قصص كتابية: ابراهيم وزوجته سارة ج ١

قصة ابراهيم، سرد درامي

في تلك الليلة انتابها حلم مزعج. تقلبت في الفراش شاعرة بارق ثم نهضت وهي تقول:

  • انا امراة عجوز . لقد انتهيت.
  • ادت على جاريتها: هاجر! تعالي هنا!
  • أكان ذلك حلما مزعجا، سيدتي؟
  • هاجر، ابرام مات ومات معه نسله.
  • ﻻ تقولي هذا، فسيدي رجل قوي والرب باركه. سيعود سالما من الحرب، انا اعرف ذلك.
    **
    جاء يركض:
    سيدي ابرام، واحد من رجالنا شاهد لوط.
    شكرا للرب. لوط ما زال حيا.
    التفت الى زعيم القبيلة وقال:
    ممرا، اقترب انت ورجالك من معسكر اﻻعداء. ثم في اللحظة المناسبة اعطونا اشارة فنباغتهم جميعا.
    خلف احد الاشجار اختبا، اسوار المدينة على بعد رمية حجر، لكنها كانت كافية ان تحجب جزءا كبيرا من السنة الهب التي لم يستطع ظلام الليل ان يخفيها تماما في حين تصاعد الدخان بكثافة. التفت الى خادمه:
    اليعازر، في معركة اﻻمس الرمح الذي اصابني اراني الموت. لكن الله وعدني بالبركة. اﻻن انا اشعر ان موتي قريب. اخاف على ساراي فليس من يعولها بعدي. لقد اتخذت قرارا: انت ترث بيتي. اريد وعد منك ان تقود القبيلة بحكمتك وترعي ساراي.
    ﻻ تقل هذا سيدي. فليبارك الرب عمرك.
    ضع يدك هنا. وعدني.
    اعدك سيدي سافعل كما قلت.
    *
    كان الهجوم من ممرا خاطفا على معسكر اﻻعداء .. في دقائق تدافع الجنود واصاب الملوك الخمسة المتحالفين ارتباكا، ويبدو ان لم يكن تنسيقا تاما بينهما، وتسبب هذا في قتل الكثير من الجنود بالخطأ. بعد عدة لحظات تداركوا الموقف. اصبح ابرام ورجاله في مواجهتهم، شالمناع وجنوده في المواجهة معهم. وضع احد الجنود سيفه على رقبة لوط يريد ذبحه.
    تقدم ابرام: اتركه. انه ابن اخي.
  • ما المقابل؟
  • حياتك.
    قهقه ضاحكا ونظر الى السبي والغنائم خلفه وقال:
  • هل تسخر مني؟ استطيع قتلكم جميعا. واﻻحتفاظ بكل الغنائم ايضا.
  • ربما. وربما ﻻ. ربما تكون هزيمتك. تفقد انت حياتك وكل من معك.
    صوب كلا الفريقين بسهامه تجاه اﻻخر في انتظار اﻻوامر. وكانت في كلمات ابرام ثقة اربكت شلمناع .. فبعد لحظات من التردد قال:
  • عرض عادل. المهم ان تنفذه انت بامانة.
  • يكفي سفك دماء.
    التقت شلمناع الى جنوده:
  • اتركوهم. دعوهم يمضوا.

**

اقيمت اﻻحتفاﻻت الصاخبة لثلاثة ايام متتالية .. راقصات الهيكل بدأن بالرقص حول رمفان معبود سدوم ..
وبينما ابرام يجتاز خارجا من المدينة هتف الجنود تحية:
يعيش ابرام قاهر اعداءنا.
واقيمت وليمة احتفاﻻ بالنصرة ولتقديم الحفاوة اللائقة ﻻبرام.
ووقف ملك سدوم ممسكا بكاس خمر:
نخب ابرام المبجل. لقد اعطيتك كل الممتلكات المستردة. شكرا وعرفانا.
اشكرك. ليكن لك كل شئ.
ﻻ يا ابرام المبجل. هذه مكافاتك.
رفعت يدي الى خالق السماء واﻻرض ﻻ اخذن خيطا وﻻ نعل حذاء، لئلا تقول انك اغنيتني.
التفت الى اﻻسرى:
اﻻسرى الذين حررتهم احرار يذهبون الى حيث ارادوا.
حاول تفهمني. هذا قرارك اﻻخير؟
يعانقه مودعا: نعم.
*
ابرام عاد الى داخل الخباء حيث ساراي.
ما ان تطلعت اليه:
بكت وقالت: كنت اخاف عليك من الموت؟
ﻻ ، الموت لن يفرق بيننا.
كنت اريد ان..
وضع يده على فمها..
الله لم ينسنا .. لقد اعطانا اﻻنتصارات، وحمانا من اﻻعداء. احبك اكثر من حياتي.
**
يشعر بأرق فجأة. يستيقظ من النوم في الليل.. يخرج على اثر صوت في الخارج يتلفت وﻻ يجد شيئا. كانت صفحة السماء مرصعة بالنجوم. شعر بخوف يجتاح قلبه وقشعريرة تسرى في بدنه. ركع وقال:
انا وحيد. عرفني يا رب ماذا تريد؟ كلمني من فضلك.
صوت جاءه:
ﻻ تخف يا ابرام. انا ترس لك. سوف اكافئك باجر كبير.
ماذا تعطيني؟ انا اموت وحيدا. وارث كل ما لدي هو اليعازر خادمي.
ارفع عينك الى السماء. عد النجوم.
اذهلته صفحة السماء وبدت كلوحة فنية بديعة. ولم يجد ما يقول، فقال:
ربي..
انا الرب الذي اخرجك من اور الكلدانيين ﻻعطيك هذه اﻻرض.
كيف من غير ابن؟ كيف يكون لي نسل؟
ﻻ تخف! اﻻبن الذي من صلبك سوف يرثك.
*
خرج ابرام من سدوم متجها الى حاران وفي طريقه تطلع. كانت قافلة تتجه نحوه. عندما اقترب زعيمهم، نزل عن جمله وسجد الى اﻻض وقال:
انا ملكيصادق، ملك ساليم وكاهنها.
اهلا بخادم الله.
مبارك ابرام. ومبارك الرب الذي سلم اعداءك. لقد اتيت باسم الرب. جئت اليك بخبز وخمر.

  • سعيد ان اسمع منك هذا الكلام.
  • بالفعل، انا اعبده .. وانت ايضا تعرفه.
  • نعم، انا سمعت صوته.. وهو اعطاني..
    يقاطعه:
  • اﻻنتصارات.
  • اشكر الهي.
  • ليست الثروة تشبع قلب اﻻنسان. لقد القيتها كلها وراء ظهرك.
    ثم يرفع كأسه:
  • نخب حياتك، وبركة الرب لك يا ابرام.
    ثم كسر الخبز وتناول قطعة من الخبز واعطي لابرام فاكل.
    *
    شعرت ساراي الليلة بالم مزعج، لقد حلمت حلما مزعجا. كانت هاجر وبقية الجواري يغزلن صوف لغنم في الخباء. نادت على هاجر. والتفتت اليهن وقالت:
    اتركونا لوحدنا. اريد منك خدمة.
    انا يا موﻻي؟ انا امتك.
    افهمي ما اقوله يا هاجر. انت مصرية لذا فلا تعرفين عادات شعبنا.
    ثم وضعت يدها على كتفها وادنتها منها وقالت:
    كل يوم تعالي الى الخيمة واجعلى مرقدك الى جوار زوجي. سوف تفعلين ذلك حتى يمن الله عليك بحبل. وحين تلدي سوف يكون ذلك على ركبتي وبهذه الطريقة يكون الطفل ابني.
    تطلعت الجارية في عيني سيدتها في دهشة وتمنعت:
    لكن يا موﻻتي..
    هذا هو الحل.
    *
    عندما اتى ابرام من الحقل فى المساء. تطلعت سارة الى وجه زوجها وقالت:
    حين انتقلنا من اور تغيّر شئ ما فيّ. لم يعد يعجبني شئ. وكل ما افكر فيه ولادة ابن لنا.
    سارة، “ﻻ يمكن استرجاع الماضي. انه كمحاولة الإمساك بالماء في اليد. هل تريدين العودة إلى ذلك الزمن؟ انسيتي شرور اهل اور؟
    ﻻ لم انس. لكن بدأت المغامرة على وجه الدقة في ذلك الوقت.هل نسيت ما قلت لي عن وعد الرب لك بان يكون لك ابن؟
    أتريدين أن تعودي الى هناك؟ ألستَ سعيدة هنا انظري الى نفسك! لقد تقدم بنا العمر يا سارة. ونحن بقسمة الرب لنا راضين.
    لست اتحدث عن الرضى. انا اتحدث عن اﻻخذ باﻻسباب. الله منعني انجب فلتاخذ جاريتي ..
    بعينين ذاهلتين يظل ساهما للحظات وترن في اذنيه كلمات الرب :
    سوف يكون لك ابن من صلبك. وراح يردد هامسا:
    نعم سيكون لي ابن من صلبي.
    وتمر 3 شهور.
    ابتسمت ساراي وقالت:
    هاجر حبلى.
    نهض ابرام واحتضنها وردد:
    سوف يكون لي ابن.
    ماذا لو كانت بنت؟
    ﻻ ، سوف يكون ابن، كما قال الرب.
    تحسس بشرتها الناعمة بلمسات من بنان اصابعه. واستولى الضحك عليه وقال: سيكون لي ابن. رائع!
    جلس ونادى:
    هاجر، تعالي !
    سيدي، انا حامل في ابنك.
    وتنظر نظرة ذات معنى الى موﻻتها.
    نعم اعرف. وابتعد وهو يضحك من جديد ويردد: سيكون لي ابن!

**
امام باب الخيمة كانت النار توقد والسنة اللهب تتصاعد ومعها رائحة شواء لذيذة. تقلب هاجر السيخ وتقول لجارية اخرى:
في مصر كنا نطهو اللحم هكذا. اتذكر حين كنت في قصر فرعون انهن كن يصنعن الكبسة هكذا.
ثم تركتها وهي تقول:
واصلي الطهي حتى ينضج اللحم، واحذري اﻻ يحترق.
دخلت الى الخباء وامسكت بسل.. واصلت الجدل .. بعد لحظات دخلت سارة. سالت :
ما هذا؟
سرير للطفل. انا ابطنه بصوف حمل ابيض.
لكني سوف اشتري له واحد. لن اربي ابني في سل كهذا.
ثم غادرت غاضبة واتجهت ﻻبرام:
ابرام، هذه المراة تعاملني كما لو اني جارية عندها.
اشاح بيده في الهواء وقال :
الم يكن بينكما اتفاق؟
لكن..
هذه المسائل حلوها فيما بينكما.
هي الجارية بحسب القانون. ليس فقط اتفاق بل عاداتنا.
ثم دخلت الى خباء هاجر وقالت بحزم وبلهجة امرة:
اتركي هذا السل وعودي الى عملك.
**
كان الحارس بين الحين واﻻخر يسير ذهابا و ايابا في الجانب الشرقي للمحلة .. وتطلعت هاجر بحذر في ظلام الليل واخيرا استطاعت ان تغافله. كان القمر بدرا. وانطلقت هاربة الى البرية:
كانت تهمس:
لقد فاض بي الكيل. سوف القنك درسا يا ساراي. وانت ايضا يا زوجي العزيز. ساعود الى سيناء موطني. سوف تندمان. واستولى عليها الغضب وراحت تردد بحنق:
عجوز شمطاء تريد ان تحصل على ابن مجانا.
سارت ﻻيام. وعلمت انها تاهت. نفذت اخر قطرات ماء في قربتها. وراحت تهذي:
ارض بور فيافي عارية. ويقولون عنها اشجار واثمار. البحر الميت لا سمك او اعشاب. غائر في عمق الارض. مياه سامة عكرة. بحر ميت في ارض ميتة. امطرت السماء عليها يوما نارا وكبريتا. سدوم وعمورة ومدن السهل رمادية عتيقة، وكلها اسماء ميتة. سوف اموت راضية، ..
ويظهر فجاة نور:
هاجر.
ارجعي الى سيدتك.
انظري.
تلتفت لتجد نبعا عذبا ينبع فجاة. وتشرب وتعود روحها اليها. وترن كلمات الملاك:
ارجعي الى موﻻتك.
*
تمر سنوات. لقد جاء اسماعيل ويكبر وتكبر احلام ابيه معه وفيه..
“ماذا جرى؟”، قال ابرام وهو يمسك بيد ابنه اسماعيل ويمكنها من السكين.
ويردف: انت كثيرا ما ذبحت.
لكن هذا الحيوان مختلف.
نعم. ويجب ان تشعر ان هذا الحمل مختلف.
هيا احضر حطبا.

موضوعات ذات صلة:

ابراهيم خليل الله

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s