
عن كتاب سيرة المسيح،
من اصدار كنيسة قصر الدوبارة
الحياد في الدين مستحيل:
بعد ان شرح المسيح ان معجزاته هي من عند الله، اثبت اننا لا يمكن ان نقف موقف الحياد في الدين، فكل انسان يكون اما في صف المسيح او ضده. “من ليس معي فهو عليّ”(مت12: 30).
في العالم الروحي مملكتان فقط، والحرب بينهما لا تهدا ولا تنتهي. لا صلح ولا هدنة بين هذين الضدين. مملكة الله هي مملكة النور والحق والبر، ومملكة ابليس هي مملكة الظلمة والبطل والاثم. وموقف الحياد بينهما مستحيل على كل انسان.
لم يفعل المسيح معجزاته الا بقوة الروح القدس الذي لم يعط بكيل بل بفيض. لقد اهان شيوخ اليهود الروح القدس اذ نسبوا فعله الى بعلزبول، فادانهم المسيح علنا بسبب تضليلهم للشعب. وها هو يثبت عليهم انهم جدفوا فيما افتكروا به.
في حكم المسيح الصارم هذا على الرؤساء، اعلن اعظم تعزية لعالم الخطاة وهي ان الغفران الالهي يشمل جميع الخطايا، مهما كان جرمها، متى قدمت عنها توبة حقيقية مع ايمان. لم يبق لاعظم الخطاة عذر يعطلهم عن الخلاص من الخطايا ونتائجها، ولم يبق موجب للياس لاي خاطئ تفاقمت شروره واحب ان يقدم توبة ويطلب الغفران.
.. علّم المسيح انه حتى الكلمة الواحدة البطالة يحاسب عنها الانسان يوم الدين. لماذا؟ لانها تكفي للدلالة على حالة القلب الشريرة، التي هي الاساس الحقيقي للدينونة.
توبة احد اللصين:
لقد راى اللص تصرفات المسيح: سكوته وصبره وصلاته لاجل صاليبه، واحتماله تعييرات معيّريه وتعييرات رفيقه المصلوب معه، فامن وبدا يدافع عن المسيح بجراة عظيمة.
ما اغرب هذا الصوت في اذان السامعين، ولا سيما اذان المستهزئين. لص يقول للص “او انت لا تخاف الله؟”. ويعترف بانه يستحق الصلب لاجل اثامه. ويسمي المصلوب بجانبه ربا وان له ملكوتا عتيدا. فصارت دموع اسفه على ماضيه كالعدسات في التلسكوب ، تمكنه من رؤية ما كان بعيدا عن ابصار الاخرين. لقد راى بالايمان ملكوتا روحيا ملكه هذا المصلوب.
كم من الالاف استفادوا وتشجعوا وخلصوا بسبب قدوة هذا اللص ومثاله. وكم من خاطئ قدم توبة وخلص ، لانه سمع بقبول توبة هذا اللص. اصبح هذا اللص كارزا بمثال توبته العجيب.
في الكتاب المقدس حادث واحد يشجّع الذي لم يتب في حياته السابقة على ان يقدم التوبة عند مماته. لكنه حادث وحيد لئلا يطمع كل خاطئ بسببه ويؤجل توبته الى ساعة مماته.
وعد المسيح اللص بسعادة بعد موته حالا. سعادة، يكون هو رفيقه فيها وفي هذا تمت نبوة اشعياء “وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين واثامهم هو يحملها”.
مثل اللصان الجنس البشري باسره. اللص الهالك الهالكين. والص الذي خلص المخلصين. فبينما الكهنة في تلك الساعة يقدمون في الهيكل الحزمة التي هي باكورة حصاد الشعير قدم رئيس كهنتنا للاب السماوي باكورة حصاد الذين دعاهم بموته الى الخلاص.
.. صلاته اختلفت تماما عن كل صلاة اخرى ذكرت له. لم يصل كعادته “ايها الاب” او “يا ابتاه”. بل “الهي الهي” – اي انه يشعر بفاصل وقتي بينه وبين الاب، يمنع عنه حق مخاطبة ابيه. وذلك افضل برهان لتغيير العلاقة في تلك الساعة بينه وبين الاب – فقد كان في موقف النائب عن الجنس البشري . وفي هذا حقق النبوة (مز22: 1).
..
في يديك استودع روحي:
كانت الكلمة الرابعة تعبر عن انفصال وقتي بينه وبين الاب.. فبصراخ اخر عظيم مثله، يعلن للجميع زوال ذلك الانفصال تماما، ورضا ابيه بموته على الصليب، لانه يقول مصليا “في يديك استودع روحي”. فاتم بهذه الكلمة نبوة جاءت في (مز31: 5). واظهر رجوع علاقته مع الاب لانه يقول “يا ابتاه”. وبهذه العبارة المؤثرة والتي رددها بعده عدد غفير من تلاميذه في ساعات الاحتضار، ختم المسيح حياته.
لقد علق المسيح على الصليب ساعة تقديم الذبيحة الصباحية واسلم الروح في ساعة تقديم الذبيحة المسائية. ولم يكن الصلب يميت المصلوبين عادة في نفس اليوم.
..
راى النسوة الحجر الذي دحرج على القبر، لكنهن كن يجهلن ما عمله الرؤساء من ختم القبر واقامة الحراس عليه. بما ان صعوبة رفع الحجر التي يعرفنها لم تثنهن عن الواجب الحبي، ازال الله من امامهن ليس تلك فقط، بل ايضا ما خفي عنهن، من قبل العناية الالهية، رحمة بهن، لئلا يمنعهن عن تادية خدمتهن الشريفة. او ليس هناك الكثير مما تخفيه عنا العناية الالهية _ان لم نقل كله – رافة بنا؟
..
عندما قام المسيح لم ترافقه الاكفان، فاكفان المسيح احدى صفحات قصة حياته، نام فيها حينا، لكنه تركها. وكل الذين يفتشون عنه في التاريخ – وكانه احد المشاهير القدماء – لا يجدونه. ذلك، لانه حاضر بيننا حيا غير منظور. والتاريخ لا يعلنه كما هو، بل تراه عينا الايمان. لان الماضي منه لا يفي بالمطلوب. نرى ذلك في تلاميذ المسيح، لان اختبارهم في المسيح قبل موته لم يف بالمطلوب . لانه صوّره لهم في قبره، فاحتاجوا لاختبار جديد يريهم اياه في جسد مجده.
.. اما المجدلية، فقد اراد يسوع ان يفهمها ويفهمنا ان الواجب هو التمسك به بالروح لا بالجسد. فعلينا ان نعي ذلك “لان الله روح”. فلا نطلب حضورا ملموسا له بالعيان. وانه عما قليل سيصعد الى ابيه (في طبيعته الالهية) والهه (في طبيعته الانسانية).
شرّف المسيح تلاميذه بلقب جديد دلّ على لطفه وتواضعه. دعاهم قبلا تلاميذه واصدقاءه واحباءه، اما الان فيدعوهم “اخوتي”. فما اعظمه من حب!
موضوعات ذات صلة:
رواية يسوع المحرر