يوميات وحيد #١٨


ذات مساء ذهبنا للترفيه بالسير في محاذاة النهر. بادرتني بالسؤال:
“لماذا جاء يسوع؟”
اجبتها اﻻجابة التي طالما رددناها منذ طفولتنا.
“حسنا، ليخلص الخطاة”.
“اذن يسوع يحبك. هو ﻻ يحب ما نقترفه من خطايا لكنه يحبنا نحن، على ما نحن عليه”.
“اسمعي اني على وشك الوقوع في امر يمكن ان أندم عليه ما بقى من العمر. كل ما في الامر اني ارجئ وقوعه”.
كان النهر يتألق بين الحين واﻻخر بألق شهبي يمرق عينى بصفحته الفضية.
سألت : ما هو؟ لذت بالصمت. الحت فقلت متنصلا: ذلك سر! اتخفي عني سرا؟ لا، لكنك ستعرفين حينها. متى ذلك الحين؟ قلت لك، اني انتظر.
انتظار الرب يعني ان ننتظر تحقيق مواعيده. ﻻبد ان تتروي! اﻻنتظار يحسب هنا فضيلة!
لكن الى متى؟
طالما تحدث داود عن اختباره عن انتظار الرب. الإيمان إذا لم ينتظر فهو ليس إيماناً بالمعنى الحقيقي ولا هو اتكالا على الرب.
وماذا لو فشلت في اختبار اﻻنتظار هذا؟
ﻻ شئ. كل ما في اﻻمر اننا نخسر كثيرا، لكن تعويضات الله تحول دائما الخسارة الى ربح.
ﻻ افهم.
كان على ابينا ابراهيم ان ينتظر تحقيق وعد الله بكثرة النسل. وللوهلة الأولى نرى اسماعيل أن يعتز بالأثنى عشر أبنًا، والمدن التي أطلق عليها اسماء أبنائه، فيما نجد اسحق يندب أمه الحبيبة، ويرى نفسه وحيدًا بدون زوجة حتى سن الأربعين.
ولكنه انجب بعد الزواج.
ليس سريعا. فمع أن الزوجة قد أُحضِرَت إليه لكنها ظلت عاقرا طيلة عشرون عاما.
فترة طويلة ﻻ شك!
لقد انتظر ابراهيم ابي اﻻباء فترة اطول، انتظر 25 عاما.
ابتسمت: اذا لقد نجح في امتحان اﻻيمان او اﻻنتظار!
ﻻ. لقد تزوج بهاجر وكان ذلك سببا في مشاكل كثيرة له.
اوه. الى هذه الدرجة!
صلى اسحق إلى الرب لأجل امرأته لأنها كانت عاقرًا فاستجاب له الرب فحبلت رفقة امرأته.
كم هو جميل أن نجد اسحق ورفقة بعيدين عن الفخ الذي وقعت فيه سارة وإبرام، لإتمام الرغبة في الحصول على الوارث. لم يفعلا شيئا سوى الصلاة.
وراحت نتالي تتمتم بكلمات ترنيمة:
ستبقى لي يا رب راعيا طول الزمان
ستبقى لي حبا يملا كل الكيان.
*+*
ترجلت من السيارة. كنت اجر ساقي جرا وهي في جبيرة الجبس. ورحت امازحها فيما تنادي: الست اعقل من هذا، لم تمر اربعة ايام منذ كسرت ساقك؟
كان الصوت يتقطع. وانا الهث :
انتظري!
بدا صوتي كانه يتقطع، كانما الهواء منهوك القوى ﻻ يقوى على حمله.
وقلت مازحا: ﻻبد لي من الزواج ! هل تعرفت على رجال كثيرين يا نتالي؟ العفة تناقض الطبيعة ﻻنها ضدها.
ﻻ.. انها هي الطبيعة ذاتها.
المغاﻻة ليست فضيلة على اﻻطلاق. كيف ذلك؟!
خطايا الجسد ﻻ تاتي لمن يمارسون الرياضة والعمل والتسلية البريئة لكنها تاتي اوقات الخواء والفتور والكابة.
من المتوقع ان انحرف انسان في جانب من حياته تشوهت الجوانب اﻻخر؛ فالعاطفة والفكر والارادة والجسد متحدة اتحادا وثيقا في كيان اﻻنسان.
الجنس طاقة هائلة تشمل كيان اﻻنسان كله
هذا لا يعطي مبررا لمن تتحرك فيهم الدوافع الغريزية وﻻ يقدرون على كبحها.
ﻻ. صحيح كلما عظمت الطاقة عظمت اﻻستفادة منها. وابتسمت ابتسامة ذات مغزى:
كالطاقة النووية مثلا.
قالت بجدية: ليس معنى للاهدار الا عند الجهلاء. بالفعل، جبال الكحل تفنيها مراود النساء!
*
كنا قد تعبنا من السير بمحاذاة النهر. جذبتها من يدها.
اجلسي !
جلست الى جواري. فتحت حقيبتي واخرجت عدة الصيد. اقترتبت من ضفة النهر والقيت صنارتي. امسكت القصبة باحكام ورحت اراقب وانتظر. لم استطع ان ارى القاع لكن بصري كان ينفذ عميقا..
ثم جاء ثلاثة اوﻻد وجلسوا وهم يرقبون سمكة. استكانت السمكة في الماء ثم ما لبثت ان ابتعدت.
قال اﻻول في حماسة: ليتني استطيع صيدها. كنت ابيعها؟
قال الثاني ساخرا: لن تحصل بها على 5 جنيهات.
لكني سوف اخذ المبلغ الذي تيسر. فانا بالسنارة التي معي استطيع صيد العديد.
راحوا يتحدثون عما سيفعلون وكلهم يتحدثون في ان وحد. باصوات ملحة لجوج. جاعلين من الخيال امكانا، فاحتماﻻ، فحقيقة ﻻ تدحض. شان الناس جميعا عندما تتحول احلامهم الى كلمات. مجرد كلمات.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s