرعوا يتحدثون في السياسة. واخيرا قال ماشيكول عضو مجلس الشيوخ:
ان لنا برنامجا وضع بحذقومهارة وهو يضمن لنا الفوز بعدد من مقاعد مجلس لنواب.
اعترض الاب بلجرين:
لن تضمنوا الفوز ما لم تكسبوا العمال الى صفكم. وعمال سابلوز شديدو المراس.
وقاطعه ماشيكول:
طبعا. ولكن لا تحدثهم عن الضمان الاجتماعي والارباح التي يجنونها بل حدثهم عن..
عن ماذا؟
عدهم وعودا.. عن زيادة الاجور و ..
قال تريكو:
لكن هذه ليست في برنامجنا.
نعم اعرف لكن يجب ان تعدهم بما يرجونه اذا اردنا كسب اصواتهم.
قال الاب:
عفوا ومعذرة لا استطيع ان اعد وعودا خيالية واخدعهم واكذب عليهم. لكن، ماذا قلتم في برنامجكم عن الدين؟
الدين؟ مما لا شك فيه اننا لم نهمله لان عصبة الفرنسيين الحقيقيين عصبة كاثوليكية . ولكنها تسير بحذر غير متطرفة ولا خارجة عن الحدود.
ولكنني قسيس ولا استطيع ان اسير بحذر فيما يتعلق بالدين. ومن المحال ان اسكت. واذا وعظت العمال فلن احدثهم عن الفوائد التي يجنونها من المصانع لكني احدثهم عن الحياة الروحية.
واردف بيداريو:
اننا نتحدث عن السياسة يا حضرة القسيس لا عن الدين.
اني اعرف نكم تقدمون المصالح المادية عن الدين وتفضلون احاديث السياسة عن الحديث عن الله والامور الروحية.
وهل ترتاب بنا وبنوايانا؟ اننا نريد الخير للكنيسة. فاذا ساعدنا فنساعدها.
ولكنني لا اتحدث عن الكنيسة انما عن الدين.
وملكت الدهشة ماشيكول وزملائه:
لقد نسيتم ان حل جميع المسائل موجود في الانجيل.
فقال ماشيكول:
في الانجيل؟
وردد القول ورائه عدد من الحاضرين وهز تريكو كتفيه ساخرا وجعل كوسينيه وزوجته ينظر كلا منهما للاخر.
وقال بتاكيد
نعم الانجيل هو دستور حياتنا.
ولكن ما دخل الانجيل في السياسة؟
انكم مسيحيون وعصبتكم كاثوليكية. اذن فلندع الحديث عن المال ولتحدثون اخوتنا العمال بما كان يحدث به المسيح زملاءهم . ان كلام الله هو الذي يعزي البؤساء ويقضي على الشقاء ويزيل الدنايا من العالم.
وساد السكوت هنيهة. ولم يقنع بيداريو بل جعل يجرع الخمر ثم سال القسيس:
قل لي يا حضرة القسيس هل انت اشتراكي؟
بل انا مؤمن بالانجيل.
وعلت ابتسامة ثغر ماشيكول وقال
جواب طبيعي من حضرة القسيس . ولقد طالبت بالفعل في مجلس الشيوخ الغاء قانون (انفصال الكنيسة عن الحكومة). وايمان القسيس يتفق مع مبادئ الاشتراكية التي تنادي باحترام الملكية. والماداة بهذه المبادئ يضمن لنا الفوز بين العال. هيا ايها الاب العزيز واخطب في العمال وتحدث عن العدالة والاخاء.
وقال القسيس:
لكني اراكم مازحين ولا تريدون لدين الا جرا لمنفعة.
وزفر البارون كبلر زفرة شديدة وقال:
تبا.
وقال تريكو:
ان هذه الهجة تحبب العمال في حضرة القسيس. واسمح لي ان اقول لك انك بتعاونك معنا ستقوم بواجبك الديني خير قيام لان الكنيسة تكون في حصن منيع ، اذ يصير الدفاع عن المصالح الروحية والمادية في وقت واحد، اعنى متى تضامنت القوى الاشتراكية.
هذا يتعلق بمعنى القوى الاشتراكية. اذا كانت القوى الاشتراكية تعني الانانية والمطامع فان من الواجب مقاومتها كما فعل البابا ليون ال 13.
فقال بيداريو:
لا تحدثنا عن هذا البابا الثوري. فقد جعل الناس يخرجون من دين المسيح افواجا. وقد كنت انا واحد منهم.
لكم من حسن الحظ ان القساوسة اصبحوا يقومون باعمالهم كرجال شرطة.
كرجال شرطة؟
ان قوة القسيس تفوق فرقة من رجال الشرطة.
لكني رجل ذهبت الى ميدان الحرب في شبابي وكنت جنديا شريفا.
بل انك شرطي تحرس الاداب وتسهر على الاخلاق.
وخافت مدام كوسينيه ان تتطور المناقشة فتسوء العاقبة فاقترحت على المدعوين ان يقوموا لتناول القهوة.