شظايا


كانت السماء تمطر واﻻمطار جعلت كل شئ يبدو مختلفا.. تعطل محرك سيارة البريد التي اقودها.. نزلت، حاولت اصلاح العطل وتمتمت.. ليس لدي وظيفة كبيرة ولكنها ايضا ليست سيئة. اعرف شوارع المدينة جيدا حتى انني يمكن ان اترك نفسي واسرح بينما اؤدي عملي. عندما استغرق في عملي افقد تركيزي في اي شئ اخر ، كما قد افقد احساسي باﻻشياء المحيطة بي. يمكن القول ان الزمن يتبخر وانا اتنقل من مكان ﻻخر. وكانني اختفي من محطة ﻻظهر في محطة اخرى.
قصتي تبدأ اليوم وانا انقل طرد الى مكان لم يسبق ان ذهبت اليه من قبل. انه تحد ممتع يولد داخلك احساس بالرضا عندما تصل الى مكان بدون استخدام خرائط جوجل.
عندما تعمل في المدينة لفترة طويلة تبدأ تتعامل مع شوارعها على مستوى شخصي. تشعر وكأن الشوارع تكشف لك عن مزاجها. احيانا اﻻضواء تسرى اليك انها تحبك، وأحياناً تعلن انها غاضبة. عندما تسعى للوصول لمكان ما فانك تأمل ان تكون الى جانبك. تحتاح الى الحدس قليلا والى قليل من التفكير والعقلانية ايضا. وتحتار هل تفكر كثيرا.. ام انك تسترخي وتدعها هي تساعدك.. !
كان الطرد ثقيلا. والسماء تمطر بغزارة. حسبت سريعا الزمن الذي استغرقه للوصول الى البناية والولوج الى الشقة فيما المطر يهطل. سوف لن ابتل كثيرا
عادة يكون الناس سعداء وهم يتسلمون الطرود والخطابات وعادة اردد كلمتين “وقع هنا، من فضلك” و “شكرا”.
ضغطت زر الجرس. مرت دقيقين. تفرض علينا قواعد المهنة ان نغادر المبنى بعد مرور هذا الوقت. وغير مسموح لنا القرع اذا استخدمنا الجرس.

الرجل العجوز:
لم افاجئ وانا ارى الباب يفت من تلقاء نفسه. فربما في المدن الجديدة غير اﻻهلة بالسكان بعد بالكثافة في المدن الكبيرة.
دخلت وقررت ان اترك الطرد على المنضدة. سوف اقوم بالتوقيع نيابة عنه. لقد فعلتها من قبل ولم تظهر ضدي شكوى. لو حدث سيكون ذلك سببا في رفتي من وظيفتي. رجوت اﻻ يحدث.
اهلا” قلت بصوت مهني،
ووﻻحظت لوحة اصلية ﻻحد مشاهير التصوير. يبدو الثراء في هذا المنزل.
جاء صوت الرجل من وراء ستار “كنت اتوقع مجيئك”.
جفلت واحسست بالذنب واستغرق اﻻمر دقيقة حتى اتبين مصدر الصوت. يبدو انه يصدر من الغرفة التي اقف فيها. شئ ما تحرك قد تبينت شخصا في الركن البعيد.
“كان منزلك غير موصد، سيدي!.
توقعت ردا. هذا ما يحدث ، عندما تنطق كلاما، يأتيكم الرد في المقابل. لكن العجوز لم ينتبه على ما يبدو.
وتقدم نحوي وامسك بكتفي. ربما لم يجد ردا . على العموم لقد قلت ما اريد قوله. وقفت صامتا لفترة خلتها دهرا. اعتقدت انني رأيت اساريره تنفرج عن ابتسامة وربما كانت رجفة او تقلص في شفته. تكلم في تؤدة فبدت كلماته كأنها صادر من رجل لم يتكلم بتاتا منذ ايام.
بادرني: ما العلاج؟

قلت: عذرا سيدي. ماذا تعني؟

قال: ما العلاج لمشاكل البشر؟

قلت: انه سؤال كبير! لا يقدم الكتاب المقدس بعهديه الا صورة حقيقية واقعية لما يفعله البشر في كل العصور. عبد اليهود العجل .. نعم. وهل باقي الشعوب لم تعبد اصناما؟ والا توجد اصنام حتى في اكثر الدول تقدما؟
صلبوا المسيا ملك اليهود و مخلص البشر. لكن الن يعودوا في اخر الايام ليندموا على ما صنعه اباؤهم ويؤمنون به؟
قال لي: هدف كلامي ليس نقد ما فعله الإنسان أو سيفعله من خطايا … لأن ذلك طبيعي جدا ولن تستطيع أي قوة تغييره إلا في أحلام البسطاء التي بررت خطايا الإنسان بل وغفرتها أيضا بمجرد أن يتبع الإنسان ديانه ما سواء قبل بالمخلص أو بأشرف الخلق ..
مع أن مسألة التخلص من الخطية أبسط من ذلك بكثير فإن من عمل خطى يستطيع تصحيحه بفعل لا بأدعية وبخور وشموع وطواف وتقبيل صليب أو حجر . مشكله المقال في هذه العقول التي قبلت اللا معقول فطورته لمعقول.
قلت: ‏يزعم البعض ان اصلاح احوال العالم تأتي بزيادة المعرفة، بتثقيف كل انسان، وان ازالة الارهاب واحلال السلام تأتي اذا اخلصت النوايا والارادة الحسنة ويزعم علماء الاحتماع ان ذلك لن يأتي الا باصلاح الاحوال المعيشية ويصادقهم علماء الاقتصاد في ان اعادة توزيع الثروات.. يضع لنا الكتاب الحل في شخص واحد هو المسبح ويقدم لنا رجاء واحد هو “السماء الجديدة والارض الجديدة”.
قال:  يا عزيزي كل متساوين في نفس الخطئ لأن كلا منهم يظن أن معه الحقيقة المطلقة والحل الأخير والملاز الآمن أو الخلاص السماوي … كلهم مؤمنين ولو إختلفت عقائدهم … كلهم يهربون من الواقع الذي تجاوز حلول علم الإجتماع و الإقتصاد ورجال الدين .
يا عزيزي الله العادل لا يؤجل الحل…
فهل لو رأيت أبنك أوشك على الوقوع من شرفة المنزل ستدعه يموت أو يصاب دون أن تمد له يد العون بحجة إختباره أم أن وقت الخلاص لم يحين.
قلت: كلهم يهربون من الواقع. هل تقصد يهربون منه الى الوهم والخيال ام الى الرجاء. وهل لا يكون لنا رجاء في حياة اخرى افضل مما نعيشها؟ اجبني بصراحة. الله لا يؤجل الحل ولكنه يمنحه في التوقيت المناسب، وهو ليس الآن.

قال: وهل العدالة تحتاج الى توقيت مناسب؟ انترك الناس يتصارعون ويتنازعون ويظلمون بعضهم بدعوى انه لم يحن زمن السلام بعد؟

قلت:  في مجال العدالة بدلا من ان نسعى الى قاض عادل يلجا كل واحد الى محام ليلقنه ما شاء من الاكاذيب وحينئذ ينزل المحاميان الى ساحة الخصام كانهما ديكان في حومة ميدان الاقتتال، اما القاضي فلا يكون اكثر من حكم فيصل، اما الجمهور الذي يحضر المحاكمة انما ياتون للتلذذ بمشاهدة هذه الخصومة.

قال: وماذا عن صراع الحضارات؟

قلت: ان الحضارات لا تتصارع او تتحاور بل ان الناس هم الذين يتصارعون ويتحاورون لاسباب تتعلق بالمصالح .. ان الحضارات ليست كتلا تعمل كل منها وكأنها آلية منتظمة في ذاتها، صماء في طبيعتها. بل يوجد التنوع والتناقض في داخل كل حضارة، . بلغة اخرى فان ما سمح بوجود التنوع في الغرب هو ان الغرب يوجد فيه رؤى متعددة.. مما يتيح وجود جماعات بحكم المصالح تتبنى الحوار واخرى تسعى الى الصدام.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s