لؤلؤة السلام

ابو يوسف شيخ القرية الجليل الحكيم، وما اكثر ما جاءه شباب القرية طلبا للنصح والمشورة! وقد اضفت تقواه على شيخوخته مهابة كبيرة، ولم تقتصر معرفته على الشريعة، بل كان يدرك روح الشريعة، لانه كان يعرف الله معرفة قلبية، وكثيرا ما نقل افكاره الى سامعيه بقصص مان يذكرها.

انفتح الباب ودخل رجلان يحملان بينهما رجلا، وحدث في البيت جلبة جعلت ابا يوسف يخرج من حجرته ليستطلع الامر، فراى رجلا بالغ الضعف بادي الشحوب يلبس الهلاهيل، وحول عنقه ورقة كتب عليها في سبيل الله“.

سال ابو يوسف:

ماذا جرى لهذا الرجل؟

انه من اولياء الله يا ابا يوسف، امتنع عن الطعام واكتفى بالمشروبات 42 يوما لانه يبحث عن معرفة اعمق بالله.

ولقد اشرف على الموت فحملناه اليك يا ابا يوسف، لاننا نعتقد انك قادر على معاونته.

واعتنت الاسرة بالغريب بضعة اسابيع: قدموا له اولا الحساء الدافئ، وعندما عادت القوة الى جسده اخذ ابو يوسف يجلس معه ويحاوره، وادرك ابو يوسف مشكلة الرجل فسأله:

سأوجه اليك سؤالا لا الحّ عليك في جوابه: لماذا اوقعت العذاب بجسمك، فمنعت عنه الطعام كل هذه المدة؟

اردت ان اعرف المزيد عن الله.

وهل تعلمت شيئا؟

لا شئ! لا شئ اني في حيرة: الناس يقولون اني احفظ الكثير من كتاب الله، ولكنني اشعر بفراغ قاتل في داخلي، كأني غير حي، لقد صمت ولكنه ما زال بعيدا عني جدا.

قال ابو يوسف: احكي لك قصة قديمة تحوي درسا عظيما، واعتقد انك ستحب هذه القصة لانك تشبه بطلها، ولو ان النهاية التي وصل اليها بطل القصة تختلف عما وصلت انت اليه“.

وابتسم الغريب عندما عرف انه سيسمع قصة. فبدا ابو يوسف يحكي:

يريد كل انسان ان يحقق الذروة في هدف حياته، وهدف حياتك الدين:

مرة كان هناك انسانا يهدف الى جمع لالئ ، فقد كان تاجر لالئ ممتازا ولكن كان ينقصه شئ، كان مثلك يشعر بفراغ داخلي.

وكان شعوره بالفراغ يضايقه وذات يوم ذهب ليزور عزيزا احب الاصدقاء اليه وناقش معه مشكلته.

قال لصديقه:

قد يبدو كلامي غريبا يا عزيز، ولكنك تعرف مجموعة اللالئ التي عندي، انها افضل مجموعة في بلدنا. والذي املكه يدخلني في عداد الاثرياء وكان يجب ان اكون مكتفيا اشعر بالشبع“.

هذا صحيح

نعم، يجب ان تشعر بالاكتفاء، ولكن ما فائدة كل هذه الاسئلة الغريبة؟“.

قد ابدو سعيدا، ولكني في اعماق اريد ان ارمي كل جواهري في اعماق البحر، لاحصل على لحظة واحدة من الاكتفاء!”.

وظهرت على عزيز علامات الدهشة وفال:

لست تقول الحق! هذا غير معقول!”.

فقال تاجر اللالئ:

بل اقول الحق كله! فماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله، ولم تكن له حياة في داخله؟“.

هذا صواب. اعتقد انك تفتش عن لؤلؤة السلام

هذه خرافة قديمة!

ربما، ولكن ان كانت اللالئ تشعرك بالخواء والفراغ – فلماذا لا تفتش عن شئ افضل؟ لقد وصلتني اخبار عن شخص يقيم في جزيرة تمبوريقول انه يمتلك لؤلؤة السعادة“.

ان لك من الذكاء ما يمنعك ان تصدق مثل هذا الكلام

وضحك الصديقان وغيّرا موضوع الحديث.

***

وعندما رجع تاجر اللالئ الى بيته في المساء فكر كثيرا في كلمات عزيز، ما اروع لؤلؤة السلام التي تمنح حاملها سلاما!.. ثم نفض عنه هذه الافكار وقال بغصة في حلقه:

قصة فارغة!..”

ولكنه عاد يقول: “وما الضرر من محاولة الوصول اليها؟.. ربما كان الامر صحيحا، يستحق ان افتش عنه.. وخصوصا اني تاجر لالئ“.

وفي اليوم التالي رتب اموره، واستاجر قاربا ياخذه الى جزيرة تمبور” .. وجد الرجل هناك، لكن اللؤلؤة التي عنده كانت مجرد لؤلؤة غالية الثمن ورائعة، تستحق ان يضيفها الى مجموعة اللالئ التي عنده، ولكنها ليست لؤلؤة السلام“. على ان فكرة السلامدفعته لان يفتش عن شئ ذي معنى لحياته.

وجعل يدرس الكتب ليجد الطريق الى لؤلؤة السلام، وقرا عن اشخاص وصلوا اليها فعلا وحصلوا على تاثيرها في منحهم سلام النفس، فقال لنفسه: “يجب ان اجد اللؤلؤة ! يجب ان احصل عليها!”. وحصر الاماكن المختلفة التي قيل ان اللؤلؤة فيها، وودع اصحابه وسافر حول العالم يفتش عنها.

ورجع الى بيته بعد سنة، متعبا واكثر قلقا، لم يجد اللؤلؤة ولم يعرف: لماذا كان مندفعا وراء طلبها، وبعد سنة من البحث المضني العقيم فقد الامل، واصابه الاكتئاب، لان الفراغ القاتل كان يملا قلبه.

وذات يوم وهو يجلس في غرفته في غاية الياس قرع باب بيته قارع، ففتح الخادم الباب، ثم ذهب اليه في غرفة اللالئ. وقال:

يا سيدي، شخص بالباب يقول..

الم اقل لك: انني لا اريد ازعاجا من احد. قل له اني لست موجودا.

ولكن الرجل يا سيدي يسأل هل حقا تريد لؤلؤة السلام؟

هل قال هذا؟ اذن فليدخل. سأستمع الى قصة غبية اخرى.

وانصرف الخادم ، فقال التاجر في نفسه: “هل يدري الزائر ما يقول؟“.

ودخل رجل لم يره التاجر من قبل، وذهب الخادم ليجهز الشاي، وحاول التاجر ان يكلم الزائر، ولكنه لم يجاوب. وبعد وقت من الصمت لم يطق التاجر الانتظار. فقال:

قال لي الخادم انك تعرف شيئا عن لؤلؤة السلام. هل هذا صحيح؟

انا لا اعرف فقط عنها، لكني املكها ايضا!

ومع ان التاجر اندهش لانه وجد اخيرا من يقول انه يعرف اللؤلؤة وانه يملكها، الا انه احتفظ بهدوئه وتطلع بحذر الى ضيفه الغريب. وقال:

هل انت جاد فيما تقول؟ هل حقا تمتلك اللؤلؤة؟

انني امتلكها واريد ان ابيعها لك.

تبيعها لي؟ هل تعني حقا انها معك الان؟

نعم، انا اعرف انك كنت تفتش عنها من مدة طويلة، فجئتك بها. هل تود ان تراها؟

فقال بشغف: “دعني اراها ارجوك!”.

كانت اضاءة الغرفة ضعيفة، فقام التاجر ليحضر نورا اقوى، ليرى اللؤلؤة رؤية افضل، فقال الزائر:

لا حاجة لمزيد من ضوء. عندما ترى اللؤلؤة ستفهم ما اقصد“.

واخرج من حقيبته الصغيرة علبة صغيرة عندما فتحها ادرك التاجر: لماذا قال الزائر انه لا يحتاج لمزيد من النور؟.

انها تعكس الضوء ببهاء كبير كانها هي مصدر النور!

هل تسمح ان امسكها؟

تفضل!

وعندما امسك اللؤلؤة مان كان الحياة تدب منها الى كل بدنه، وفجاة وجد السلام والبهجة يملان كيانه كله! كان هذا فعلا ما فتش عنه .. لؤلؤة السلام..

يجب ان احصل عليها بأي ثمن.

احذرك انها ثمينة جدا!

لا يهمني! لقد فتشت عنها طيلة عمري! كم ثمنها؟

واخذ الزائر اللؤلؤة واعادها الى علبتها، ثم اعادها الى حقيبته، ثم قال: انها تكلفك كل ما تملك!

ولم يقبل التاجر بسهولة ان يعطي كل ما يملك.

كل ما املك؟ مستحيل! لا توجد لؤلؤة تستحق كل هذا!

اؤكد لك ان هذه اللؤلؤة تستحق انها ليست كغيرها من اللالئ.

غيرها من اللالئ لا تشبع حاجة الانسان الداخلية. لكن عندما يبيع الانسان كل ما عنده، ليشتري هذه اللؤلؤة، ويحصل على الحياة التي تنحها فانه لن يعود يطلب مزيدا من لالئ.

نعم.. نعم.. اني اعرف شهرة لؤلؤة السلامولكن كل ما املك؟! اسف. الثمن اكبر مما احب ان ادفع.

اعتقد انك ستغير فكرك. سأعود اليك بعد ثلاثة ايام، لاسالك من جديد، وقتها تكون قد فكرت بما فيه الكافية“.

وافترق الرجلان ومضى الزائر.

وشعر التاجر باحساس غريب بالوحدة، لقد جاء الاكتفاء بين يديه، ولكنه سمح له ان يغادر باب بيته! وجافاه النوم، فخرج الى الشارع قاصدا دكانه.

وجلس في الدكان يفحص لالئه كلها، ويفحص محل تجارته.. “الرجل يطلب كل شئ ثمنا للؤلؤته! الثمن غير معقول!”.

ونظر الى الجانب الذي يشمل معظم لالئه، واخذ ملء حفنته وجعل يفحصها!

وراح يفكر: ولكن هل حقا الثمن كبير؟ ان منظر اللالئ رائع، وهي غالية الثمن، ولكن ما فائدتها ان كانت لا تعطيني الاكتفاء والشبع الذي اريده؟

هذه اللالئ لا قيمة لها في الواقع! بل انها تمنعني عن الحصول على اللؤلؤة الحقيقية التي تهب السلام.

وفي ياس طوح اللالئ الى الحائط وقال: “هذه خداع باطل. لقد تعبت من نصف الحياةالتي تمنحها لي.

ولبس معطفه واغلق دكانه وعاد لبيته وقد عزم على امر.

وفي اليوم التالي بدا التاجر يبيع كل ما عنده. وعندما عاد الغريب ليسال التاجر عن قراره الاخير. اجاب بابتسامة:

افضل الفقر مع السلام على الغنى مع الباطل“.

ووفق التاجر في بيع كل ما يملك، واعطاه للغريب واخذ لنفسه لؤلؤة السلام، ولم يعد قلبه يتوق الى لالئ اخرى، لانه وجد في اللؤلؤة الوااحدة السلام الحقيقي الذي لم تقدر اللالئ الاخرى ان تمنحه، وبقى السلام معه بقية ايام حياته.

وبعد ان انتهى ابو يوسف من رواية القصة سأله الرجل:

انا لا افهم: قلت ان تاجر اللالئ يشبهني. كيف؟

يا ولدي، انت تقول انك متدين، وبرغم ذلك لا تملك سلاما ولا فرحا في حياتك. ان ما تؤديه من عبادة يشبه اللالئ الاخرى. وانت محتاج لان تجد لؤلؤة السلامالتي يعطيها الله وحده للناس.

المحبة الحقيقية

جرى يوما جدال حاد – فقد مات احد الاساتذة في الاسبوع السابق، واخذ صلاح وزملاؤه يناقشون ان كان قد راح السماء ام لا.. ثم جعلوا يسألون عن الاعمال التي يطلبها الله للدخول الى الجنة. كان لكل واحد راي يختلف مع الاخرين، وقال صلاح “بحفظ شرائع الله يدخل الانسان الجنة” وقال تامر “بل باتباع فروض العبادة” وقال شاكر “ان اهم شئ هو محبة الله”.
كان كل واحد يعلن رايه دون ان يسمع للاخرين، وفي ضيق خبط صلاح بيده على المنضدة وقل:
“اني احب الله، ولكني لن احب من يقول مثل هذه الاقوال السخيفة التي تقولونها!”
ومر صلاح ببيت ابي يوسف، اكثر رجال القرية حكمة، وهو يريد ان يعرف ان كان ابو يوسف يؤيد وجة نظره. وحيّاه ابو يوسف بحرارة، وحكى صلاح قصته بحماس ثم سال:
كت هو العمل الذي يجب ان تقوم به لندخل السماء؟
اليس بحفظ شرائع الله؟
وكان ابو يوسف يصغي بانتباه لصلاح.
اذا قل لي ما هي اعظم وصايا الله؟
مكتوب: تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وتحب قريبك كنفسك.
عظيم يا صلاح ستجد حياة الى الابد ان نفذت هذه الوصية دائما.
وراى صلاح بريقا في عيني ابي يوسف، فقال له “هناك شئ تريد ان تقوله لي” ثم قفزت الفكرة الى ذهن صلاح “الوصية تنادي بحب الله حبا كاملا. ولكن ها هو قد فشل في حب الناس، وكان يود لو تشاجر معهم اثناء المناقشة.
ولكن ليس كل الناس اقربائي – اقربائي هم اصدقائي والقريبون مني.
زلم يكن صلاح مستريحا لهذا كله. واراد ان يدافع عن نفسه، فسال من هو قريبي؟ فقال ابو يوسف “اسمح لي ان احكي لك قصة رواها السيد المسيح، بعدها تقرر لنفسك اجابة سؤالك.
ذات صباح كان تاجر مسافرا – وبدأت حرارة الجو تزيد، فشعر بالتعب والارهاق، خصوصا وقد كتن تعب اليوم السابق كبيرا، ولم يكن قد حصل على نصيب كاف من النوم في الليلة السابقة، وفي سفره اخذ يفكر في موضوع “العبادة المقبولة” لانه كاان قد سمع خطبة في المجمع حول هذا الموضوع في اليوم السابق.
محبة الله .. نعم.. يجب ان يزيد حبنا لله – ولا يجب ان يمنعنا عن عبادة الله شئ.
وفجاة سمع صوتا خلفه، فاستدار ليرى مصدره..
اوه، ما هذا؟! .. ماذا؟!
ولم يرى شيئا فتابع سفره. كان قد سمع ان المنطقة التي يسافر فيها موبؤة باللصوص. ولكنه قال لنفسه “اطمئن هذه خيالات.. لا شئ حولك يخيفك” وبدا يقتنع ان لا خطر هناك. ولكن الحقيقة كانت غير ذلط!
دون ان يدري كانت عيون شريرة تراقبه جن وراء تل قريب.
وانتقلت الاشارة .. وكان الخطر يتهدده من امامه..
المئات يسافرون من هنا بدون تعب، فلماذا القلق؟
احيانا اظن ان قلقي مبالغ فيه … اااه
وقبل ان يفكر قفز كثيرون من وراء الصخور يهاجمونه، ضربوه بدون رحمة، وسلبوه كل ما كان معه.. وتركوه ظانين انه مات!
ومضى الوقت بطيئا على الجريح الملقى على الطريق. وعندما عاد الى وعيه جعل يدعو الله ان يمر به من ينقذه.
ومن خلال عينيه المتورمتين راي شبح رجل قادم من بعيد.
الحمد لله وصل العون.
ولما اقترب الرجل عرف انه رجل الدين الذي كان يخطب في المجمع اليوم السابق. وما ان راه رجل الدين حتى قال في نفسه: ما هذا؟ جريح يدمي؟ انا مشغول. لماذا اصرف وقتي الثمين لاساعده؟ غالبا سيموت قبل ان اسعفه. على اي حال، كثيرون يسافرون من هنا، وسيمد له احدهم يد العون.
وثبت نظره الى الامام كأنه لا يراه، وسار على الجانب الاخر من الطريق! ولم يقدر الجريح ان يستغيث، فقد كان خائر القوى. لكنه قال لنفسه: “يخطب فينا عن حب الله، لكنه لا يحب اخوانه البشر”.
ومضى الوقت، وحرارة النهار تزيد. ها هو قادم اخر – وعرف فيه احد رجال الاعمال المشهورين، معروف بتقواه. وتوقع الجريح ان يجد الرحمة، ولكن رجل الاعمال حالما راى الجريح قال في نفسه “هذا من هجوم اللصوص القساة الذين قد يكونون مختبئين هنا. فلاسرع واغادر بسرعة قبل ان ينتبهوا لوجودي”.
وفيما هو يبتعد تناهى الى سمعه انة الجريح “النجدة”. وتطلع الى هنا وهناك بحذر، لم يبالي ولطز حماره، وسار في طريقه مسرعا.
وبدا الجريح يحس بالموت يسري في اوصاله، ودون ان يمد له احد يد العون وقرب العصر راى قادما من بعيد، تعرف عليه حين اقترب منه.
كان القادم الثالث احد اهالي قرية قريبة من قرية الجريج، وكانت العداوة بين القريتين قديمة ومتاصلة منذ عشرات السنوات. كان الواحد منهم لا يحي الاخر بل يشيح بوجهه عنه كلما راه..
وتنهد الجريح باسف عظيم “ضاع كل املي في النجاة! ضاع رجائي الاخير”.
ثم راح في غيبوبة. وعندما افاق راى وجه المسافر الثالث ينحني فوقه وهو يطهر جروحه ويضمدها. وعندما راى الجريح يفيق قال له: “اشرب هذه” وناوله كاس ماء. ولما بل شفتيه ولسانه ساله في صوت متحشرج:
“ولكنك عدوي! و ت.. تكرهني .. فلماذا تعمل هذا الاحسان معي؟”
ونظر المسافر الثالث الى الافق وقال:
“لانك تحتاج الى عوني.. اطكئن واسترح يا صديقي”.
وناوله بعض الطعام ثم اركب الجريح على دابته/ واعتنى به، ونقله الى فندق. وفي اليوم التالي ودعه، ثم دفع لصاحب الفندق دينارين وقال له “ارجوك ان تعتني به، واذا احتجت الى مزيد من المال فعند رجوعي ادفع لك” ووافق صاحب الفندق – وتابع المسافر رحلته.
وعندما انتهى ابو يوسف من رواية قصته قال لصلاح:
“قل لي: اي هؤلاء الثلاثة هو قريب الذي وقع بين اللصوص؟”.
“اعتقد انه الذي صنع معه الرحمة بالرغم من انه عدوه”.
“ان كنت تريد عملا يحقق مطالب شريعة الله فاذهب واعمل ما قلت عنه: اظهر حبا كاملا لله توضحه في حبك الكامل كل يوم لكل الناس”.
راح صلاح يفكر في هذه الكلمات. ضايقه ما قاله ابو يوسف دون ان يدري سبب ضيقه .. ثم ادرك السر. فقال:
“ولكن لا يوجد من يحب غيره حبا كاملا، خصوصا الاعداء، هذا مستحيل!”.
“بالطبع هذا مستحيل لو حاولت عمله بقدرتك الذاتية”
“اذا لماذا يطالبني الله بما يفوق قدرتي؟ لماذا يطالبني بالمستحيل؟”
شريعة الله صالحة، وليست المشكلة في الشريعة. المشكلة فينا. نحن عاجزون، لكن الله قادر على اجراء لمعجزات فينا”.
كيف؟
يا صلاح يا ولدي نفوسنا امّارة بالسوء، والله يريد ان ينزع منا قلب الحجر ليزرع فينا قلبا لحميا يريد ان يعمل مسرّة الله.
تعني ان الله يغير داخل نفوسنا. يمنحنا كيلادا جديدا. كيف يمكن ان يكون هذا؟
قل لله انك عاجز عن تغيير نفسك، وقل له ان يغيرك بقوة عمله فيك، فيمنحك حياة جديدة افضل. والله رحيم يجيب دعوة الداعي اذا دعاه.
وشكر صلاح ابو يوسف وعاد الى بيته، وحينما فتح الانجيل ليقرأ، وجد هذه الاية:
“لاني اعلم ان الصلاح لا يسكن فيّ، اي في جسدي. فارادة الخير هي بامكاني، واما عمل الخير فلا”(رو8). وركع على ركبتيه وصلى الى الله ان يمنحه قلبا جديدا يحبه ويحب به كل الناس.

توكاس.. توراس.. توماس

-1-

انا توراس..

قوي كما ترى. عيناي كلما نظرتهما في مرآة اخاف على المرآة من ان تنفجر وتتطاير شظا، ورأسي لقلة العمل ملئ بالقاذورات، وبطني قد ترهلت وانتفخت لا لاني اعبئها باكثر مما تتسع ولكن لانني اكل كلما وجدت الاكل متاحا لا لاني جائع.

ثم انني عاطل متبطل. تعودت البطالة، اذ يستحيل عليّ ان اجد عملا لسوء سمعتي لدى اصحاب العمل. ولانني اعود لجحري بعد ان يسحب الظلام غطاءه على المنطقة بوقت طويل فانني استيقظ من نومي وقد صارت الشمس في كبد السماء.

هه.. انت. استيقظ. الم تشبع من نومك؟

تنهضني زوجتي من نومي هكذا كل صباح، اقصد كل ظهر، احيانا ترفس جنبي بقدمها الثقيلة..

دعيني يا امرأة..

قم تحرك. اذهب واوجد عملا لك ايها الكسول. استمر في القراءة

اعترافات خاطئة -2

bbf5124fd810fcf95895f4e0dc7436f3

ظروف قاسية:

لم تطل اقامتي في اورشليم. مررت بظروف قاسية، قاسيت الجوع والعري والحاجة المرة. والعار.. لم استطع البقاء لان العار احاط بي. كنت مستعدة ان ادفع الثمن من ذات نفسي ولكن ما ذنب صغيري. لقد تم فيه القول “افتقد ذنوب الاباء في الابناء”. لم يبق لي عيش في المدينة فجمعت متاعي وعدت الى الجليل الى بلادي. لكن عاري – ظل يلاحقني. فقد جاء احد التجار ورأى متجري الصغير الناجح الذي كنت اعمل فيه انا وابني وعرفني. وروى قصتي لجاري ورواها الجار لاخر ولاخر، وانتشر الكلام وشاعت المذمة وعرفت بين الناس باسم “الخاطئة” – رباه ! لقد تبت اليك توبة نصوحا. انت تعرف سرائر القلوب. انت تعرف اني دفعت الثمن غاليا. حقا ان الخطية خاطئة جدا – نعم، ظللت ادفع ثمن خطيتي. ومع اني تذمرت في بعض الاوقات الا اني كنت اراجع نفسي واقول اني استحق. ظل القوم يدعونني بالخاطئة وان كانوا لم يجدوا في مسلكي مأخذا ، لكن عقيدتهم ان المرأة التي تزل مرة لا يمكن ان تتوب ، الله وحده يعلم اني تبت وانني وابني كلانا يأكل من العمل الشريف من عرق الجبين، ولكن الناس لا يرحمون.

بدأ البعض يقاطعون متجري الصغير ويمتنعون عن تشغيلي لكن الله حنن عليّ قلوب اخرين.. فظللنا نعيش … ونشكر. نعم، كنت اشكر الله وان كنت اتذمر احيانا، ان القوم لا يتحدثون عن ماضيّ فقط، ولكنهم يذكرون ان في حاضري خاطئة. نعم انهم يقولون عني “كنت خاطئة” لكنهم يقصدون اني لا زللت خاطئة.

في بيت الفريسي:

مضت مدة طويلة منذ جئت الى الجليل وفي احد الايام سمعت ان المعلم الناصري في المدينة . كانت فرحتي عظيمة جدا. المعلم الناصري في المدينة. انني لم اقدم له شكري يوم اكرمني بغفرانه. لكن ماذا استطيع ان اقدم له، اي شئ لاكافئ ما لقيته منه من احسان. نعم عندي قارورة طيب، لكن ما هي قارورة طيب هذه بالنسبة لحبه العجيب. على ان اخذها واقدمها له. جلت اسأل عن السيد اين هو.

علمت بعد بحث مضن ان السيد مدعو ليتناول الطعام في بيت سمعان الفريسي، اه، سمعان المتكبر الذي يحتقر كل انسان. لا اعلم كيف دعا النجار الناصري الى الطعام. علمت فيما بعد انه دعاه ليجد مأخذا عليه. ذهبت الى بيت سمعان .. كان الباب مفتوحا وكان جيش العاطلين يقصد المكان ليحصل على بعض الخدمات الصغيرة وليلتقط بعض فضلات الطعام. كنا ندخل البيت كما تدخل الكلاب الضالة. كانوا يسمحون لنا في بعض الاوقات وكانوا يطردوننا في اوقات اخرى. ولما دخلت ابصرني سمعان فبصق على الارض ورأيت فمه يتمتم ببعض الكلمات. كان يتعوز بالله مني ومن نجاستي. وقد امر احد الخدام ان يأتي بمبخرة واطلق البخور في المكان حتى يطهره. لاكان على وشك طردي حين رآني اقترب من السيد من الخلف. فتردد وكأنى به اراد ان يعرف كيف يعاملني السيد. كان قد سمع عن السيد انه محب للعشارين والخطاة ويبدو انه اراد ان يتحقق من ذلك.

سمعان والسيد

جثوت عند قدمي السيد وهناك سكبت قلبي. احسست بثقل خطاياي ومرارة نفسي والعار الذي ظل يلاحقني. كنت اخشى اني لم انل منه الصفح بعد، والا لماذا تطاردني كلمة “خاطئة”. وتدفقت دموعي نهرا ملأ وجهي وسال على قدمي المعلم فحللت شعري. نعم شعري، وقد احسست انه اقل من ان استعمله ممسحة لقدميه. تذللت امامه ومسحت قدميه بشعري. كنت اقول في قلبي يا سيدي كيف ابين لك شكري؟ هوذا شعري، زينة رأسي امرغه تحت قدميك. وهوذا الطيب امسح به الهاتين القدمين اللتين تبللتا بدموعي النجسة، وصعد انين من صدري انينا خافتا لم يسمعه احد ولكني اوقن انه قد سمعه ورفعت عينيّ ورأيت سمعان ينظر اليّ شذرا وينظر الى السيد باحتقار وكأنى به يقول. كلا لا يمكن ان يكون الناصري نبيا والا لعلم من هذه التي تلمسه. انها خاطئة. لو كتن نبيا لركلها بقدمه وطلب تطهير المكان من نجاستها.

ورفعت عيني الى وجه السيد ورأيته يضئ بلمعان سماوي تجلى فيه الحب والعطف والاشفاق والتوبيخ وتكلم كما لو كان يجيب على افكار الفريسي. قال:

«يا سمعان عندي شيء اقوله لك». فقال: «قل يا معلم». «كان لمداين مديونان. على الواحد خمس مئة دينار وعلى الاخر خمسون.  واذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا. فقل: ايهما يكون اكثر حبا له؟» فاجاب سمعان: «اظن الذي سامحه بالاكثر». فقال له: «بالصواب حكمت». ثم التفت الى المراة وقال لسمعان: «اتنظر هذه المراة؟ اني دخلت بيتك وماء لاجل رجلي لم تعط. واما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر راسها. قبلة لم تقبلني واما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي. بزيت لم تدهن راسي واما هي فقد دهنت بالطيب رجلي. من اجل ذلك اقول لك: قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها احبت كثيرا. والذي يغفر له قليل يحب قليلا». فقال سمعان : “قل يا معلم”.. وتكلم السيد

اتنظر الى هذه المرأة لقد دخلت بيتك وماءا لاجل غسيل رلي لم تعط اما هي.

وثبت من مكاني بابتهاج وانا اهتف “مجدا لله. اني لست بعد خاطئة. انا مبررة. غفرت خطاياي الكثيرة.”

==

اعترافات خاطئة -1

اعترافات خاطئة -1

 

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%a6%d8%a9-1

دفنت زوجي اول امس، سقطت عليه شجرة في الغابة وقد حمله رفاقه الى البيت، كان يتنفس بصعوبة ولكنه ما لبث ان اسلم الروح وتركني بلا عون انا وطفلي الصغير. واساني جيراني، كانوا يفتقدونني كل يوم ويحملون اليّ الطعام. كنت اظل طول اليوم لا اتناول شيئا، ولكني كنت اكل مع بعض الجيران وظل ذلك حالي طوال اربعين يوما. كنت اجد شيئا من العزاء في الرفقة الطيبة ولكنها انتهت بانتهاء الاربعين يوما. لم يأت احد لزيارتي بعد ذلك. كنت وزوجي من الجليل وقد جئنا الى اورشليم على اننا لم نلبث طويلا حتى حدثت مأساتي. لم يكن لي اهل في المدينة الكبيرة. لا اب ولا ام ولا اخ ولا اخت. كنت وحيدة مع طفلي.

مرت عدة ايام ونحن نحاول ان نجد في بقايا الطعام الذي حمله الينا ما يقوم بسد رمق الحياة ثم بدأنا نجوع. استطعت انا ان احتمل ولكن طفلي لم يستطع. كان يصرخ طول النهار والليل كسرة يا امي ، كسر صغيرة. انا جوعان ! انا جوعان!

اضطررت ان اقترض من الجيران وانتى بي الامر ان اطرق الابواب واستعطي ولكني فشلت لاني لست خبيرة في فن التسول، فكرت ان اقتل نفسي، لكن ماذا يعمل لطفلي، اواه هل منقذ؟

الاربعاء..

مرت ثلاثة اسابيع هي فعلا ثلاثة قرون. احسست اني قد بلغت سن الشيخوخة. لم اعد افكر في الحياة. عمري لا يزيد عن العشرين. لا ازال احتفظ بمسحة من الجمال. يمكن ان اكون زوجة. لكن من الذي يتزوج من ارملة ام لطفل، من؟

طرق بابي شاب من الجيران قال انه سمع صراخ الولد وسمع صوت نشيجي وعلم اننا جياع فاحضر شيئا من الطعام. كدت اهجم على الطعام لا لاجلي لكن لاج الطفل ومنعت نفسي. قلت ان عندنا طعاما كافيا. لكن الطفل تقدم بجرأة وتناول شيئا من الطعام وجعل يأكل بنهم. وترك الشاب الطعام وانطلق في سبيله وعاد في اليوم التالي واليوم الذي يليه، بل ظل يجئ مدة كان يضع الطعام وينطلق بدون كلمة غير كلمات التحية العادية. لا شك انه ملاك.

بعد شهرين

مر شهران كاملان مذ جاءنا هذا “الملاك” اول مرة، وقد جاء اليوم يحمل بعض الفاكهة وقدم للطفل شيئا منها. ثم جلس يلاعبه واستأنس طفلي له. وبعد نصف ساعة خرج الشاب ولكنه جاء في اليوم التالي والذي يليه ، وكان طفلي يتعلق به فيضطر للجلوس معه مدة ثم يغادر!

وجاء يوما يحمل لنا طعاما شهيا فوقفت اشكره وملت على يده فقبلتها، وقد حاول ان يسحب يده لكني اصررت على تقبيلها ورد هو القبلة على جبيني.

واعتدت ان اقبل يده كل يوم وهو يقبل جبيني. لقد غلبني الحياء في المرة الاولى ولكني اعتدت على ذلك. قبلة من “ملاك” لاخته!

وجاء يوم طالت فيه جلسته مع الولد ومعي، وفيما هو خارج سرت معه الى الباب واخذت يده لاقبلها فمد يده واحاط خصري وقبل جبيني كالعادة. وظلت هذه عادته الى ان جاء يوم انزلقت قبلته الى وجهي، ثم جاء يوم احتضنني فيه وانزلقت قبلته الى فمي!

بعد ستة شهور..

تأخر في المجئ . جاء الغروب ، قال انه سيتناول العشاء معنا، واكلنا معا، و”شربنا” وحملت الطفل الى فراشه، وعدت اليه لاودعه وتهيأ للقيام ولكنه لم يتجه نحو الباب… “وسقطت”. في تلك الليلة بكيت وبكيت وبكيت. اذن لم يكن ملاكا. لقد جاء بالطعام ولكنه تقاضى ثمنه وكان الثمن غاليا. اما هو فجعل يواسيني ويمنيني بالزواج ، فقط في الوقت المناسب. ولم يمتنع عن المجئ بل زاد مجيئه في الظهر والعصر والمساء. وفي احدى الامسيات قضى الليل معي، واصبح يأتي فعلته كأن له الحق فيها، اما انا فكنت في كل مرة اجثو على ركبتي واظل ابكي حتى تجف مآقي!

وقد بلغ به الامر ان جاء في صباح يوم ، وصمم ان يأتي فعلته في الحال بعد ان ارسل الطفل الى الخارج ليلعب مع الجيران. وفيما نحن في الفراش، “في ذات الفعل”، هجم علينا جماعة من الجيران فوثب من المكان وقفز من النافذة وقد تركوه يهرب وامسكوا بي وجعلوا يضربونني على كل اجزاء جسمي حتى امتلأ جسدي الضعيف بالجروح. وتمزقت ثيابي واصبحت عارية تقريبا. ثم اخذ يسحبونني سحبا وهم يضربونني الى ان وصلوا الهيكل وفي الدار الخارجية كان المعلم الناصري ، كنت قد سمعت عنه كثيرا – جالسا يعلم وحوله عددا غفرا من الناس – واوقفوني امامه عارية ممزقة الثياب. كنت صورة للعار المتجسد.

اه! ليتهم قتلوني. ليت الارض تنشق فتبتلعني. ووضعت احدى يديّ على وجهي واليد الاخرى اغطي بها عريي، وكنت احس اني في دوامة. متى تنتهي يا رب؟

وسمعت القوم يصرخون، لم اتبين صرخاتهم في اول الامر ولكن عندما دققت السمع سمعتهم يقولون: “يا معلم، هذه المرأة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى اوصانا ان مثل هذه ترجم. فماذا تقول انت؟”.

انا لم اعلم لماذا جاءوا بي اليه هو. انه ليس رئيسا ولا قاضيا ولا صاحب سلطان، ولكني علمت فيما بعد انهم قصدوا ان يضعوا له شركا. انهم ما كانوا يستطيعون ان يرجموني. لكن ليتهم فعلوا ذلك!

كان عاري نارا تلهب كل جزء في جسدي ونفسي. كنت واقفة في خزيي عارية امام الجميع، وكانت النظرات الشريرة تلتهمني. ان بين المشتكين علىّ من كانوا اشر مني، ومنهم من حاول معي في اول ايام نكبتي، ونت اذ ذاك في دموعي نقية اما الان فانا كتلة عفنة اقذر من الوحل!

على اني لمحت السيد، انه لا ينظر اليّ كما ينظر الاخرون وايضا رأيت العطف مجسما في وجهه، بل رأيت دموعا في عينيه، كان جالسا على درجة من درجات السلم القليلة الصاعدة الى الهيكل ، وكان منحنيا الى الارض يخط بيده سطورا لم اتبينها على الارض. كان صامتا فيما هم يتكلمون ويضجون، وظل صامتا .. فلما طال صمته عادوا يكررون كلامهم السابق: “يا معلم، هذه المرأة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى اوصانا ان مثل هذه ترجم. فماذا تقول انت؟”.

واذ ذاك انتصب وقال لهم من منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر. هل ترى هل يجسرون ان يرموني بالاحجار التي في ايديهم؟ هل يجسرون وكلهم زناة  شيوخهم وشبابهم. نعم كلهم. ان ذنبي عظيم. لا اجد له مبررا، لن اقول ، الجوع او الوحدة او الضعف. كلا انا زانية. اثمة شريرة. انا استحق العار الذي انا فيه. انا لا ادينهم ولكن ضمائرهم دانتهم. لم تكن لهم ظروف تدفعهم نظيري الى السقوط، ولكنهم كلهم توحلوا في الحمأة، على انهم لم يمسكوا في ذات الفعل نظيري. ربي، انا لا ادينهم ولا ابرر نفسي. انا استحق العار الذي لحقني! اني استحق اكثر منه! استحق الموت!

لقد همس الشيطان في اذني ان اصرخ في وجوههم، بل ابصق على وجوههم. قولوا لي ايها المنافقون، هل جئتم تحاكمونني على شر انتم متوحلون فيه. ايها القديسون الزائفون ، لقد بعت جسدي لقاء لقمة لي ولصغيري. واما انتم فبعتم اجسادكم بلا ثمن. كدت اخضع لهمسات الشيطان لولا اني عدت لنفسي ورأيت بشاعة اثمي وفداحة جرمي. ومن انا المرأة التعسة التي امسكت وهي تزني بالفعل لتحم عليهم؟

على ان كلمة اليد كان لها تأثيرا عجيبا. لقد كشفتهم. لقد رأوا انفسهم عرايا. رأوا خزيهم مجسما امام اعينهم. والنتجة انهم تركوا احجارهم وتركوا المكان راكضين . كنت اراهم وهم يركضون . اما السيد فكان كأنه لم يلحظ شيئا لانه بعد ان قال كلماته انحنى الى الارض وكان يخط باصبعه في التراب. وبقينا نحن الاثنين وحدنا، النقاوة المجسمة في شخصه والنجاسة الممثلة في شخصي. الله والخطية!

فكرت ان اخرج مع الذين خرجوا ولكني لم استطع ان اتحرك. كنت احس ان في ذلك الرجل المنحني الى الارض قوة لا قبل لاعظم قوة ان تتحداها، نعم بقيت وحدي واقفة. ومن الغريب اني احسست امامه بأن ذنبي جعل يكبر ويكبر حتى ملأ المكان. احاطت بي خطيتي من كل جانب.

واذ بالسيد ينتصب ويقول “يا امرأة اين هم المشتكون عليك. اما دانك احد؟”

فقلت: “ولا احد يا سيد.”

فقال لي “ولا انا ادينك ” وصمت قليلا ثم قال “اذهبي ولا تخطئي ايضا”

سقطت على الارض قدامه. حاولت ان اقترب الى قدميه لاقبلهما، ولكني احسست انه لا يجوز لي ان ادنس قدميه بشفتيّ القذرتين . ظللت منكفئة على الارض. عاجزة عن الحركة. ولكنه مد يده واقامني ثم نظر الي نظرة مليئة بالدموع وقال اذهبي ولا تخطئي ايضا”.

في البيت

لا اعلم كيف عدت الى البيت. كلا. لا اعلم. ولكني حين عدت وجدت صغيري ممرغا في التراب وهو يبكي. جميع الاولاد اجتمعوا حوله وسبوه باقذر الشتائم وفتحت النساء نوافذ البيوت ومظرن بازدراء اليّ انا الزانيا التي امسكت في ذات الفعل – شتان بين نظراتهن ونظرته هو- اني اسامحهن فقد سامحني. لقد قال لي “وانا لا ادينك. اذهبي ولا تعودي تخطئ ايضا”. ومن انا حتى ادين؟ لقد سامحني بالاكثر، لقد عفا عن اشنع جريمة تأتيها امرأة فهل احقد انا بسبب اساءات صغيرة. كانت مسامحته اقسى على قلبي من الدينونة نفسها. ليته ركلني بقدميه. ليته نعتني بشر النعوت ولكنه سحقني بمحبته. لم يبق فيّ  شئ . ذاب قلبي وكذا لحمي . لم يبق من شئ. هل يمكن ان يكون هذا . ان ينظر اليّ نظرة المحبة المقدسة ، الحنان الطاهر، الغفران الكامل.

لقد احاطني جيراني بنظراتهم الكمحتقرة وشتائمهم القبيحة وسخريتهم اللاذعة . احاطوني بجحيم من الكراهية والازدراء ولكني سامحتهم. ليس في قلبي ضغينة ضد واحد منهم. لقد سامحني هو عن الكثير فهل عجيب ان اسامحهم على القليل؟ يا رب اغفر لهم كما غفرت لي!