في مدرسة القلب المقدس

بلاد الله كثيرة لكنها اختار مصر لتكون بلدي. معتقدات البشر كثيرة لكنه اختار المسيحية لكي يأتي يوم وتصبح هي حياتي. المدارس كثيرة لكنه اختار مدرسة (القلب المقدس) لكي تكون مدرستي. كنا نقضي في المدرسة وقت اكثر من الوقت الذي نقضيه مع اهلنا.. فكان تأثير المدرسة كبيرا جدا في حياتنا.
في ابتدائي السنين مرت هادئة جدا لا يعكر صفوها شيئا .كنت متفوقة دراسيا تفوقا غير عادي. تقريبا الدرجات النهائية في كل المواد الدراسية. حين كنت اعود من المدرسة كنت تسالني والدتي: كيف الحال في امتحان كذا؟ لو اجبتها: عادي. كانت تفهم اني حصلت على الدرجة النهائية. لو اجبتها: سئ جدا.كنت تفهم اني جبت 49 او 48 من 50. لم يكن لدي استعداد ان احدا يخطف مني تفوقي، لاني انا الذي تعبت فيه…لكن كلمة (الحمد لله) لم تعرف طريقها الى لساني،وكانني كنت مبرمجة عل الشكوى.
اتذكر حين كنت في المرحلة الابتدائية كانت معلمتي راهبة فرنسية وكانت تقودنا في الصلاة.. كل يوم نفس الصلاة (يا الهنا القدير نشكرك من اجل يوم جديد اعطيته لنا. نحن نسلمك يومنا وحياتنا). كانت عبارة (نسلمك يومنا وحياتنا) تستوقفني ، لكني لم اعي تماما ابعادها. لم اكن اعرف ان التسليم لربنا يحتاج فعلا الى صلاة يومية لانه ليس سهلا.
في المرحلة الاعدادية كانت الراهبة التي تدير المرحلة تدعى “مندس”. لكن سير مندس لم تكن كاي راهبة. كانت تمثل علامة استفهام كبيرة بالنسبة لي. فتاة اسبانية جميلة وذكية.. لو ظلت في بلادها كنت ستصبح نابغة.ما الذي جعلها تاتي الى مصر لتعمل معلمة لاطفال في الاعدادية؟ اصيبت سير مندس في حادث سيارة وكانت حينها في الثلاثين من عمرها واصبحت تتحرك بكرسي متحرك. ومرة سالتها : “علام تشكرين الله؟”
قالت: حذاري ان تشتكي ربنا للناس. اجري عليه “واسكبي شكواك امامه (مز42: 9). عاتبيه بدلا من ان تكتمي المرارة في قلبك. هو يعرف تلك المرارة حتى لو لم تجرؤي ان تنقليها من قلبك لتكون على لسانك. لكن تغضبي، لا. لان هذا يجعل ابليس يصل لمراده. ان تري الله بدلا من اب محب الى جلاد قاس.
قلت لها: تقدري تقولي لي، اين كانت محبة ربنا عندما ماتت زميلتنا فلانة الشهر الماضي؟
قالت بشفقة: “لان كل اموره لا يجاوب عنها”(اي33: 3). لن اختلف معك في انه اذا كان بتر عضو من الجسد صعب وقاس قيراط، فبتر احباب القلب اقسى 24 قيراط. لكن لو خاصمنا ربنا الى اين نذهب؟”ابر انت يا رب من ان اخاصمك”(ار2: 1). مهما حصل قولي ربنا صالح.
سير مندس كانت مسؤلة عن وضع لامتحانات وكانت دائما تأتي صعبة. في يوم انتبهت الى تغيب 11 طالبة عن حضور صلاة القداس.
سألتني: اين كنتم؟
اجبتها: كنا في فناء المدرسة نراجع قبل امتحان الكيمياء.
بكل حزم وهدوء اجابت: ظهر غبائكم. عقابا لكم، لن تدخل الامتحان ايا منكم.
عبثا حاولنا ان نظهر اسفنا.
بكت زميلاتي وتوسلن اليها. لم انطق بكلمة لا لانني لا اريد الاعتذار بل من هول الصدمة. شعرت اني في حلممزعج واري دان استفيق منه واذهب الى الامتحان.
لم اكن اتخيل ان تفويت صلاة القداس عقابه حرماني من دخول الامتحان.
ما المشكلة ان لم احضر القداس لاستذكر واراجع قبل الامتحان. وهل الصلاة بالغصب. انصرفت كل زميلاتي وبقيت وحدي. قلت لها:
“ممكن اقول لك شيئا.”
“تفضلي.”
لو علامة الامتحان صفر لن اتمكن من دخول المنزل.
ابتسمت وقالت: اعرف ذلك.
تشجعت وقلت: حضرتك لمتمسكي بي وانا اقفزمن سور المدرسة. لم ارتكب خطا . فقط كنت اراجع مادة الكيمياء قبل الامتحان.
لم اعاقبكم على خطا ولكني عاقبتكم على شئ صواب لم تفعلوه.
واردفت: اليوم لم تحضروا القداس لان عندكم امتحان كيمياء والاسبوع التالي اللغة العربية والاسبوع اللي بعده كذا.. واللي بعده واللي بعده.. لن تستقيم الامور هكذا.
لا يجب ان نعطي لابليس فرصة يبعدنا عن ربنا. انتم الخاسرين، لان طول ما الانسان يضع ربنا اخر قائمة اهتماماته سيضعه الله اخر قائمة استجاباته.
انا آسفة بالنيابة عن زميلاتي.
وانا قبلت اعتذاركم.
لم اصدق ما سمعته. فقلت:
اذا اخبرهم انك عفوت عنهم.
انا قبلت اعتذاركم ولكن مع ذلك لن تدخلوا الامتحان. يجب ان تتعلموا ان الخطا مكلف.
انفجرت غضبا وقلت لها: حضرتك تظنين انك بهذا ستجعلينا نحب الله؟ كيف ساذهب للمنزل ؟ وحين تسالني والدتي بماذا اجيب؟
قولي لها ان تقابلني.وانا لن ادعها تضايقك. انت رقم واحد في الذكاء الدراسي ، ولكني لا اريد ان يشبهك احد في غبائك روحيا.
اريدك ان تتعلمي ترتيب اولوياتك. احتمال بعد مرور سنوات تتذكري ان راهبة كانت تدعى مندس قالت لكان تعريف الغباوة هو البحث عن السعادة بعيدا عن الله.
**
حين سألت سير مندس، ما الذي جعلك تتركين بلادك للتدريس هنا؟ من المؤكد ان انجلترا افضل واطيب عيشا!
اجابت بمثل انجليزي: البقرة دائما ترى العشب اكثر اخضرار في الجانب الاخر. لا احد يقنع بحاله. وكانت تسألني:
هل امك اغني واحلى ام في الدنيا؟
قلت لها: لا، ولكني احبها.
قالت: هكذا الوطن. ليس بلدك اغلى واجمل بلد. ولكنك تحبينه وتتصرفين بإيجابية ليكون اجمل بلد.
لكن للاسف، نحن،
نصلي ونسرق!
ونصوم ونزني!
ونعشر اموالنا ونرتشي!
ووقت العبادة نقول أمين، ووقت المرح نقول يا ليل يا عين!
نصيحتي لكل واحد، لو ابوك وامك ما زالوا احياء احطهم بحبك.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s