شخصيات عظيمة: البابا شنودة الثالث

عن كتاب: نظير بلا نظير-
ابطال القرن ال20
تأليف: القس بيشوي صدقي
النشأة- جذور عميقة:
كان اطفال القرية يلعبون تحت اشجار النخيل، وقد تثقلت ببلحها الذي ما زال يكسوه اللون الاخضر، حين شق الهدوء صوت زغرودة.جروا باقدامهم الرفيعة الحافية على تراب الحواري، يتسابقون الى بيت العمدة ، حيث انطلقت الزغرودة .وهناك تبددت البسمة حين تبدلت الزغرودة بعد حين الى نحيب وعويل.
حدث ذلك في قرية سلام –مركز ابنوب- محافظة اسيوط. في يوم من ايام حر الصعيد. هو 3 اغسطس 923. تساءل الاهل المجتمعون في البيت، والذين تعرف اسم قريتهم من ملامح وجوههم الطيبة السمراء. ترى ما مصير الطفل “نظير” الذي ظهرت على امه – بعد ساعات من ولادته – اعراض مرض قاتل ، هو حمى النفاس؟
هل تصوروا ملامحا لمستقبله. حين ماتت امه بعد ايام؟ ام اكتفوا ان يرددوا في قلوبهم “اترى ماذا يكون هذا الصبي؟” دون ان يدركوا تماما كيف “كانت يد الرب معه”؟
لن يعوض حضن الام، لهذا الرضيع ، الفدادين الخمسمئة التي يملكها جده العمدة ، عم روفائيل ولا ال25 فدانا التي يملكها والده عم “جيد”. الامل معقود في اخويه الاكبرين رفائيل وشوقي، واخواته الخمس اللاتي اشتركن في ارضاعه، مع بعض نسوة القرية ايضا.
متى الوصول؟
لم يبق في الخزانة الذهبية لذاكرته، سوى صور قليلة عن هذه المرحلة المبكرة. اول صورة في هذه الذاكرة الفذة، هي صورةطريق طويل، كان يقطعه في الذهاب لمدرسة الحضانة،وهو يتساءل متى ينتهي الطريق؟
هل الذي ساعد على حفر هذه الصورة في الذاكرة ما صاحبها ن احساس الارهاق، لصاحب هذا الجسم المرهف، الذي ينتظره طريق طويل؟ ام كان الطموح والتعجل لهذه النفس المتوثبة، للوصول لهدفها منذ خطواتها الاولى؟
الصورة الثانية كانت الطريق الصاعد لمغارة العذراء بجبل درنكة باسيوط، وهو ذاهب وسط جموع بالالاف لزيارة المكان.
لعله ادركجيدا بعدها ، ان رفيق الطريق هو الذي يرتب خطوات اولاده بعناية.ويحملهم على منكبيه،حين يتعبون في صعودهم مسيرة العمر.
الطير المهاجر:
اية احاسيس راودت الطفل ذا السنوات الخمس، وهو يتطلع الى حقول الوادي الاخضر، من شباك القطار ، اثناء تلك الرحلة التي لن ينساها؟ لقدزاد طولها عن 500كم ، وهو ينتقل من البيوت الطينية الوديعة في قريته، الى عمارات مدينة دمنهور، ليقيم هناك مع اخيه الاكبر رفائيل.
لم تكن عبارة “ابي وامي تركاني والرب يضمني” شعارا لداود فقط،وانما ايضا لصف طويل عبر الزمن لفتيان وفتيات ادفاتهم يد الرب كما تدفئ عصفورا افقدته الاقدار عشه.
من غصن لغصن:
كان بطلنا في طفولته واحدا من الطيور التي تغربت من غصن لغصن. فهناك في دمنهور اجتاز – لاجتهاده المبكر – مرحلته التعليمية الاولى في سنة واحدة .
ما استمر العصفور على غصنه طويلا، اذ حملته يد الله الى غصن اخر، فانتقل للاسكندرية لمدة عامين، ثم ما لبث ان رجع الى اسيوط.
اية رعشات اصابت العصفور، بسبب احداث الرحيل المتلاحقة؟ واية مشاعر بالغربة، قد ملات نفسه الغضة؟لقد عبر عنها حين عرف ان يرسم بزفراته صورته على الورق فقال:
احقا كان لي ام فماتت،
ام اني قد خلقت بغير ام.
رماني الله في الدنيا غريبا،
احلق في فضاء مدلهم
اسال يا زماني اين احظى،
باخت او بخال او بعم
واسال عن صديق لا اجده
كأني لست في اهلي وقومي

القربانة الاولى:
هل يرمينا الله بعشوائية واهمال، ام يضعنا بعناية كغارس ماهر، يعرف كيف يلقي بذاره في حقل مناسب؟
لقد استودعت اليد الحانية بذرتها في تربة خصبة.كانت اسيوط وقتها حارة في عبادتها. فحين انتقل اليها نظير – وهو في الرابعة الابتدائية – كان فيها الاسقف الروحاني الانبا مكاريوس (البابا مكاريوس الثالث فيما بعد). لقد استهوت قداساته العذبة نفس الصبي. كما اروت غليله العظات الملتهبة لواعظ مشهور هو اسكندر حنا، الذي كان يذهب كثيرا لاسيوط. هناك وجد نظير الحضن الذي عليه يستريح، فانشغل بحياته الروحية لدرجة انه نسى ان يقدم على الشهادة الابتدائية.
لقد اكتشف في ظلمة دنياه المدلهمة ، صديق العمر الذي اضاء طريقه ، فتغنى يوما مترنما:
قد تركت الكل ربي ما عداك
ليس لي في غربة العمر سواك
قد نسيت الاهل والاصحاب بل،
قد نسيت النفس ايضا في هواك
ما كان يدري وقتها ، ان مدرسته التي نساها ضمن ما نسى ،وان هذا العام الدراسي الذي ضاع في اسيوط، كان مجرد (القربانة) الاولى التي تضعها يداه الصغيرتان على مذبح الله، وكان القربان الاول الذي يقدمه لله بذلا وحبا.
ان حب الله وخدمته، هو الخيط الذي زاد تميزه مع الايام، عن بقية الخيوط العديدة التي نسجت شخصية بطلنا. حتى انه عندما اصطحبه اخوه الاكبر رفائيل الى بنها ليحصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة الامريكان حصل منها على ما بقيت قيمته لديه كبيرة، وهو انجيل مذهب كجائزة على حفظه المزمور 19.
ساق نابتة (مرحلة الصبا):
العزف بالحروف:
ما زال حتى الان يحفظ ليس فقط اسم الكتاب، بل رقمه ايضا. ذلك الكتاب الذي انكب على قراءته في الاجازة الصيفية للسنة الثالثة الثانوية. اذ كان يذهب الى (دار الكتب) يوميا. في فترة صباحية واخرى مسائية لهذا السبب. انه كتاب (اهدى سبيل الى علمي الخليل)، وهو كتاب في تعليم الشعر وبحوره واوزانه. وكأن الاحاسيس الجياشة في صدره النحيل وجدت ضالتها المنشودة فيما يساعدها على التعبير.
لم يكتف بحفظ اكثر من عشرة الاف بيت من الشعر العربي، بل كانت انامله الرقيقة قد بدأت من قبل تعزف الحانها على الورق بالحروف والكلمات، حين كان ينظم الشعر بالفطرة، بدون معرفة بالاوزان والبحور. لذلك كان يخجل ان يسميها شعرا حتى درس من هذا الكتاب قواعده، فبدأ يجاهر في تسمية ما يكتبه انه شعر، وكان ذلك وهو في السادسة عشرة.


يحبو على الصدور:
ان احتمال الكرامة اصعب من احتمال الاهانة. فكثير من الفتيان يصيبهم الغرور، وينسون فضل الكبار، بمجرد ان يصيبهم بعض من الكرامة.والبعض الاخر يصيبه الاحباط، حين يلحقه النقد. اما الفتى نظير فقد احتمل الاثنين، بل تعلم من كليهما.
كيف انسى؟
بالرغم من صلابة عود الفتى نظير في ذلك الوقت وفضائله المتعددة، ساقه اتضاعه وهو في الاربعين، ان ينظر الى فترة شبابه المبكر، بعدم الرضا، فقال:
كيف انسى فترى الطيش واثام الصبا؟

حين كان القلب رخوًا كلما قام كبا

أسكرته خمرة الإثم فنادى طالبًا

كلما يشرب كأسًا يملأ الشيطان كأسًا

قرأ الكاهن حلًا فوق رأسى ، فاسترحت

قال لى هيا اصطلح بالرب هيا ،  فاصطلحت

قلت انسى الأمس لكن  صرخ العقل فصحت

حسن يا قلب أن انسى و لكن ، كيف أنسى؟

هل هي نوازع الضعف التي تنتاب كل فتيان عمره؟ ام هو الطموح الذي يجعل صاحبه غير راض عن حاله؟
لن يروى فضولنا ونحن نود ان نقترب الى خفايا قلب هذا الشاب، الا حين نسترق السمع الى نبضاته الحاسمة، حين تحدث على لسان شاب مثله هو يوسف الصديق، صارخا في وجه خطية الشهوة المتمثلة فيزوجة فوطيفار فقال:
هوذا الثوب خذيه.. ان قلبي ليس فيه

انا لا املك هذا     الثوب بل لا ادعيه

هو من مالك انت..        لك ان تسترجعيه .. انما قلبى لقد..         وكذا لن تملكيه

فانزعى الثوب اذا..          شئت وان شئت اتركيه

انه ملك لربى ..          وقد استودعنيه

عبثًا قربك منه..        هوذا قلبى اساليه

زوجك الغائب قد..       اعهدنى مالًا وعرضًا


مرح الشباب:
كانت سنوات دراسته الجامعية سنوات مرحة، يضحك فيها زملاؤه بمجرد وقوفه امامهم ليتكلم، لانهم كانوا يتوقعون منه شيئا يثيرهم.كان يعبر كثيرا عن روح الفكاهة بالشعر والزجل.
وهذه بعض ابيات قالها عن مادة الجغرافيا

يا ما نفسي شهر واحد بس مش عايزه يزيد
يعملوني فيه عميد او حتي نائب للعميد
كنت اعمل للسكاشن كلها ترتيب جديد
كنت اخلي الشخص يتخرج تقول زي الحديد
كنت امشي الشخص منكم عالعجين مايلخبطوش
كنت الغي قسم جغرافيه و مش ناقصين مضايقه
متنا من كتر المذاكرا و مش لاقيين ذاكراتنا حايقه
من غير الجغرافيه تبقي دراسة الكليه رايقه
مش ظريف الاقتراح ده يخليكم ما تسقطوش
بس انا يا خسارة عايش وسط ناس مايعبروش
لو كانوا يعرفوا مقداري كانوا مايسيبونيش
يعني لو ما كنتش اعرف المناخ ده استوائي ابقي جاهل
يعني لو ما كنتش اعرف الجبل ده التوائي ابقي جاهل
يعني لو ما كنتش اعرف بيليزوي وكيتيزوي وميليزوي ابقي جاهل
ده كلام فارغ صحيح ده مقرر مش مريح
دي مضايقه دي سماجه بس لما ابقي عميد
و الامل ده مش بعيد
ها ابقي الغي كل حاجة

..
وفي الفرقة الثانية تحدث بهذا الشعر :
وحين كان في السنة الثالثة كتب تكريما لتوديع طلبة السنة النهائية:

يا مَنْ ستتركنا           كَم بدي أهديكا

طبلة وكمنجة             وزمارة ومزيكا

حتى تُزَمِّرَ في لهوٍ وفي طربٍ..   وترقصُ الجو فوقيكَ وتحتيكا

فاليوم تخرج من لومانِنا فرحًا..   ونحن نُترَك للتأبيد عاديكا

إني عَجِبتَ لِقسمٍ لا نصيب له..  إحتت لا خيرَ لي فيه ولا ليكا

وقد بصرت لباب النحسِ مُنْفَتِحًا                   بضلفتيهِ وباب الحظ مسكوكا

كم بدّي مبخرةٌ حتى أُبَخِّرَكَ ..   من عين هيئة تدريس تُعاديكا

من عين نصحي وعوّاد ومن بدوي..  ومن خفاجة ومن قومٍ تحدوكا


حين يتصالح الانسان مع نفسه، يظهر على مظهره كلا من الجدية والمرح، ويجيد بتلقائية استعمال كلاهما.
وجدية الرجال:
الجدية تدفع صاحبها للخطوات التوثبة، لذا اختار ان يبد مرحلة العمل قبل ان ينتهي من دراسته كطالب. ففي اثناء السنة النهائية بكلية الاداب، وبالرغم من التحاقه اثناءها بالسنة الاولى في الكلية الاكليركية، عمل مدرسا للغة العربية في مدرسة انجليزية،ومدرسا للغة الانجليزية في مدرسة اخرى.
ان صورة مستر رفائيل، ما زالت راسخة في ذهن الذين تتلمذوا على يديه.كان ذلك هو اسم جده،وهو الاسم الذي كانوا يلقبونه به. بقاء صورته في مخيلتهم،كانت بسبب ثبات عاداته.كان يدخل الفصل دائما ببدلة انيقةرغم بساطتها، لا يفته ربطة العنق المرتدية بعناية، ثم يكسر اصبع الطباشير الى نصفين وينفخ في كلا منهما،ويستعمل احدهما في كتابة عنوان الدرس بخط جميل..
هذا هو المدرس الذي احب التعليم،وكان امينا على تلاميذ لا يزيدون عن العشرات، فاقامه اللهمعلما لمئات من الالوف.
عشق الوطن:
عشقه لمصر هوالذي دفعه لدراسة تاريخها. لقد قال عنها فيما بعد “مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا”.
حين كانت مظاهرات الجماهير تجوب الشوارع تطالب بالاستقلال،تلهبها خطب الزعماء،كان بطلنا واحدا من هؤلاء الوطنيين ولقد استهواه بالاكثر الزعيم مكرم عبيد.
دعى لاحد الاجتماعات السياسية، وهو وهو في السنة لاولى الجامعية،والقى قصيدة فنالت شهرة.ولكن لم يلبث ان شعر بان هذا لا يتفق مع مثالياته الدينية فودع هذا المجال بالابيات التالية:

كنت ثم انثنيت، وبي شوقٍ إلى وطني
قد خدَّروني بألفاظٍ مُنَمَّقَةٍ
وطلَّ سهرهم ينصبُّ في أذني
حتى انخدعت بما قالوا وما سردوا
يوم انخدعتَ بهم، كم كان أبرأني


ثمار وفيرة:
مؤحلة التكريس الكامل:
الخيط اللامع:
زادت الايام لمعة خيط مميز من خيوط نسيج شخصية بطلنا. التحق نظير بالكلية الاكليركية في سن السادسة عشرة،وكان لا يزال طالبا بالسنة النهائية بكلية الاداب. انها الخطوات السريعة التي تسابق عقارب الساعة.
اختير بعد ذلك للتدريس بالكلية اللاهوتية وايضا في مدرسة الرهبان بحلوان،كما صار مسؤلا عن مجلة مدارس الاحد.
كزارع ماهر مضى ينشر تعاليمه في العديد من الحقول،منها كنيسة الانبا انطونيوس بشبرا، بدا خدمته فيها سنة 1946.وخدم كذلك في كنيسة مارمينا بشبرا وجمعية النهضة الروحية بمسرة..
لقد كان يسكن في بيت مع اشقائه بشارع حسن حلمي بجوار كنيسة انبا انطونيوس بشبرا..
استقرار بعد تجوال:
كانت الساعة سابعة مساءا، والسكون يخيم على ارجاء المكان، حين بدات وابي الراهب تضرب باقدامنا في رمل الصحراء، نتمشى حينا ونقف حينا،متاملين في موضوعات اسمى من ان يكتبها قلم بشري.
ورس الاخر نظير راهبا في دير السريان باسم ابونا انطونيوس يومي 18/7/1954م ليعيش الحياة التي وصفها من 8 سنوات فقال:
تركت مفاتن الدنيا ..ولم احفل بناديها
ورحت اجر ترحالي .. بعيدا عن ملاهيها
اول بابا:
يتخرج من الجامعة
ياخذ 6 شهادات دكتوراة فخرية..

يزور امريكا وكندا واستراليا .. ويؤسس منائس في كل قارات العالم

يتحدث في مسجد النور سنة ١٩٩٧ الى اكثر من ٢٠ الف شخص بسوريا

يحصل على عضوية نقابة الصحفيين

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s