انطلقت الساحرة بمركبتها في شوارع لندن. لكن كانت لدي ديغو فكرة ان يلمسها ويمس الخاتم السحري في ان واحد ومن ثم يعود بها الى الغابة ذلك المكان الهادئ الذي ﻻحظ ان الساحرة تفقد قوتها فيها. وبهذا يخلص العالم من سحرها الاسود.
اخيرا نجح ديغو بعد عدة محاوﻻت فاشلة في ان ينفي الساحرة الى تلك الغابة الهادئة، ولكن ، ويا للاسف – انتقل معها كل من وجد في محيطها؛ الخال اندرو والحوذي والحصان و صديقته بولي.
والان اراد العودة بلمس الخاتم ذو اللون اﻻخضر من جديد. لمس الخاتم وهو يمسك بيد بولي. ولكنه وجد انه يغوص في الظلام. قال باسف:
“يبدو يا بولي اننا في مكان ما”. ثم اردف وكأنه يحاول طمأنة نفسه ولولي “على اﻻقل انا واقف على شئ صلب”.
وقالت بولي: “ولكن لماذا الظلام حالك؟ ترى هل انطلقنا من الوجهة غير الصحية؟”
فقال ديغو متفكرا: “ربما هذه مملكة الساحرة البائدة، شوان. وقد رجعنا اليها ليلا”.
وعلا صوت الساحرة: “هذا عالم فارغ. هذا هو اللاشئ”.
وبالحقيقة كانت الظلمة شديدة حتى لم يقدروا ان يروا بعضهما وما كان هناك فرق بين اغماض عينيك او فتحهما.
وقالت الساحرة بصوت واهن مروع: “لقد جاء وقت هلاكي!”.
وقال الحوذي: “حمدا لله ان احدنا لم تنكسر عظامه. هذا ما يمكن ان توقعه بعد سقوطنا هذه المسافة كلها. ربما سقطنا في بعض الحفر، وربما وقعنا في محطة لقطارات تحت اﻻرض.. واذا كنا قد متنا – وﻻ انكر ان يكون هذا ممكنا – فعليكم ان تتذكروا اننا سوف نموت ذات يوم. وليس ما يخشاه اﻻنسان اذ عاش حياة صالحة. وان سالتموني اعتقد ان افضل شئ نعمله لتمضية الوقت هو ان نرتل ترتيلة”.
وهذا هو ما فعله. فقد انطلق يرتل تسبحة شكر على الحصان. تدور حول “جمع الغلال”.
وعندئذ حدث امران عجيبان. اصواتا اخرى انضمت الى الحوذي في الترتيل. كانت اصواتا اثيرية منعشة مطربة جدا. واﻻمر الثاني هو ان الظلمة المخيمة فوق الرؤوس اخذت فجاة تتلالا بالنجوم. لم تطلع النجوم نجما بعد نجم على مهل كما يجري في مساء صيفي، بل بزغت اﻻف واﻻف من نقاط الضوء في صفحة السماء القاتمة فجاة. كواكب كثيرة اكثر تالقا واكبر حجما من مثيلاتها في عالمنا.
وقد طلعت النجوم واﻻصوات في وقت واحد. حتى يخيل ل ان النجوم هي التي كانت تغني. وان ذلك الصوت العذب العميق الذي انطلق في البداية هو من جعلها تطلع وتغني.
قال الحوذي: “هللويا .. مجدا للرب.. لو كنت عرفت بوجود اشياء كهذه لكنت انسانا اصلح مما انا عليه”.
وعند ذلك خرج صوت من اﻻفق البعيد باﻻسفل.. وتعالى وراح الفضاء يصير شاحبا بالتدريج. وكان يمكنك ان ترى تلالا مرتفعة على صفحة الفضاء.
وسرعان ما انتشر النور ما يكفي ليروا بعضهم. وفغر الحوذي فمه والولدين واتسعت اعينهم وبرقت. كذلك انفتح فم الخال اندرو ولكن ليس باﻻبتهاج. فقدا بدا وكان ذقنه سقطت منفصلة ن باقي راسه وتيبست كتفاه واصطكت ركبتاه. فالصوت لم يعجبه.
تغيرت السماء من اﻻبيض الى القرنفلي. واخذ الصوت يعلو حتى اخذ الهواء كله يردد صداه. ولما بلغ اقوى درجاته طلعت الشمس.
لم يسبق ديغو ان راى مثل تلك الشمس، فبينما الشمس فوق مملكة شارن – مملكة الساحرة الخربة كانت تبدو اكب عمرا، بدت هذه الشمس اصغر عمرا.
وكان يمكنك ان تتخيلها تضحك. وامكنهم ان يروا في نورها المكان الذي يقفون فيه. كان واديا تحيطه الجبال ويجري به نهر عريض ولكن لم يكن هناك وﻻ نبتة واحدة. اما التربة فقد كانت متعددة اﻻلوان. وهي الوان جذابة تجعلك تشعر بالحماسة، حتى اذا رايت من كان يقوم بالغناء تنسى كل ما عداه.
كان المغني اسدا ضخما كثيف الشعر وقد فتح فمه على اتساعه بالغناء.
+++
تاسيس نارنيا:
تغيرت اﻻغنية، كانت اعذب وارق واجمل من تلك اﻻغنية التي بها استدعى الشمس والنجوم اذ فاضت موسيقى عبة متموجة. وبينما يتجول اﻻسد ويغني مﻻ العشب اﻻخضر الوادي كله. وبعد دقائق اخذ يمتد جاعلا العالم كله اكثر نعومة وليونة واخضرارا. كان شجر الصفصاف وعشب اﻻقحوان يطلع بمعدل سينتمرا في الثانية. وفي الجانب اﻻخر كان اﻻسد يقترب منهم واخذت بولي تنجذب الى اﻻغنية ﻻنها ادركت انها ترتبط باﻻشياء الجارية. فلما طلع صف من اشجار الشربين الداكن على سلسلة جبال صغيرة احست ان تلك الاشجار مرتبطة بسلسلة نغمات عميقة مديدة تغنى بها اﻻسد قبل ثانية. ولما اندفع في سلسلة سريعة من انغام الطف لم يفاجئها ان ترى زهر الربيع يطلع حاﻻ في كل جهة.
وفجاة تقدمت جاديس وقذفت بقضيب الحديد الذي في يدها -والذي خلعته من عمود اﻻنارة في لندن – في تجاه اﻻسد. اصاب القضيب اﻻسد بين عينيه تماما. وارتد ليسقط على العشب ولكن اﻻسد لم يتباطئ. ولم يمكن من الممكن ان تعرف ان كان اﻻسد قد عرف ان اصيب ام ﻻ وكان يمكنك ان ترى اﻻرض تهتز تحت ثقل قدميه.
حينئذ زعقت الساحرة وهربت واختفت وراء اﻻشجار. حاول الخال اندرو ان يفعل مثلها لكنه تعثر وانطرح ارضا.
اما اندرو وبولي فلم يتحركا وكانا غير متاكدين تماما انهما يريدان ان يتحركا. وقد مر اﻻسد ملاصقا لهما حتى انهما لمسا عرفه، ولكنه لم يلتفت لهما وينظر اليهما، لكنهما تمنيا بصورة غريبة ان يفعل ذلك. ولكن على الرغم من انتباهه جيدا فربما كان غير ممكن ان يراهما او يتشممهما. حتى انه جاوزهما تابع مسيرته نحو الشرق.
قام الخال وهو يسعل والرذاذ يتطاير من فمه.
وقال: لقد اختفت الساحرة وتباعد اﻻسد . هيا المس الخاتم ودعنا نغادر هذا المكان عائدين الى الوطن.
ابتعد ديغو وهو يقول:
“احذرك يا خالي. ابتعدي عنه يا بولي وتعالي الى جواري. ﻻ تقترب منا خطوة واﻻ وانا وبولي سنختفي حاﻻ.”
“يا لك من ولد سئ”.
وما شانك. نريد ان نبقى ونشاهد ما يجري. كنت اظن انك ترغب في معرفة احو ال العوالم اﻻخرى. اﻻ يعجبك؟
يعجبني؟ اظن كان ينفعني لو كنت اصغر سنا. وكانت الظروف مناسبة اكثر. يا ليتنا كنا نحمل بندقية!
قال الحوذي: “ما لنا والبندقيات؟ اظن انني ساذهب ﻻرى هل اقدر ان افرك ظهر حصاني. فهو اكثر عقلا من بعض البشر”. ثم بدا يصفر له ويهسهس كعادة سائس الخيل.
“اما زلت تعتقد اناﻻسد يمكن ان يقتل ببندقية؟ لم يؤثر به قضيب الحديد!”
قالت بولي: “ما فعلته الساحرة كان سيئا. ولكن انظر بالمقابل، اي اذى انزل اﻻسد بها؟”
ربما يناسبني ان ادير هذا المكان كمنتجع صحي. لكن علي ان اطلق النار اوﻻ على ذلك اﻻسد”
قالت بولي: “انت شرير مثل الساحرة. كل ما تفكر به هو قتل اﻻحياء”.
“لن اتعجب ان كنت ﻻ اكبر يوما واحدا هنا. انها ارض الشباب”. انظرا الى روعة الطقس.
“خالي اندرو، اتعتقد ان هذه اﻻرض يمكن ان تشفي امي؟
“هذه ليست صيدلية. لكني كنت اقول ..”.
انت ﻻ تهتم بها ابدا. وكنت اعتقد انك ﻻبد ان تهتم. فهي اختك كما انها امي. حسنا، ساسال اﻻسد نفسه هل يقدر ان يساعدني”.
كانت اﻻغنية تبدلت الى لحن – لحن صاخب يجعل الحياة تعج بالنشاط. قفزت الضفادع الى المياه وكنت تسمعها تبقبق. والنحل كنت تسمع طنينه.. واﻻن صار مستحيلا تقريبا ان تسمع اغنية اﻻسد. فقد سمع كثير من النعيب والهديل والنعيق والصهيل والنباح والعواء والخوار والثغاء والتغريد.
واﻻن سكت اﻻسد سكوتا تاما واخذ يتمشى. وكان بين الحين واﻻخر يتقدم الى حيوانين منهما ويمس انفيهما بانفه. وكل زوجين ﻻمسهما تركا فصيلتهما وتبعاه. وجاءت بقية الحيوانات التي ﻻمسها والتفت حوله في دائرة متسعة.
اما الحيوانات التي لم يلامسها فابتعدت واختفت اصواتها.
كان قلب ديغو يخفق بشدة، اذ عرف ان شيئا جليلا على وشك الحدوث. لم يكن قد نسى امه، ولكنه علم يقينا انه ﻻ يقدر ان يقاطع امرا كهذا ، ولو من اجلها.
حدق اﻻسد بعينين قويتين وكاانه يكاد يحرق الجميع بمجرد تحديقه. وتدريجيا حصل تغيير لجميع الحيوانات التى اختارها والتفت حوله.
فالحيواات اﻻصغر كاﻻرنب صارت اكبر حجما . والحيوانات كبيرة جدا كاﻻفيال صارت اصغر قليلا. وقعدت حيوانات كثيرة على قوائمها الخلفية وامالت راسها الى اﻻمامها.
فتح اﻻسد فمه ولكن ما خرج كلاما لكن نفسا حارا طويلا ظهر انه يجعل الحيوانات تنحني كما تميل العاصف صفا من اﻻشجار. وفوق السحب ظهرت النجوم تغني لحنا صافيا باردا صعبا. ثم جاء برق سريع مثل النار (لكنه لم يحرق احدا – اما من الفضاء او اﻻسد نفسه، فشعر ديغو وبولي بوخز شديدة في كل قطرة من دمهما فيما كان الصوت اﻻعمق واﻻغرب من كل اﻻصوات يقول:
“نارنيا، نارتيا، استيقظي، قومي واستنيري، ﻻنه قد جاء مجدك، ومجد الرب اشرق عليك..
فكري ، تكلمي، كوني اشجارا تمشي
كوني حيوانات تنطق،
كوني مياها مقدسة تجري”
+++
ومن اﻻشجار طلع صوت:
“عاش اصلان! نحن نسمع ونطيع! لقد استيقظنا. نحن نحب ونفكر، ونتكلم ونفهم”.
وجاء الصوت:
“ايتها الحيوانات اني اعطيك نارنيا الى اﻻبد. اعطيك الغابات والمروج. اعطيك النجوم. اعطيك نفسي. والحيوانات اﻻخرى غير الناطقة التي لم اخترها هي لك ايضا. فعامليها برفق وحذارى ان تحطي من قدرها ولكن ﻻ ترجعي الى طرقها . فمن بينها اخترتك والي حالتها وحالتك اﻻولى يمكن ان تعودي ان لن تحسني التصرف”.
“ﻻ يا اصلان. الى الوراء ابدا لن نعود”.
انطباعات مختلفة:
ترك المشهد انطباعا مختلفا عند الخال اندرو. ذلك ان ما تراه او تسمعه يتوقف على مدى بعيد على المكان الذي انت فيه، والحالة التي انت عليها، اي على اي نوع من اﻻشخاص انت.
فمنذ ظهور الحيوانات في البداية، اخذ الخال اندرو يتوارى في الدغل. ومثله مثل الساحرة كان ﻻ يهتم بالمشهد ولكن حريصا على اﻻ تهاجمه. كان معنيا بما يخصه وينفعه فقط. ولم يلاحظ ان اصلان اختار زوجين من كل نوع من الحيوانات . فكل ما راه او اعتقد انه راه كان مجموعة من الحيوانات البرية الخطيرة تجول بلا هدف. وظل يتساءل عن السبب الذي جعل الحيوانات الباقية ﻻ تهرب من اﻻسد.
ولما جاءت اللحظة العظيمة ونطقت كل الحيوانات، فاته اﻻمر كله. فمنذ البداية سمع غناء اﻻسد وقد كره غنائه كرها شديدا اذ جعله يتصور اشياءا لم يكن يريد ان يتصورها ويفكر فيها.
ولما طلعت الشمس حاول ان يقنع نفسه ان اﻻسد لنميكن يغني. واينما التفت راى اهواﻻ، فان الحيوانات فتحت افواهها لتلهث او تغني لكنه ظنها تريد ان تبتلعه. وهكذا وقف مرتجفا مترنحا.
وقال الكلب بلدوج: اشجرة انت ام جماد ام حيوان؟
ولكن كل ما سمعه او فهمه اندرو: اغررواهو!
وقالت الفيلة: ماذا تعتقدون؟ احيوان هو ام شجر؟ يجب ان نسال اصلان.
فصاح بضعة عشر صوتا: شجرة شجرة!
فقالت الفيلة: جيد جدا. اذا كان شجرة يجب ان نغرسها. وعلينا ان نحفر حفرة.
تولى الخلدان القيام بالمهمة على عجل. وحصل خلاف حول الجزء الذي يوضع في الحفرة فقد ظن بعض الحيوانات ان رجليه يجب ان تكونا اﻻغصان وان الراس هي الجذر.
وجاء اصلان وسال ديغو: عن سبب مجيئه وكيف حدث، فاخبره بكل شئ. وهنا قال:
“ترون يا اصحاب، انه قبل ا يبلغ العالم الجديد سبع ساعات (او ايام) من عمره دخلته قوة شريرة ايقظها واتى بها ابن ادم هذا”.
عندئذ حولت جميع الحيوانات انظارها نحو ديغو. بحيث تمنى في تلك اللحظة لو تشق اﻻرض وتبتلعه.
ثم التفت اليهم اصلان وقال:
“لكن ﻻ تحزنوا. ان الشر سيطلع من تلك القوة الشريرة. سادب اﻻمر بحيث يقع اﻻسوا على انا”.
ثم قال موجها كلماته الى بولي والحوذي: “اقتربا الي انتما” .
“اعداني انكما تهتمان لامر الحيوانات. “.
فقالا “نعدك”.
والتفت الى ديغو: “وانت يا ابن ادم. اتعدني انك تصلح ما افسدت”.
وفكر ديغو:
“اﻻ يمكن ان يعطيني شيئا يشفي امي. لكني اعتقد ليس مثل من يستطيع ان يعقد المرء معه صفقات”. واغرورقت عيناه بدموع. وحتى ذلك الحين ينظر الى قوائم اﻻسد الكبيرة بمخالبها الضخمة. اما اﻻن ففي ياسه تطلع الى وجه اﻻسد. فما راه كان اكثر شيئا فاجاه في حياته كلها. اذ كان وجه اﻻسد المشرق منحنيا قرب وجه ديغو وكانت دموعا غزيرة كبيرة متالقة جدا مقارنة بدموع ديغو تنزل، حتى شعر كما لو ان اﻻسد اكثر حزنا منه على امه . ثم قبله قبلة اسد. فشعر ديغو ان قوة عظيمة وشجاعة جديدة دخلته.
قال: “تطلع الى الغرب وانظر. ماذا ترى؟”
“ارى واديا وجباﻻ وانهارا.
“ان ارض نارنيا تنتهي حيث ينحدر الشلال. ما ان تصل الى اعلى الصخور وتدخل الى الغابة الغربية حتى تجد فردوسا وبه شجرة. فاقطف من تلك الشجرة ثمرة وعد بها الي”.
لم يكن ديغو يعرف كيف سيتسلق تلك الصخور ويشق طريقه وسط هذه الجبال والمنحدرات ولكنه خاف ان يبدو كما لو كان يقدم اعذارا. ولكنه قل فعلا: ارجو يا سيدي..
فقال اصلان: اعرف.. ونظر الى الحصان وقال: اتحب ان تصير مجتحا؟
ويا للعجب لو ترون كيف نفض الحصان عرفه وكي اتسع منخراه، وسمعت النقرة الخفيفة التي ضرب اﻻرض بحافر احدى قائمتيه الخلفيتين. فواضح جدا انه تمنى ان يصير مجنحا.
وهدر صوته: “كن مجنحا! كن ابا لكل اﻻحصنة الطائرة. وليدع اسمك ابو الريش”.
ففي الحال انطلق من كتفي ابو الريش اجنحة اكبر من اجنحة الاوز، اكبر من اجنحة الملائكة على نوافذ الكنائس”.
ثم لمع الريش بلون كستنائي ونفضهما الحصان نفضة قوية وقفز الى علة 6 امتار تقريبا فوق اصلان ويغو وراح يصهل ويشخر وبعد ان دار حولهما دورة واحدة ثم هبط الى اﻻرض بقوائمه اﻻربعة معا. ما لو كان في اقصى اﻻضطراب والمفاجاة لكن يخالجهما اقصى السرور.
طار الحصان وقد امتطاه ديغ وبولي وهبط عند ابواب مدينة بها باب ضخم كتبت عليه ﻻفتة:
“ادخل من ابواب الذهب ، واﻻ فلا،
خذ من ثماري للغير، واﻻ فعد فارغ اليدين.
“من يسرقون او يتسلقون اسواري
ينالون منية قلوبهم، لكنهم يخيبون”
قال ديغو:
اعتقد ان المعنى اﻻ اكل من الثمار . وﻻ افهم مغزى العبارة اﻻخيرة. فمن يا ترى يرغب في تسلق السور ان كان بامكانه الدخول من الباب الذهب؟
ووضع يده على الباب فانفتح دون اي ضجة!.
وللحال عرف اي شجرة يقصدها اصلان.
فمشى اليها راسا وقطف تفاحة ووضعها في جيب سترته الداخلي اﻻعلى. لكنه لم يقدر ان يقاوم النظر اليها وشمها قبل ان يدسها في جيبه.
وكان افضل له لو لم يفعل ذلك، فان عطشا وجوعا شديدين اجتاحاه، وتلهف ان يذوق الثمرة.
وفكر ربما يكون المعنى المكتوب على اللافنة ليس امرا بكل معنى الكلمة، بل ربما كان مجرد نصيحة. وحتى لو كان امرا صريحا ، فهل يخالفه اذا اكل تفاحة واحدة؟ وها هو قد اطاع القول واخذ ثمرة للغير؟
وفيما هو يفكر صدمه ان يتطلع الى الخلف فيجد الساحرة وهي تلقي ببقايا تفاحة اكلتها للتو. وقد لطخت فاها لطخة بشعة. فحزر ديغو فورا انها ﻻبد تكون قد تسلقت السور وبدا يفهم ان السطر اﻻخير له معنى ما. فان الساحرة ظهرت اقوى زاكثر تجبرا ولكن وجهها كان شاحبا شحوب الموت.
قالت الساحرة:
“ماذا عمل اﻻسد لك حتى تصير له عبدا؟ وماذا يقدر ان يعمل لك بعد ان تعود الى عالمك؟ وبماذا تفكر امك لو عرفت انك كنت قادرا على ازالة المها واعادتها الى الحياة ومع ذلك لم تفعل شيئا بل فضلت ان تكون رسولا لحيوان بري في عالم غريب؟
فقال ديغو بصوت كصوت من جف ريقه: “انا ﻻ اعتقد انه حيوان بري. فانه.. ﻻ اعرف..”.
وقالت الساحرة: “اذا هو شئ اسوا. فكر في كيف جعلك قاس القلب تجاه امك. يا قاسي يا عديم الشفقة! انك تفضل ان تترك امك تموت على ان..”.
“اطبقي فمك. انك تعتقين اني ﻻ افهم. ولكني قد وعدت..”
“لكنك ﻻ تعرف بم وعدت..
فقال محاوﻻ اخراج الكلمات بصعوبة: “امي بالذات لم تكن لتحب ذلك.. هي تشدد على الوفاء بالعهد.
اسمعيني! ما شانك بامي؟ ولماذا فجاة تحبينها وتهتمين بامرها؟”
فهمست بولي في اذنه: “احسنت ي ديغو! هيا لنهرب! ولم تكن قد تجرات ان تقول كلمة واحدة خلال الحديث كله ﻻنه – كما تعلم – لم تكن امها هي المحتضرة.
فقال ديغو: “اذا هيا!” رافا ياها فوق ظهر ابي الريش، فنشر الحصان جناحاه وطار.
+++
تبين اﻻن لديغو انه يقدر ان ينظر في وجه اصلان مباشرة. لهذا نسى متاعبه واحلامه وشعر بالسرور والرضى الكامل.
عاد اﻻسد يقول: “احسنت يا ابن ادم. من اجل هذه الثمرة عطشت وجعت وبكيت. ليس سواك من يزرع هذه في نارنيا. فارم اﻻن التفاحة الى جوار النهر حيث التربة لينة”.
قال: “لنتقدم اﻻن لتتويج ملك وملكة نارنيا”.
عندئذ ﻻحظ يو وبولي انهما كانا لابسين ملابس غريبة وفاخرة جدا.
وضع اصلان على راسيهما تاجين وهو يقول:
“اتوجككما ملكا وملكة على نارنيا. كونا عادلين وشجاعين. ولتحل بركتي عليكما”.
قال ديغو: “هل تسمح لي ولبولي بالعودة الى دبارنا” ولكنه نسى ان يقول “شكرا لك”. ولكن اصلان قد فهم ماذا يقصد.
قال اصلان: ﻻ حاجة لكما الى خواتم سحرية ما دمت انا حاضرا”.
“هيا حان وقت رجوعكم”.
كان كلا الولدين يتطلعان الى وجه اﻻسد. فجاة بدا لهما ذلك الوجه مثل بحر من الذهب المتموج وهما يعومان فيه. وغمرتهما من كل جانب عذوبة وقوة فائقتان، بحيث شعرا بانهما لم يكونا من قبل اطلاقا سعيدين او حكيمين او صالحين وﻻ حتى حيين ومستيقظين وقد ﻻزمتهما ذكرى تلك اللحظة دائما. بحيث انهما طوال حياتهما كلما احسا حزنا او خوفا او غضبا كانت ذكرى تلك الطيبة وشعورهما بانها ما تزال حاضرة على مقربة منهما تعود الى ذهنيهما وتؤكد لهما في اعماق كيانهما ان كل شئ بخير.
في الدقيقة لتالية كان الثلاثة يتشقلبون وسط ضجيج لندن وحرارة شوارعها.
وجدوا انفسهم على الرصيف خارج بيت كترلي. كان كل شئ كما تركوه، ما عدا غياب جاديس والحوذي.
+++
اﻻسد والساحرة وخزانة الملابس
في البداية من اقامة اﻻطفال اﻻربعة في القصر الكبير كان هناك اﻻنشغال باستكشافه – الحجرات الكثيرة والممرات الطويلة وحجرات النوم اﻻضافية التي لا نهاية لها وسلسلة الحجرات التي تكدست بالكتب المرصوصة فوق اﻻرفف. وغرفا كئيبة ضخمة. عثرت لوسي على خزانة اعتقدت ان هذه ليس اﻻ خزانة ملابس كبيرة. وبينما كانت تدفع صفوق المعاطف المعلقة داخلها احست شيئا ناعما كالبودرة وباردا جدا. اكتشفت انها تقف وسط غابة بالليل. كانت لوسي قد وصلت الى عالم نارنيا.
هذه هي المغامرة التالية في “عالم نارنيا” السحري المثير.
+