يوميات نارنيا -١

حب اﻻستطلاع افقد ديغوري صواب التفكير. فقد كان شوقه يزداد كثيرا لمعرفة ما كان مكتوبا على ذلك العمود في تلك القاعة الفسيحة. وبسرغة كبيرة عرف كلا من ديغوري وصديقته بولي معنى الكلمات. كان مكتوبا -على اﻻقل هذا معناها ، مع ان الشعر كان افضل عند قراءته في ذلك العالم الخيالي:
يا غريبا محبا للمغامرة، حدد خيارك الآن!
اقرع الجرس وواجه الخطر.
او، ﻻزم التفكير حتى يصيبك الخبل!
قال ديغو: يا ترى، لو قرعته ماذا يكون؟
قالت بولي: “دعنا نمضي من هنا، فنحن ﻻ نريد اي خطر”.
قال ديغو: “اوه، اﻻ ترين ان اقتراحك ليس مناسبا؟ لن نقدر ان ننسى اﻻمر اﻻن. فسوف نظل نتساءل ماذا كان يمكن ان يحدث لو قرعنا الجرس. لن اعود الى الديار اﻻ وقد جننت من التفكير بهذا الامر. دعك من الخوف!”.
فقالت بولي: “ﻻ تكن سخيفا هكذا، وكان احدا يعنيه اﻻمر! ماذا يهم ان نعرف ما يمكن ان يحدث؟”
اعتقد ان اي شخص يصل الى هنا ﻻبد ان يظل يتساءل حتى يكاد يجن. اﻻ تري ان هذا هو السحر الكامن في اﻻمر؟”
فقالت بولي بحدة: “اما انا فلا اشعر بهذا! وﻻ اعتقد انك كذلك. انت انما تتظاهر!.
قال ديغو:”ذلك كل ما تعرفينه ﻻنك فتاة. فالبنات ﻻ يرغبن ابدا ان يعرفن اي شئ سوى الثرثرة والقال والقيل”.
“ظهرت مثل خالك المتغطرس تماما”.
“لماذا تخرجين دائما عن الموضوع”.
“كفى! ضجرت من هذا المكان وضجرت منك ايضا. انت ولد عنيد مغرور”.
“اياك. اياك!” قال هذا بصوت ابشع مما قصد ﻻنه راى بولى تنوي (المغادرة) قبض على معصمها بيد وقرع الجرس باليد اﻻخرى. فسقطا كلاهما وهما يحدقان الى بعضهما ويتنفسسان بصعوبة. وهمت بولي بالبكاء ﻻ خوفا وﻻنه اذى معصمها بل بسبب غضبها المتقد”.
وما ان قرع الجرس حتى اطلق رنينا عذبا ولكن بعد لحظات بدلا ان يتلاشى كان الصوت يتزايد وسرعان ما صار عاليا جديدا بحيث اذا اراد الولدان ان يتحدثا لم يكونا ليسمعا احدهما اﻻخر.
ظل الصوت يتعالى بنغم عذب متواصل وان كان في العذوبة شئ من الهول، حتى صار كل ما في المكان نابضا به. وكان يمكنهما ان يشعرا ان اﻻرض الحجرية تهتز تحت اقدامهما. وفي لحظات تداعت كل الجدران المتصدعة..
الكلمة لسوداء
وسمعا صوتا من طرف الححرة الذي لم يتهدم. بتمثال احد اﻻشخاص ينهض. كانت امراة ومن تاجها وبريق عينيها تعرف حاﻻ انها لكة عظيمة. تقدمت بخطوات سريعة وسالت:
من ايقظني؟
انا.
وضعت يدها على كتفها. امكن لديغو ان يحس انها كانت كالكماشة.
كيف تجرا ولد ليس به دماء ملكية ان يدخل الى قصري؟
جئنا بالسحر سحر خالي اندرو.
وقب ان يتمم الكلمة تصدعت الجدران المتبقية . بسرعة صاحت الملكة وهي تمسك بيدي ديغو وبولي:
هيا نخرج واﻻ دفنا تحت الركام.
وفكرت بولي: “هذه امراة مروعة. انها قوية كفاية لكسر ذراعي.
وامام ابواب ثقيلة وضخمة فاهت بكلمات غير مفهومة، فسقطت في الحال:
صفر ديغو مذهوﻻ: “ووه”.
وقالت هي تمسك يده باحكام من جديد:
“هل يملك الساحر خالك قوة مثل قوتي؟ هذا ما يحدث للاشياء وللاشخاص الذين يقفون في طريقي”.
وفي اﻻفق البعيد تراءت شمس حمراء كبيرة . كما تراءت نجمة وحيدة منيرة. كانت الشمس والنجمة هما الشيئان الوحيدان اللذان يظهران في الفضاء المظلم مشكلين زوجين كئيبين. وعلى اﻻرض انتشرت في مراى البصر مدينة كبيرة لكنها خالية من اي كائن حي.
وعادت تقول:
“انا جاديس الملكة اﻻخيرة ملكة العالم”.
وقد وقف الولدان يرتجفان من البرد:
“كانت الغلطة غلطة اختي. فهي دفعتني ﻻهلاك المدينة”.
ومضت تقول:
“كنت مستعدة للمصالحة في اي لحظة، ولعدم افنائها لو قبلت ان تتتازل عن العرش. اﻻ ان كبرياؤها لم تقبل. كبرياؤها دمرت العالم. حتى بعد ان نشبت الحرب بيننا وقد تعاهدنا اﻻ نستخدم السحر. ولكن لما نقضت العهد ماذا كنت اقدر ان افعل؟ ما اغباها! وكانها لم تكن تدري ان عندي سحرا اكث مما عندها. حتى انها كانت تعرف انني املك سر (الكلمة السوداء)!
فتمتمت بولي “متوحشة!”
ولم استعمل الكلمة حتى سقط اخر جندي من جيشي. وكانت اختي – اللعينة – على راس متمرديها في منتصف هذه القاعة وصاحت في مواجهتي:
النصر.
فابرقت في عيناها الرهيبتان.
فقلت : النصر! لكن ليس لك” ثم نطقت بالكلمة السوداء. وبعد لحظة واحدة استحال الوجود كله جمادا.
وصاح ديغو:
والناس!”
“اي ناس؟ نسيت انك ولد من عامة الناس. ﻻ تفقهون شيئا في امر الملوك. ان حمل العالم الثقيل ملقى على اكتافنا نحن. ويجب ان نكون احرارا من اي قانون . هل كان الناس موجودين اﻻ للعمل بارادتي؟ هؤﻻء كانوا شعبي”
“يا لحظهم السئ”. وتابع “انهم لم يؤذوك- اﻻطفال والنساء..”.
“يا صبي ان ما تراه انت خطا لا يكون خطا عند ملكة عظيمة مثلي”.
وتابعت: “لنذهب اﻻن. فالمكان هنا بارد عند نهاية التاريخ كله!”.
كان ديغو قد كره الملكة وكذلك بولي من البداية.
“الى اين؟”
: “هيا الى عالمكم”.
فنظر بولي وديغو الى بعضهما مشدوهين. بالتاكيد لم تكن تلك امراة ممن يحب اﻻنسان ان ياخذها معه الى دياره. حتى لو انهما ارادا، لم يكونا يعرفتن كيف يفعلان ذلك. ولكن بولي لم تقدر ان تصل الى خاتمها. وبالطبع لم يكن لديغو ان يذهب الى هناك بدونا.
وقال متلعثما:
اوه، عالمنا ، ما كنت اعرف انك تريدين الذهاب الى عالمنا”.
فسالت جاديس: “الى اي شئ ارسلتما الى هنا ان لم يكن ﻻخذي؟”
فرد: “انا متاكد انك لن تحبي عالمنا ابدا”.
“سيصير قريبا عالما يستحق المشاهدة عندما املك عليه”.
“اﻻمر ليس بهذه السهولة. لن يسمحوا لك كما تعرفين”.
ابتسمت ابتسامة ازدراء:
“ملوك عظماء كثيون اعتقدوا انهم يقدرون ان يصمدوا في وجهي. يا لك من صبي غبي! هل تعتقد انني انا – بجمالي وسحري – لن اخضع عالمكم قبل ان تمضي سنة واحدة؟ هيا، انطقا عبارتكما السحرية واعيداني الى هناك حاﻻ”.
“لكن هذا امر رهيب”
“ربما تخاف على خالك. ولكنه ساحر عظيم على اﻻرجح ، ما دام قد عرف كيف يريلكما الى هنا. اهو الملك على عالمكم ام على قسم منه فقط؟”.
اﻻ يرتبط السحر دائما بالدم الملوكي؟ ومن سمع يوما بواحد من عامة الناس يصير ملكا؟

فقال ديغو:
ليس هكذاا بالضبط.
وصرخت بولي: ليست هكذا بلضبط! كل ما قلتيه باطل من اوله ﻻخره”.
فصاحت الملكة: “خادمان وضيعان!” والتفتت نحو بولي وامسكت اياها بشعرها من اعلى راسها÷ وهو اكثر اﻻماكن ايلاما. ولكن ان فعلت ذلك، افلتت يدي الولدين كليهما.
وهنا صاح ديغو: “اﻻن، وصاحت بولي: بسرعة.
ثم مدا يديهما اليسريين الى جيبهما. ولم يضطرا حتى الى لبس خاتميهما. ففي اللحظة التي فيها لمساهما، اختفى من ذلك العالم الكئيب الموحش.
-*

مشاكل الخال اندرو

صرخت بولي: “افلتني”.
فقال ديغو: لست ممسكا بك.
ثم اخرجا راسيهما من البركة. ومرة اخرى وجدا انفسهما في ذلك العالم الهادئ. وحالما طلعا على العشب وجدا انهما ليسا وحدهما. اذ ان الملكة ، او الساحرة طلعت معهما متشبثة بشعر بولي ولهذا كانت بولي تصرخ: “افلتني.
بهذا قد عرف ديغو ان الخاتم السحري ما كان عليك ان تلبسه او تلمسه بنفسك. بل يكفي ان تلمس شخصا يلبسه. وبهذه الطريقة يعمل الخاتم عمل المغناطيس.
-*
تامل: يمكن اعتبار قوة الخاتم السحرية والمغناطيسية انها تعني ان تجذب اﻻخرين. فقوة البر ليست فقط في اﻻبرار بل انها تمتد الى المحيطين بهم والى العالم باسره وهذا واضح من تعليم الكتاب المقدس.
-*
ملحوظة:
يمكن ان ناخذ هذا المكان الهادئ على انه الفردوس فهو مكان جميل ورائع للابرار لكن اﻻشرار يجدونه مكانا خانقا ﻻ يطيقون البقاء فيه وهذا ما حدث مع الساحرة.
-*
قالت بولي : “بسرعة يا ديغو! هيا نغير الخاتم وتغطس في بركة الرجوع الى ديارنا”.
وصرخت الساحرة بصوت ضعيف متلعثم وراءهما:
“النجدة ! رحمة بي! خذاني معكما! ﻻ يمكنكما تركي في هذا المكان المروع. انه يقتلني!”.
فقالت بولي بغل وحقد: “هذا شأن من شؤن الدولة كما حدث عندما قتلت كل الناس في عالمك”.
كانا قد لبسا الخاتمين:
لكن ديغو صرخ: “واسفاه” لشعوره بالندم على ترك الملكة.
صاحت بولي:
“ﻻ تكن غبيا هكذا! من المؤكد انها تحاول خداعنا”.
احس ديغو بشئ يمسك باذنه. وفي ثوان وجد انفسهما في مكتب الخال اندرو. حدق الجميع في وجه المخلوقة العجيبة التي في الغرفة.
“كانت في مملكتها مخيفة اما في لندن فكانت نريعة. يصعب ان تكون بشرية” ذلك ما فكر به ديغو. بدت الملكة حية اكثر بعشر مرات من معظم الناس اضافة الى طولها وجمالها وجاذبيتها. وظل الخال اندرو ينحني ويفرك يديه وقد ظهر وكانه قزم صغير بجوار الساحرة. ومع ذلك، كما قالت بولي فيما بعد، كان بين وجهه ووجهها نوعا من الشبه، من جهة الملامح. كان ذلك المنظر الذي يلوح هلى وجوه جميع السحرة اﻻشرار “العلامة” التي قالت جاديس انها لم تجدها على وجه ديغو.
وفكر ديغو: “اف! اهو ساحر؟ ليس كثيرا. فهي اﻻن الساحرة الحقيقية”.
“لقد فهمت. انت ساحر من نوع ردئ. انت ساحر عابث متطفل يعمل بالكتب ليس في دمك سحر حقيقي. ولكني هنا ساسمح لك بان تكون خادمي”.
“ساكون سعيدا جدا”
اسكت. اسمع لمهمتك اﻻولى. احضر لي بساطا او تنينا جيد التدريب.. او ايا ما تسميه في عالمك. غدا اغزو العالم”.
وخاف ديغو ان تقول شيئا عن الغابة الهادئة. لكن تبين له ان عقل الساحرة ليس في وسعه ان يتذكر شيئا عن ذلك المكان حتى لو اطالت البقاء فيه. كما ﻻحظ انها في مملكتها لم تلتفت الى بولي اذ كان يهمها استغلال ديغو. وانها اﻻن ﻻ تلتفت اليهما ﻻنها يهمها استغلال الخل اندرو. ان الساحرات عمليات الى نحو رهيب. وهكذا ساد صمت رهيب لدقيقتان.
+--*
كان الخال اندرو قد غادر الغرفة وذهب الى غرفته وتانق في ملبسه ثم نزل الدرج وطلب من اخته التي تقطن معه قائلا:
“يا اختي اقرضيني بعض المال. ان لم تفعلي تضعين في حرج مع ضيفي”.
ومن ستضيف يا اندرو؟
“لقد وصل منذقليل ضيف مميز جدا”.
“هذا هراء”.
في تلك اللحظة انفتح الباب على وسعه فجاة. والتفتت الخالة التي اذهلها ان ترى امراة ضخمة فاخرة الثياب. واقفة بالباب ولم تكن اﻻ الساحرة نفسها!

موضوعات ذات صلة:

يوميات نارنيا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s