
أعرف أن هذه القصة ربما تبدو غير مألوفة عند البعض، ولكن قصص الخيال العلمي ما زالت تجذب اهتمام الكثيرين. وهذه قصة عن “القوانين الثلاثة” للروبوت (الانسان الالي)، وبما جاء في الكتاب المقدس عن وصية المحبة. الى الان الكثير منا مفتون بالذكاء الصناعي ومنبهر بالروبوتات خاصة وما يمكن ان تقوم به من اعمال وما تبديه من ردود افعال لا يمكن التنبؤ بها، مما يشكل تحديا للبشر الذين وجدوا أنفسهم أحيانا لا يستطيعون السيطرة على إبداعاتهم.
والقصة تستند على رواية قديمة من تأليف اسحاق اسيموف انتجت في السينما في الفيلم الشهير- الروبوتات The Robots. اعتقد أنه من الافضل ان اقدم الرابط في نهاية السرد في حال ما اذا كنت ترغب في قراءة القصة كلها (حوالي 20 صفحة طويلة) باللغة الانجليزية. وفي القصة التالية يذكر اثنين من آيات الكتاب المقدس مع القوانين الثلاثة لاسيموف. و هذه الآيات وردت في العهد الجديد في إنجيل متى 22: 35-40 ومرقس 12: 28-34، ووردت ايضا بنفس النص فى تثنية 6: 4-5 وسفر اللاويين 19:18.
وفيما يلي مقتطفات من القصة التي اعترف باني قد قضيت وقتا أكثر في ترجمتها عن أي من قصصي السابقة. أنا متأكد من أنها لا تزال بحاجة إلى الكثير من التنقيح، ولكن سأترك الامر لمن يقرأ ان يشاركني في تعديلات يمكن أن اقوم بها لتخرج بشكل أفضل.
مقتطفات من رواية “الروبوت الذي أحب الله”:
كان الاستاذ (نوح) هو وفريقه التقني بالشركة قد انتهي للتو من صنع نموذج لاحد الروبوتات (الذي اسموه جورج). وكان الاستاذ قد قام باخضاع الروبوت لعديد من الاختبارات طوال اسبوع كامل، كانت الاختبارات تشمل طرح اسئلة على الروبوت وتقييم اجاباته وردود افعاله اثناء الاجابة. ولكن الاستاذ قرر اليوم أن يستكمل حواره (يقصد اختباراته) مع الروبوت، لذا فقد دعاه الي مكتبه رغم اجراء الاختبارات عليه لساعات عديدة في غرفة المحاكاة، و”اثناء تناول القهوة” (الاستاذ فقط هو من شرب القهوة) حاول ان يعرف انطباعاته من الاختبارات التي اجريت عليه سابقا.
دخل الروبوت الى مكتب الاستاذ في خطوات منضبطة وبدى كجندي استدعى من القائد ولكن بدلا من القاء التحية قال:
– “أنا أعلم أنك ستدخلني وضع التعطيل (عدم التشغيل) يوم الأربعاء المقبل، سيدي”
كان الاستاذ يقرأ بصوت مرتفع من ورقة تحوي قائمة بمبيعات الروبوتات في شركته. وتابع الروبوت قائلا:
“وأتساءل لماذا تود معرفة ملاحظاتي، في حين انه بعد ما يقرب من 72 ساعة، سيقوم الفريق التقني ببدء الفحص الشامل لجميع أنظمتي.”
ترك نوح الورقة من يده والتفت الى جورج:
– حسنا، لقد تعلمت الكثير من محادثتي لك يوم الخميس الماضي، يا جورج، ولكني من فرط انشغالي بالاختبارات التي اجريت عليك، لم أسألك عن انطباعتك بخصوصها.
في الواقع كان الاستاذ يستمتع بهذه المحادثات، التي تبدو غريبة بالنسبة له. حاول عدم الكشف عن “شغفه” هذا، امام الروبوت لعلمه بقدرته على تقليد السلوك البشري، ولكن بعد التواصل الكثير معه في الأيام القليلة الماضية، كان يحب كنوع من التسلية أن يتحاور مع آلة، لا سيما انها من افضل التصميمات بشركته.

– “انها مسألة مثيرة للاهتمام، يا سيدي”. اثار جورج من الرد الانطباع كما لو كان أحد معارف الاستاذ بدلا من كونه مجرد آلة. واستطرد قائلا:
“من وجوه عديدة، وجودي في الدنيا حديث العهد جدا، وكل تجربة مررت بها كانت فريدة من نوعها، تقريبا يمكنني أن أسميها مغامرة. أنني لا اقصد بالتجربة الحالات العاطفية مثل البشر، ولكن كل صباح عندما يتم تشغيلي وأخرج من وضع السكون، يمكنني أن اصف حالتي الأولي بحالة من الترقب. اذ إنني اتساءل من هم الناس وما هي الأحداث التي سوف تصادفني في هذا اليوم !
– حسنا يا جورج، لقد فاجأتني بمعرفتك بموعد التعطيل الوشيك. فاخبرني اذا! بماذا شعرت عند معرفتك ذلك؟
أي شخص آخر غير الاستاذ ما كان يسأل جورج هذا السؤال. نوح يعلم انه كان يتحدث إلى الروبوت، مجرد آلة مبرمجة، ولكن جزءا من نوح يجعله يشعر وكأنه يسأل شخص مريض بمرض عضال عن شعوره عند اقتراب الموت (على الرغم من أن “الموت” في جميع الاحتمالات، سيكون مؤقتا في حالة الالة). ومع ذلك، يبدو ان الاستاذ اعتقد انه يشارك جورج في شعوره بالمغامرة، اذ ان التعطيل (والتشغيل في نهاية المطاف) سيتم في خطوة واحدة فقط، وإن كان مقررا.
اجاب جورج:
– من الصعب الاجابة على هذا السؤال يا سيدي، أعتقد أن أي إنسان ينظر للتعطيل كصورة من صور الموت، وبرمجتي تجعلني ادرك أن البشر عامة يخشون الموت.
توقف جورج لجزء من الثانية بينما حاول الاستاذ ان يحلل في وجهه دلالة التعبير ولغة الجسد . اضاف جورج:
– “لكني مجرد الة. يمكن تشغيلها، وتعطيلها، ثم تشغيلها مرة اخرى وهكذا الى ما لا نهاية. ليس لدي أي ذكريات عن أي شيء قبل تشغيلي الأول. ليس لدي ذاكرة عن الوقت الذي يمر عليّ وانا في وضع السكون. أنا أيضا لا اشعر بالخوف، على الأقل أنا أفهم معنى الكلمة. التعطيل ببساطة يعني لي العودة إلى حالة من عدم الوعي “.
شعر الاستاذ شعورا طفيفا بالراحة، وعلى الرغم من أنه يمكن أن يكون غير منطقي للاعتقاد بأن جورج لديه أي مشاعر بشأن هذه المسألة.
واصل جورج كلامه، “إن القانون الثالث يوجهني لحماية وجودي، ولكن التعطيل لا يهدد وجودي. القانون الثاني يأمرني بالانصياع لتعليمات الإنسان، وبرمجتي التي قام بها البشر والتي استغرقت 168 ساعة، تأمرني بالمشاركة في التعطيل. ومن الواضح أن التعطيل هو من تجربتي العادية مثل التنشيط تماما، يا سيدي “.
للحظات يضع الاستاذ في اعتباره أن الروبوت يمكن أن يكذب، إذ ان اي بشري سيفعل هذا في حالة توقع من شخص “التهديد” (التعطيل) او غير ذلك. ولكن لماذا يكذب جورج؟
نهض الاستاذ من كرسيه ومشى إلى طاولة جانبية ثم صب لنفسه كوبا آخر من القهوة. استغرق هذا لحظات كان متاحا لجورج خلالها عمل ممسح ضوئي لجميع الأوراق والأشياء على مكتب الأستاذ لتحديد ما إذا كان هناك أي تغييرات منذ اليوم السابق. التي كان قد حفظها وفهرسها بالفعل مع كل من عناوين المجلدات المختلفة الموجودة على رفوف الكتب في مكتب الاستاذ. وكانت مجرد بيانات يخزنها ويقوم بتحليل ما فيها، مثلما يفعل بازاء أي شيء آخر.
رأى الروبوت ورقة بمعلومات جديدة ملقاة بجانب كتاب اعتقد انه لم يراه من قبل. كانت الورقة بها كلمات وأرقام كما يلي:
“أحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك”(تث6: 5)
” لا تنتقم، ولا تحقد على أبناء شعبك، بل تحب قريبك كنفسك. أنا الرب.”(لا19: 18)
الكتاب الذي لم يكن موجودا قبل زيارته عنوانه “الكتاب المقدس” باللغتين الإنجليزية والعبرية (تشمل برمجة جورج لغات متعددة).
عندما استدار الأستاذ وعاد الى مكتبه وهو يحمل في يده فنجان ملئ بالقهوة الساخنة، لاحظ ان الروبوت ينظر في ورقة من مجموعة اوراق أمامه، ويبدو انه مستغرق في المعلومات التي امامه . استمر ذلك أكثر من الثانية قبل ان يجلس منتظرا الاستاذ ان يستأنف حديثه، ويستأنف صرير كرسيه الدوار.
اشار الروبوت باصبعه الى الكلمات في الورقة وهو يقول:
– “أشعر بالفضول، سيدي. ما هو معنى الكلمات على الورقة، وما هو هذا الكتاب الذي بجانبها”، وأشار جورج إلى الكلمات التي قرأها.
انحنى الاستاذ ورأي ما كان يشير إليه:
– “أوه”. وجد الاستاذ بسرعة وسيلة لصياغة اجابة اعتقد ان جورج قادرا على استيعابها.
– “لديك يا جورج ثلاثة تعليمات أساسية والعديد وبضعة الاف من اوامر الدعم الفرعية تتولى توجيهك. هذه ليست سوى اثنين من التعليمات التي توجه لي. هذا الكتاب الذي اشرت اليه يحتوي علي الكلمات التي تسمح لي بالتواصل مع صانعي (يقصد الله تبارك اسمه).
جلس جورج بدون حركة ولم يظهر على وجهه علامات تنم عن استيعابه، وقال:
“أنا منبهر حقا، يا سيدي.” ثم اضاف: “لقد تم برمجتي بالقوانين الثلاثة التي وضعها البشر. فمن أين أو من هو الشخص الذي تتلقى منه البرمجة الخاصة بك، يا سيدي؟
فكر الاستاذ في نفسه بنفس القدر الذي كان يكلم به الروبوت:
– جاء الوقت الذي نرى فيه آلة تسأل انسان عن الله!.
ثم أدرك الأستاذ ان الروبوت ينتظر جوابا، فاستطرد موضحا – وعلى ما يبدو انه كان من المستحيل تقريبا ان يحتفظ بالتفكير في جورج باعتباره “الة” وليس انسان- محاولا أن يلقنه ما لم يكن يعلمه. فقال:
– “اسمع يا جورج! حين قمت انا والعاملين بشركتي بصنعك انت تحديدا، قررنا أن تشمل تفاصيل البرمجة الخاصة بك مجموعة كبيرة من المشاعر الإنسانية والموضوعات، والعلوم مثل الفيزياء وعلوم الحياة، والعلوم الاجتماعية، والنظم السياسية، ثم التاريخ…”
قاطعه جورج بصوته الاصطناعي:
– أنا على علم كامل بالبرمجة الخاصة بي بالتفصيل، سيدي.
تساءل الاستاذ ما إذا كان الروبوت قد نفذ صبره من الاطناب الذي استخدمه في اجابة سؤاله، اي ان الروبوت اختبر فعلا نفاد الصبر بما تحمله هذه الكلمة من معنى. ثم استأنف حديثه قائلا:
– ولكن ما لم تشمله برمجتك، في أبسط المستويات، كانت معلومات بشأن الدين والروحانية.
ثم توقف للحظات ليرى كيف سيكون رد فعل الروبوت الذي اجاب على الفور:
– “لديّ تعريف بسيط لكلمة “الدين” من القاموس.. إن الدين هو “الاعتقاد بوجود إله أو مجموعة من الآلهة.. وهو ايضا نظام لتنظيم المعتقدات والطقوس، والقواعد المستخدمة لعبادة الإله، من قبل شخص أو جماعة “.
– “ولكنك لم تجب على سؤالي، يا سيدي”.
شعر نوح بخجل للحظات في تذكير الالة له .. “لقد تم برمجتي بالقوانين الثلاثة التي وضعها البشر، وتحديدا في شركتك. هذه القوانين هي التي توجه أعمالي وأفكاري “.
تساءل نوح عما إذا كان لدى جورج “أفكار” بمعنى التأمل الذاتي بنفس الاسلوب الذي يختبره البشر.
بدلا من انتظار رد نوح، استمر جورج في التحدث.
-“سيدي، كل القوانين الثلاثة تتعلق إما مباشرة أو عن طريق الاستدلال على علاقتي مع البشر. القانون الأول يوجهني أن حياة إنسان هي موضع اهتمامي الرئيسي والأسمى فوق كل الاعتبارات الأخرى. على الرغم من أنه لم يحدث ان اكون سببا في ضرر أي كائن حي. في حالة البشر، لا بد لي من تجاهل جميع الأنشطة الأخرى من أجل اتخاذ إجراءات فورية حينما أرى الإنسان معرض لأي خطر جسدي وشيك “.
والحقيقة انه قبل وقت طويل عندما قام نوح والفريق التقني المساعد بصنع اول عقل صناعي قاما بكتابة مجموعة الاوامر الفرعية التي من شأنها توجيه الروبوت فيما يتعلق بالضبط ما هو “الضرر” بالنسبة للإنسان ، خلاصة ما وصلوا اليه هو أن أي تهديدات وشيكة ينبغي أن يكون الروبوت يفهم بأنه “ضرر”. والبشر يتأذون بكل أنواع الأشياء مثل الشعور بالوحدة، والرفض، والاساءة. حتى نوح لا يمكن أن يتصور كيف يمكن لروبوت، حتى ولو كان متطورا مثل النموذج الجالس أمامه الان، يمكنه فهم ما يعنيه هذا الضرر..فعند برمجة الروبوتات التي صنعها من قبل، لم يرد لها ان تقحم نفسها في المقام الأول في مجال التفاعلات الاجتماعية وتاريخ العالم، التي تحتوي على كل ما يشير إلى مساوئ النظم المختلفة بما في ذلك تأثيرها في بعض الأنشطة البشرية والا تدخلت هذه الروبوتات في الصراعات السياسية والعرقية مثل الحرب، والرق، بدون توجيه الانسان. فضلا عن مجالات اجتماعية مثل العدالة والتبشير، والأنشطة الخيرية. ومع ذلك، معرفته سطحية إلى حد كبير وليس لديه القدرة على تقديم تحليل مفصل، وبالتأكيد غير قادرة، في الوقت الحاضر، على ربط معرفتها الضئيلة حول هذه الموضوعات. كما انه لا يريد للروبوتات ان تحاول زج أنفسها في الأنشطة التي تنطوي على احتمال احداث أذى عام للجنس البشري، فالروبوتات المستخدمة في منظمة العفو الدولية قد تحاول التدخل في الصراعات الجغرافية السياسية والثورات، والأوبئة دون أي توجيه بشري.
لم يستغرق الأمر سوى بضع ثوان للأستاذ للنظر في كل هذا. وجورج كان لا يزال يتحدث.
– “ينص القانون الثاني ان الروبوتات يجب أن تطيع الأوامر من أي إنسان، إلا إذا كانت هذه الأوامر تتعارض مع القانون الأول. هذا يقود الى ان البرمجة يجب أن تأتي من إنسان، أي إنسان. أجد صراع هائل منذ ذلك الحين، ففي بيئة مفتوحة، الإنسان قد يأمر الروبوت لأداء عمل معين، وإنسان آخر قد يأمر نفس الروبوت للقيام بالعكس “.
قال نوح وقد اوشك صبره ان ينفذ :
– “هناك إجراءات فرعية تأخذ إمكانية حدوث هذا في الاعتبار، يا جورج.”
اضاف “لكن أنا لم انتهي، يا سيدي، من عرض فكرتي” مثّل هذا لنوح صدمة خفيفة أن بامكان جورج في الواقع أن يقاطعه.
– “القانون الثالث يؤثر في المقام الأول مع علاقتي بنفسي.”
لم يعد هناك أي شك عالق في ذهن نوح أن جورج كان على علم بعلم النفس.
– “الروبوتات ستحمي وجودها ، إلا إذا كان هذه الإجراءات من شأنه أن تتعارض مع القانونين الأول والثاني”.
كان من المستحيل بالنسبة لجورج تغيير “نبرة الصوت”، ولكن بدا نوح انه استطاع ان يكشف عن انطباع جورج … ما اذا كان… بالفعل عاطفة؟ هل يمكن إسقاط مشاعره الخاصة على هذه الالة؟!
– “وفي الختام، كل تعليماتي تضعني في موقف تابع لللبشر، والتي أفترض انه يبدو معقولا، كما نرى كيف أن كل من وجودي الجانب، من الأجهزة إلى البرمجيات إلى ما يشار إليه باسم” الجهاز العصبي.. في ظل هذه الظروف، لم يخطر لي أن البشر أيضا يتلقون التعليمات الصادرة عن سلطة خارجية، إلا بمعنى قيادة هرمية مثل تلك التي أجد هنا على العاملين بالشركة ، في مختلف الفرق والأقسام من الشركة الوطنية للروبوت، في مثل هذه المنظمات وغيرها من الشركات، بما في ذلك المنظمات العسكرية. إن التعليمات الواردة في البرمجة تحدد علاقة الصانع / المصنوع، بأن الصانع رئيس، والمصنوع مرؤوس. لكن يا سيدي، كيف يمكن للإنسان أن يكون له خالق؟ أي كيان يمكن أن تكون متفوقا على الرجل؟ ”
كان لدى نوح إجابة من كلمة واحدة فقط هي “الله”.
منقول عن موقع تأملات صباحية
ترجمة بشرى رشدي
موضوعات ذات صلة:
https://mymorningmeditations.com
الغريب الكامل
كلانسي
رسالة الى الملحدين
قيّم هذا المحتوى من فضلك: