
انتخبها الالمان لقيادتهم فقادت 80 مليون الماني لمدة 18 سنة بكفاءة ومهارة وتفاني واخلاص. لم يسجل ضدها خلال هذه الفترة اي تجاوزات. لم تكلف احد اقاربها امين سر، او تعينه في اي منصب ايا ما كان. لم تدعى انها صانعة الامجاد. لم تخرج لها المليونيات و لم يهتف بحياتها احد و لم تتلقى المواثيق و المبايعات. ولم تحارب من سبقوها. و لم تحلل دماء ابناء جلدتها و لم تتفوه بهراء ان المانيا خير البلاد. لم تضع خطوطا حمراء حول بلادها، بل فتحت حدودها للاجئين رغم الانتقاد. و لم تدور في ازقة برلين تصافح و تلتقط الصور . بالامس تركت ميركل منصب رئاسة الحزب وسلمته لمن بعدها، والمانيا وقومها الالمان في أفضل حال … ردة فعل الالمان كانت ان صفقوا لها بعفوية لمدة 6 دقائق متواصلة من التصفيق الحار، دون شعراء شعبيين، و لا لقاقة و حثالة و صفاقة و متلونين و متسلقين .. لم يكن هناك مديح ونفاق وتمثيل و تطبيل و لم يهتف احد (ميركل و بس ) و لم تتفوه بانه (لا خوف على المانيا مادامت ميركل قائدتها ) !!!
نعم الالمان استحقوا ميركل, و نحن نستحق .. يا ترى، ماذا نستحق؟!
جميعنا عاصر كيف فتحت حدود بلادها مع تركيا لاستقبال ملايين اللاجئين من سوريا، الذين فروا من المعارك الطاحنة هناك. رأيناها وهي تنزل لتطوف باللاجيين وتستقبلهم بنفسها في المخيمات التي اقامتها بلادها. كانت- وكما يدل اسمها- ملاكا يتفقد هؤلاء المساكين، لتمسح دموعهم وتخفف وطأة المعاناة كمشردين. ورغم انتقاد الجميع لها، بأن هذا يضر بمصلحة المانيا، والاتحاد الاوربي، لكنها اصرت على موقفها. ودعمت قيم الانسانية في اروع صورها. الانسانية التي تفضل مصلحة الاخر على الذات. والتي تعلي قيمة الاخوة بين البشر على قيمة القبيلة والانتماءات الضيقة. والتي تظهر الايمان بجود الخالق وصلاحه نحو مخلوقاته من البشر، رغم ما قد يدعيه العقل، او تمليه السياسة، او تبينه الحسابات الاقتصادية ان ذلك ضد مصلحة المانيا واوربا.
فالحكمة في النهاية تعرف ان توازن بين الايمان و العقل، كما تعرف متى تسمع لصوت احدهما وتتجاهل الاخر، وتعرف انهما مكملان لبعضهما وليس ضدين ينازعان بعضهما.
هذه السيدة الحكيمة عرفت ان الوقوف موقف المتفرج ازاء الصراع القائم – وما اكثرها، غير مستطاع. فهي لها دور يجب ان تمثله، وقرار يجب ان تتخذه. وقد سارت ميركل على غرار ، عظماء العالم الذين سبقوها، والذين غيروا وجه العالم والحضارة الانسانية بما اتخذوه من قرارات، عارضها البعض حينها، ولكن اثبتت الايام ان ما فعلوه، كان بوحي داخلي من ضمائرهم ، والهام من السماء.
ان من لا يتخلى عن الانا ليتفانى في عمل الخير ينضم الى صفوف الانانيين واصدقاء الشر. فكل انسان مسؤول عن نتيجة المعركة ، التي تدور رحاها في عالمنا بين الخير والشر. فاما يساهم في عقد لواء النصر، واما في رفع راية الشر. وفي هذه المعركة ليس القادة كانجيلا وغيرها ، هم الذين يقومون بأهم الاعمال ، فقد يعود الدور الفصل، في اكثر الاحيان، الى جنود بسطاء مجولين.