في وسط افريقيا .. ومنذ مدة ليست ببعيدة عاش احد اﻻطباء العظام.. كان هذا الطبيب يعتبر افريقيا وطنه الثاني.
العراك:
كانت فترة العصر دافئة في احد ايام الخريف في قرية صغيرة تسمى “جونزباخ” تقع في منطقة “اﻻلزاس”.
وكانت القرية تبدو هادئة كما لو كانت استغرقت في النوم.. وفجاة دقت اجراس الكنيسة اربع دقات اعقبها رنين جرس المدرسة معلنا انتهاء اليوم الدراسي.. فوضع التلاميذ الكتب المدرسية داخل اﻻدراج وتهياوا للانصراف عائدين الى منازلهم، محدثين جلبة عالية من وقع احذيتهم الخشبية على ارض الفصل.
وبعد خروج التلاميذ من مبنى المدرسة. حدث نقاش بين تلميذين .. قال التلميذ اﻻكثر طوﻻ:انت ﻻ تجسر على الدخول معي في مباراة يا البرت شفايتزر .. انا اقوى منك بكثير.. واستطيع بسهولة ان القي بك ارضا في اوقت اشاء.. !
فقال التلميذ اﻻصغر:
هذا ما تظنه في نفسك .. مجرد كلام ولكنك ﻻ تستطيع فعل ذلك يا جورج!
وقال جورج: ﻻ.. اني استطيع!
فقال البرت:
اذن.. دعنا نجرب!
واختار الصبيان المتنافسان ساحة المعركة المنتظرة، على ارض ناعمة مستوية في احد الحقول..
واستعد كلاهما للانقضاض على اﻻخر.. وفي لحظة خاطفة بدات المعركة.
هجم جورج اوﻻ واحاط بذراعيه حول وسط البرت، وبا يضغط ليردي ارضا.. ولكن البرت بدا يقاوم بشدة.. واستخدم المتصارعان كل قوتهما. وبدا يلهثان وتقطعت انفاسهما..
وفجاة تمكن البرت من ان يفك ذراعي جورج من حول وسطه. وبسرعة البرق امسك بساق جورج ورفعها عن اﻻرض، وكانت الحركة التالية سقوط جورج على ظهره، وجلوس البرت فوق بطنه معلنا انتصاره وهو يضحك في سعادة غامرة ويقول:
هاه… ما رايك اﻻن يا جورج؟ هل تجسر مرة اخرى على القول بانك تستطيع ان تغلبني؟
وبدا جورج في الكلمات التي يبرر بها هزيمته.. واخذ يقول باستسلام واضح:
لقد انتصرت على يا البرت شفايتزر ﻻنك ابن قسيس الكنيسة .. ولكنك معروف لدى الجميع بانك الجنتلمان الصغير .. وﻻنك ايضا ﻻ تشعر بالجوع مثلنا .. فلو كان يتاح لي ان اشرب حساء ولو مرتين في كل اسبوع ﻻصبحت قويا مثلك.
مست البرت كلمات جورج فصمت ولم ينطق بكلمة.. ولكنه نهض واخذ كتبه المدرسية التي كان قد ركنها على جانب وبدا يسير الى بيته.. ولكن جورج صاح وراءه:
البرت .. ارجو اﻻ تكون غاضبا مني!
كان البرت محبوبا بالفعل من جانب كل التلاميذ .. ولكن كلمات جورج كانت لها وقع كبير في نفسه.. وما ان وصل الة بيته حتى دخل فورا الى حجرته والقي بنفسه على فراشه وبدا يفكر..
وعندما حل موعد تناول العشاء تجمع كل افراد اﻻسرة حول مائدة الطعام : اﻻب واﻻم والابناء : ولان و ثلاث بنات .. وبدا الاب يتلو صلاة شكر لله : نشكرك يا رب على ما وهبتنا من طعام.. ان رحمتك وسعت كل شئ..
وقال احد اﻻبناء:
ماذا اعددت لنا من الطعام يا اماه؟
وقالت احدى البنات :
حساء .. اعتقد انه حساء.. هذا شئ عظيم!
وعندئذ قالت اﻻم:
خذ يا البرت.. هذا طبق مملوء بالحساء فانت اكبر الابناء..
لم يقل البرت شيئا .. بل جلس يتامل ساهدا وكانه ﻻ يسمع اصوات من حوله، بدا يسمع صوت زميله وهو يقول في حسرة:
“لو كنت اتناول الحساء ولو مرتين في كل اسبوع ﻻصبحت قويا مثلك.
وامسك بطرف المعلقة وغرف بها قليلا وادخلها في فمه ، ولكنه لم يستطع ان يبع الحساء في جوفه.. فوضع الملعقة على حافة الطبق وقال:
ﻻ اشعر بالجوع..
فقالت اﻻم:
ﻻ تشعر بالجوع؟! كيف.. هل انت مريض؟
فال بهدوء:
ﻻ.. لكني ﻻ اشعر بالجوع فعلا. اسمحوا لي بالعوة الى غرفتي؟
وعندما اصبح منفردا قال في نفسه:
لن اكون متميزا عن اﻻوﻻد اﻻخرين. اريد ان اكون مثلهم. واحدا منهم.
الحياة فى البيت:
كانت اسرة شفايتزر تعيش سعيدة طوال الوقت.. فالوالدان والبنات الثلاث يلعبون مع بعضهم اجمل اﻻلعاب.. وكان اوﻻد وبنات الجيران يسعدون ايضا باللعب حول البيت.
وكانت “مسز شفايتزر” اﻻم تقضي كل وقتها في خدمة ورعاية افراد اسرتها .
كان اﻻب “مستر شفايتزر ” يعمل قسا في كنيسة القرية وكان محل حب واحترام جميع سكان القرية. وكان وظيفته هذه تدر دخلا بسيطا متواضعا يكفي بالكاد للوفاء بحاجات اﻻسرة ويهيئ لها حياة بسيطة.
في المدرسة
كان هناك شئ في غاية اﻻهمية .. (يستكمل)