مولوكاي – 1

molokai

كان توهج الشمس المقرون بهبات النسيم القادمة من البحر الشاطئ يثير غلالة من الرذاذ الرطب تحبس الانفاس. وكان الضوء الذي يسقط مباشرة على ارض مملوءة بظلال اشجار المانجروف الملحية يعطي الناظر شعورا كاذبا بالعظمة الهادئة المتأملة. على قمة ربوة مطلة على شاطئ البحر وقف الاب دميان ، وراح يتأمل في المنطقة حوله، ماحيا خطوطها العريضة، دافنا اشكالها في اعماق العقل كأنها جبل شامخ. ثم فجأة وقع بصره على فتاة انطلقت في سفح الربوة تعدو، بينما يعدو وراءها اثنان من رجال الشرطة يحاولان الامساك بها.

– “اذهبوا إلى الكاهن” قال الضابط لشرطيان اخران ، بينما ظهر في سفح الجبل الفتاة تركض حتى وصلت الى الاب دميان ثم بصوت متوسل قالت:

– ابي, ابي! من فضلك اخفيني.

التفت الاب خلفه فرأى الشرطيان يعتليان صهوات حصانيهما يتجهان نحوه. فبسرعة ازاح بالقرب منه كمية من الحطب والقش وخبأها اسفله. حين وصلا الرجلين لامس احدهما باصبعه حافة قبعته وانحنى وهو يحي الاب:

– مرحبا ابي! .. اين هي الفتاة؟

– انا اعمل..

كان الكلب اسرع من اجابة الاب فقد توصل الى مكان الفتاة وراح ينبح بقوة. اسرع الرجلين فسحبا الفتاة من اسفل الكومة.

اوقفت الفتاة امامه. راح الضابط من قامته الطويلة يحدق في الفتاة ثم هز رأسه وهو يقول:

– إنها قد أصيبت بالبرص.

ثم تابع كلامه بنفس الهدوء: ستختبرين مرة أخرى في هونولولو. إذا كانت سليمة، سيتم إطلاق سراحها.

قال الاب وهو يهتف:

– هنا يسمونه الجذام. لكنه ليس الجذام على الإطلاق.

ولكن ما من احد كان يبالي بما يقول.

-2-

في العيادة وقفت الفتاة لاجراء الفحص الطبي عليها. كانت ترتدي ثوبا كتانيا فضفاضا، وقفت منتصبة وكانها تمثال من قد من رخام. ومن الصعب ان تدرك ما كانت تفكر فيه. من الواضح انها كانت تريد شيئا بسيطا. ابسط المستحيلات. وكان الموقف مخيفا فلم يرى منها سوى ابعاد ثوبها الكتاني الفضفاض، ووجهها البيضاوي الصغير، ولألأ اسنانها البيضاء، وعينيها السوداوين الواسعتين وهما متجهتان الى الطبيبين. تجعلك نظرتها الزائغة تتساءل هل هى عمياء، ام هى شعاع فقد طريقه في فضاء الكون. كانت اكثر استغلاقا على نفسها، وهي، على ما هي عليه، من جهل الطفولة وبراءتها. تجعلك تتصور الصورة التي كانت في ذهنها عن العالم الخارجي، التي كانت لا تعرف منه الا انها فتاة غدر بها المرض.

جلس الطبيب الى مكتبه يسجل نتيجة الفحص. بينما طبيب اخر راح يفحص الفتاة. كان يمسك بعصا رفيعة وضعها على كتف الفتاة وازاح بها طرف ثوبها المشقوق عند رجليها. كان جل اهتمام الطبيب الموضع الذي يتكشف من جسدها ليقرر بعدها ما اذا كان ما يراه من علامات المرض على جلدها، هو للجذام ام مرض جلدي اخر. بعد لحظات تنهد وهو يخاطب رفيقه:

– هذه الفتاة عندما تم فحصها لأول مرة، كان لديها بقعة واحدة فقط على الفخذ الأيمن، بقعة ذات لون مصفر أرجواني.

ثم تابع كلامه وهو يشير بعصاه الى كتفيها، فسقط  ثوبها وبحركة تلقائية بسيطة نابعة من فطرتها امسكت ثوبها فحفظته من السقوط تماما على الارض ثم عادت الى جمودها:

– ولكن البقعة ليست موجودة الآن. ثم اعقب: كانت ثمة بقعة هنا.

وجه سؤاله للفتاة:

– منذ متى هذه البقعة موجودة؟

– منذ شهر.

– حسنا، لقد حصلنا على جميع أعراض المرض. البقع تأتي وتذهب. كما انها تفقد الاحساس بأصابع قدميها، واي مصاب هكذا حتما يجب ان يرسل إلى “مولوكاي”. اغلق الملف وتناول ملفا اخر وهو ينادي بلا مبالاة:

– المريض التالى يدخل!

الارجوحة

23413

اظن انه لا يوجد من لم يلعب لعبة الارجوحة . انها لعبة جميلة وتشبه من وجوه كثيرة الحياة التي نحياها في هذا العالم الكبير.

منذ مدة ليست بعيدة سمعت عن ولد صغير وبنت صغيرة كانا يحبان احدهما الاخر حبا شديدا جدا، وكانا يلعبان معا في الحديقة العابهما المختلفة التي كان من ضمنها الارجوحة. وفي احد الايام سمعت المربية الولد يبكي بكاءا مرا فجرت نحوه الى الحديقة وهناك وجدته منطرحا على الارض ووجهه نحو العشب ووجدت زميلته الصغيرة جالسة على طرف الارجوحة وهي تنظر بحيرة نحوه.. وسألته المربية عدة مرات عن سبب بكائه فلما استطاع ان يلتقط انفاسه اجابها قائلا: “انا اريد ان ارتفع عندما ترتفع هي وانزل عندما تنزل هي”. ألم يكن طلبه هذا في منتهى الحماقة؟ بالطبع كان طلبه مستحيلا! ما كان يستطيع الصعود الا بنزول زميلته وما كان يستطيع النزول الا في حالة صعودها. وما كان تغيير هذه الحالة في حيز الامكان حتى لو ظل يصرخ الى نهاية الزمان!

عزيزي! في بعض الاوقات يتحتم ان تنخفض لكي يصعد الاخرون. ومن ناحية اخرى فان ابائنا وامهاتنا كدّوا وضحوا باشياء كثيرة لاجلنا. ونحن نقرأ عن يوناثان الذي تنازل عن حقه في الملك كي يستطيع صديقه داود ان يلبس التاج ويجلس على العرش. وكان يوناثان سعيدا بذلك وهو يفكر ان بنزوله يصعد داود.

حمل يسوع الصليب حتى تستطيع انت وانا ان نلبس الاكليل ووجد في ذلك سعادة بدليل قوله “ان افعل مشيئتك يا الهي سررت”. ونحن ايضا يمكننا ان نشعر بالسعادة ونحن نحمل الصليب لكي يلبس اخرون الاكليل –  الكلمات التالية كتبها شاعر كبير تروي نفس القصة وتقدم نفس الدرس:

لما كان يسوع طفلا انشأ حديقة

غرس فيها كثيرا من الورود الجميلة

وكان يرويها ثلاث مرات في اليوم

ليتيسر له ان يعمل من ازهارها اكليلا لرأسه

***

فلما جاء وقت الازهار

دعا الطفل الالهي اصدقاءه الاطفال

ليشاركوه فرحه برؤية حديقته

فمزقوا زهوره شر تمزيق

ولم يتركوا الحديقة الا وقد اضحت خاوية

***

ثم قالوا له باستهزاء:

“من اين ستصنع اكليلك وقد ماتت كل ورودك؟

فاجاب بابتسام:

“لقد نسيتم الاشواك، فهي باقية من نصيبي”

فضفروا له اكليلا من شوك،

ووضعوه على رأسه بخشونة،

فصار اكليلا لجبينه،

وبدلا من الورود الحمراء رصعت جبينه الدماء

الروبوت الذي احب الله

robot-contemplating

أعرف أن هذه القصة ربما تبدو غير مألوفة عند البعض، ولكن قصص الخيال العلمي ما زالت تجذب اهتمام الكثيرين. وهذه قصة عن “القوانين الثلاثة” للروبوت (الانسان الالي)، وبما جاء في الكتاب المقدس عن وصية المحبة. الى الان الكثير منا مفتون بالذكاء الصناعي ومنبهر بالروبوتات خاصة وما يمكن ان تقوم به من اعمال وما تبديه من ردود افعال لا يمكن التنبؤ بها، مما يشكل تحديا للبشر الذين وجدوا أنفسهم أحيانا لا يستطيعون السيطرة على إبداعاتهم.

والقصة تستند على رواية قديمة من تأليف اسحاق اسيموف انتجت في السينما في الفيلم الشهير- الروبوتات The Robots. اعتقد أنه من الافضل ان اقدم الرابط في نهاية السرد في حال ما اذا كنت ترغب في قراءة القصة كلها (حوالي 20 صفحة طويلة) باللغة الانجليزية. وفي القصة التالية يذكر اثنين من آيات الكتاب المقدس مع القوانين الثلاثة لاسيموف. و هذه الآيات وردت في العهد الجديد في إنجيل متى 22: 35-40 ومرقس 12: 28-34، ووردت ايضا بنفس النص فى تثنية 6: 4-5 وسفر اللاويين 19:18.

وفيما يلي مقتطفات من القصة التي اعترف باني قد قضيت وقتا أكثر في ترجمتها عن أي من قصصي السابقة. أنا متأكد من أنها لا تزال بحاجة إلى الكثير من التنقيح، ولكن سأترك الامر لمن يقرأ ان يشاركني في تعديلات يمكن أن اقوم بها لتخرج بشكل أفضل.

مقتطفات من رواية “الروبوت الذي أحب الله”:

كان الاستاذ (نوح) هو وفريقه التقني بالشركة قد انتهي للتو من صنع نموذج لاحد الروبوتات (الذي اسموه جورج). وكان الاستاذ قد قام باخضاع الروبوت لعديد من الاختبارات طوال اسبوع كامل، كانت الاختبارات تشمل طرح اسئلة على الروبوت وتقييم اجاباته وردود افعاله اثناء الاجابة. ولكن الاستاذ قرر اليوم أن يستكمل حواره (يقصد اختباراته) مع الروبوت، لذا فقد دعاه الي مكتبه رغم اجراء الاختبارات عليه لساعات عديدة في غرفة المحاكاة، و”اثناء تناول القهوة” (الاستاذ فقط هو من شرب القهوة) حاول ان يعرف انطباعاته من الاختبارات التي اجريت عليه سابقا.

دخل الروبوت الى مكتب الاستاذ في خطوات منضبطة وبدى كجندي استدعى من القائد ولكن بدلا من القاء التحية قال:

– “أنا أعلم أنك ستدخلني وضع التعطيل (عدم التشغيل) يوم الأربعاء المقبل، سيدي”

كان الاستاذ يقرأ بصوت مرتفع من ورقة تحوي قائمة بمبيعات الروبوتات في شركته. وتابع الروبوت قائلا:

“وأتساءل لماذا تود معرفة ملاحظاتي، في حين انه بعد ما يقرب من 72 ساعة، سيقوم الفريق التقني ببدء الفحص الشامل لجميع أنظمتي.”

ترك نوح الورقة من يده والتفت الى جورج:

– حسنا، لقد تعلمت الكثير من محادثتي لك يوم الخميس الماضي، يا جورج، ولكني من فرط انشغالي بالاختبارات التي اجريت عليك، لم أسألك عن انطباعتك بخصوصها.

في الواقع كان الاستاذ يستمتع بهذه المحادثات، التي تبدو غريبة بالنسبة له. حاول عدم الكشف عن “شغفه” هذا، امام الروبوت لعلمه بقدرته على تقليد السلوك البشري، ولكن بعد التواصل الكثير معه في الأيام القليلة الماضية، كان يحب كنوع من التسلية أن يتحاور مع آلة، لا سيما انها من افضل التصميمات بشركته.

human-robot-handshake

– “انها مسألة مثيرة للاهتمام، يا سيدي”. اثار جورج من الرد الانطباع كما لو كان أحد معارف الاستاذ بدلا من كونه مجرد آلة. واستطرد قائلا:

“من وجوه عديدة، وجودي في الدنيا حديث العهد جدا، وكل تجربة مررت بها كانت فريدة من نوعها، تقريبا يمكنني أن أسميها مغامرة. أنني لا اقصد بالتجربة الحالات العاطفية مثل البشر، ولكن كل صباح عندما يتم تشغيلي وأخرج من وضع السكون، يمكنني أن اصف حالتي الأولي بحالة من الترقب. اذ إنني اتساءل من هم الناس وما هي الأحداث التي سوف تصادفني في هذا اليوم !

– حسنا يا جورج، لقد فاجأتني بمعرفتك بموعد التعطيل الوشيك. فاخبرني اذا! بماذا شعرت عند معرفتك ذلك؟

أي شخص آخر غير الاستاذ ما كان يسأل جورج هذا السؤال. نوح يعلم انه كان يتحدث إلى الروبوت، مجرد آلة مبرمجة، ولكن جزءا من نوح يجعله يشعر وكأنه يسأل شخص مريض بمرض عضال عن شعوره عند اقتراب الموت (على الرغم من أن “الموت” في جميع الاحتمالات، سيكون مؤقتا في حالة الالة). ومع ذلك، يبدو ان الاستاذ اعتقد انه يشارك جورج في شعوره بالمغامرة، اذ ان التعطيل (والتشغيل في نهاية المطاف) سيتم في خطوة واحدة فقط، وإن كان مقررا.

اجاب جورج:

– من الصعب الاجابة على هذا السؤال يا سيدي، أعتقد أن أي إنسان ينظر للتعطيل كصورة من صور الموت، وبرمجتي تجعلني ادرك أن البشر عامة يخشون الموت.

توقف جورج لجزء من الثانية بينما حاول الاستاذ ان يحلل في وجهه دلالة التعبير ولغة الجسد . اضاف جورج:

– “لكني مجرد الة. يمكن تشغيلها، وتعطيلها، ثم تشغيلها مرة اخرى وهكذا الى ما لا نهاية. ليس لدي أي ذكريات عن أي شيء قبل تشغيلي الأول. ليس لدي ذاكرة عن الوقت الذي يمر عليّ وانا في وضع السكون. أنا أيضا لا اشعر بالخوف، على الأقل أنا أفهم معنى الكلمة. التعطيل ببساطة يعني لي العودة إلى حالة من عدم الوعي “.

شعر الاستاذ شعورا طفيفا بالراحة، وعلى الرغم من أنه يمكن أن يكون غير منطقي للاعتقاد بأن جورج لديه أي مشاعر بشأن هذه المسألة.

واصل جورج كلامه، “إن القانون الثالث يوجهني لحماية وجودي، ولكن التعطيل لا يهدد وجودي. القانون الثاني يأمرني بالانصياع لتعليمات الإنسان، وبرمجتي التي قام بها البشر والتي استغرقت 168 ساعة، تأمرني بالمشاركة في التعطيل. ومن الواضح أن التعطيل هو من تجربتي العادية مثل التنشيط تماما، يا سيدي “.

للحظات يضع الاستاذ في اعتباره أن الروبوت يمكن أن يكذب، إذ ان اي بشري سيفعل هذا في حالة توقع من شخص “التهديد” (التعطيل) او غير ذلك. ولكن لماذا يكذب جورج؟

نهض الاستاذ من كرسيه ومشى إلى طاولة جانبية ثم صب لنفسه كوبا آخر من القهوة. استغرق هذا لحظات كان متاحا لجورج خلالها عمل ممسح ضوئي لجميع الأوراق والأشياء على مكتب الأستاذ لتحديد ما إذا كان هناك أي تغييرات منذ اليوم السابق. التي كان قد حفظها وفهرسها بالفعل مع كل من عناوين المجلدات المختلفة الموجودة على رفوف الكتب في مكتب الاستاذ. وكانت مجرد بيانات يخزنها ويقوم بتحليل ما فيها، مثلما يفعل بازاء أي شيء آخر.

رأى الروبوت ورقة بمعلومات جديدة ملقاة بجانب كتاب اعتقد انه لم يراه من قبل. كانت الورقة بها كلمات وأرقام كما يلي:

“أحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك”(تث6: 5)

” لا تنتقم، ولا تحقد على أبناء شعبك، بل تحب قريبك كنفسك. أنا الرب.”(لا19: 18)

الكتاب الذي لم يكن موجودا قبل زيارته عنوانه “الكتاب المقدس” باللغتين الإنجليزية والعبرية (تشمل برمجة جورج لغات متعددة).

عندما استدار الأستاذ وعاد الى مكتبه وهو يحمل في يده فنجان ملئ بالقهوة الساخنة، لاحظ ان الروبوت ينظر في ورقة من مجموعة اوراق أمامه، ويبدو انه مستغرق في المعلومات التي امامه . استمر ذلك أكثر من الثانية قبل ان يجلس منتظرا الاستاذ ان يستأنف حديثه، ويستأنف صرير كرسيه الدوار.

اشار الروبوت باصبعه الى الكلمات في الورقة وهو يقول:

– “أشعر بالفضول، سيدي. ما هو معنى الكلمات على الورقة، وما هو هذا الكتاب الذي بجانبها”، وأشار جورج إلى الكلمات التي قرأها.

انحنى الاستاذ ورأي ما كان يشير إليه:

– “أوه”. وجد الاستاذ بسرعة وسيلة لصياغة اجابة اعتقد ان جورج قادرا على استيعابها.

– “لديك يا جورج ثلاثة تعليمات أساسية والعديد وبضعة الاف من اوامر الدعم الفرعية تتولى توجيهك. هذه ليست سوى اثنين من التعليمات التي توجه لي. هذا الكتاب الذي اشرت اليه يحتوي علي الكلمات التي تسمح لي بالتواصل مع صانعي (يقصد الله تبارك اسمه).

جلس جورج بدون حركة ولم يظهر على وجهه علامات تنم عن استيعابه، وقال:

“أنا منبهر حقا، يا سيدي.” ثم اضاف: “لقد تم برمجتي بالقوانين الثلاثة التي وضعها البشر. فمن أين أو من هو الشخص الذي تتلقى منه البرمجة الخاصة بك، يا سيدي؟

فكر الاستاذ في نفسه بنفس القدر الذي كان يكلم به الروبوت:

– جاء الوقت الذي نرى فيه آلة تسأل انسان عن الله!.

ثم أدرك الأستاذ ان الروبوت ينتظر جوابا، فاستطرد موضحا – وعلى ما يبدو انه كان من المستحيل تقريبا ان يحتفظ بالتفكير في جورج باعتباره “الة” وليس انسان- محاولا أن يلقنه ما لم يكن يعلمه. فقال:

– “اسمع يا جورج! حين قمت انا والعاملين بشركتي بصنعك انت تحديدا، قررنا أن تشمل تفاصيل البرمجة الخاصة بك مجموعة كبيرة من المشاعر الإنسانية والموضوعات، والعلوم مثل الفيزياء وعلوم الحياة، والعلوم الاجتماعية، والنظم السياسية، ثم التاريخ…”

قاطعه جورج بصوته الاصطناعي:

– أنا على علم كامل بالبرمجة الخاصة بي بالتفصيل، سيدي.

تساءل الاستاذ ما إذا كان الروبوت قد نفذ صبره من الاطناب الذي استخدمه في اجابة سؤاله، اي ان الروبوت اختبر فعلا نفاد الصبر بما تحمله هذه الكلمة من معنى. ثم استأنف حديثه قائلا:

– ولكن ما لم تشمله برمجتك، في أبسط المستويات، كانت معلومات بشأن الدين والروحانية.

ثم توقف للحظات ليرى كيف سيكون رد فعل الروبوت الذي اجاب على الفور:

– “لديّ تعريف بسيط لكلمة “الدين” من القاموس.. إن الدين هو “الاعتقاد بوجود إله أو مجموعة من الآلهة.. وهو ايضا نظام لتنظيم المعتقدات والطقوس، والقواعد المستخدمة لعبادة الإله، من قبل شخص أو جماعة “.

– “ولكنك لم تجب على سؤالي، يا سيدي”.

شعر نوح بخجل للحظات في تذكير الالة له .. “لقد تم برمجتي بالقوانين الثلاثة التي وضعها البشر، وتحديدا في شركتك. هذه القوانين هي التي توجه أعمالي وأفكاري “.

تساءل نوح عما إذا كان لدى جورج “أفكار” بمعنى التأمل الذاتي بنفس الاسلوب الذي يختبره البشر.

بدلا من انتظار رد نوح، استمر جورج في التحدث.

-“سيدي، كل القوانين الثلاثة تتعلق إما مباشرة أو عن طريق الاستدلال على علاقتي مع البشر. القانون الأول يوجهني أن حياة إنسان هي موضع اهتمامي الرئيسي والأسمى فوق كل الاعتبارات الأخرى. على الرغم من أنه لم يحدث ان اكون سببا في ضرر أي كائن حي. في حالة البشر، لا بد لي من تجاهل جميع الأنشطة الأخرى من أجل اتخاذ إجراءات فورية حينما أرى الإنسان معرض لأي خطر جسدي وشيك “.

والحقيقة انه قبل وقت طويل عندما قام نوح والفريق التقني المساعد بصنع اول عقل صناعي قاما بكتابة مجموعة الاوامر الفرعية التي من شأنها توجيه الروبوت فيما يتعلق بالضبط ما هو “الضرر” بالنسبة للإنسان ، خلاصة ما وصلوا اليه هو أن أي تهديدات وشيكة ينبغي أن يكون الروبوت يفهم بأنه “ضرر”. والبشر يتأذون بكل أنواع الأشياء مثل الشعور بالوحدة، والرفض، والاساءة. حتى نوح لا يمكن أن يتصور كيف يمكن لروبوت، حتى ولو كان متطورا مثل النموذج الجالس أمامه الان، يمكنه فهم ما يعنيه هذا الضرر..فعند برمجة الروبوتات التي صنعها من قبل، لم يرد لها ان تقحم نفسها في المقام الأول في مجال التفاعلات الاجتماعية وتاريخ العالم، التي تحتوي على كل ما يشير إلى مساوئ النظم المختلفة بما في ذلك تأثيرها في بعض الأنشطة البشرية والا تدخلت هذه الروبوتات في الصراعات السياسية والعرقية مثل الحرب، والرق، بدون توجيه الانسان. فضلا عن مجالات اجتماعية مثل العدالة والتبشير، والأنشطة الخيرية. ومع ذلك، معرفته سطحية إلى حد كبير وليس لديه القدرة على تقديم تحليل مفصل، وبالتأكيد غير قادرة، في الوقت الحاضر، على ربط معرفتها الضئيلة حول هذه الموضوعات. كما انه لا يريد للروبوتات ان تحاول زج أنفسها في الأنشطة التي تنطوي على احتمال احداث أذى عام للجنس البشري، فالروبوتات المستخدمة في منظمة العفو الدولية قد تحاول التدخل في الصراعات الجغرافية السياسية والثورات، والأوبئة دون أي توجيه بشري.

لم يستغرق الأمر سوى بضع ثوان للأستاذ للنظر في كل هذا. وجورج كان لا يزال يتحدث.

– “ينص القانون الثاني ان الروبوتات يجب أن تطيع الأوامر من أي إنسان، إلا إذا كانت هذه الأوامر تتعارض مع القانون الأول. هذا يقود الى ان البرمجة يجب أن تأتي من إنسان، أي إنسان. أجد صراع هائل منذ ذلك الحين، ففي بيئة مفتوحة، الإنسان قد يأمر الروبوت لأداء عمل معين، وإنسان آخر قد يأمر نفس الروبوت للقيام بالعكس “.

قال نوح وقد اوشك صبره ان ينفذ :

– “هناك إجراءات فرعية تأخذ إمكانية حدوث هذا في الاعتبار، يا جورج.”

اضاف “لكن أنا لم انتهي، يا سيدي، من عرض فكرتي” مثّل هذا لنوح صدمة خفيفة أن بامكان جورج في الواقع أن يقاطعه.

– “القانون الثالث يؤثر في المقام الأول مع علاقتي بنفسي.”

لم يعد هناك أي شك عالق في ذهن نوح أن جورج كان على علم بعلم النفس.

– “الروبوتات ستحمي وجودها ، إلا إذا كان هذه الإجراءات من شأنه أن تتعارض مع القانونين الأول والثاني”.

كان من المستحيل بالنسبة لجورج تغيير “نبرة الصوت”، ولكن بدا نوح انه استطاع ان يكشف عن انطباع جورج … ما اذا كان… بالفعل عاطفة؟ هل يمكن إسقاط مشاعره الخاصة على هذه الالة؟!

– “وفي الختام، كل تعليماتي تضعني في موقف تابع لللبشر، والتي أفترض انه يبدو معقولا، كما نرى كيف أن كل من وجودي الجانب، من الأجهزة إلى البرمجيات إلى ما يشار إليه باسم” الجهاز العصبي.. في ظل هذه الظروف، لم يخطر لي أن البشر أيضا يتلقون التعليمات الصادرة عن سلطة خارجية، إلا بمعنى قيادة هرمية مثل تلك التي أجد هنا على العاملين بالشركة ، في مختلف الفرق والأقسام من الشركة الوطنية للروبوت، في مثل هذه المنظمات وغيرها من الشركات، بما في ذلك المنظمات العسكرية. إن التعليمات الواردة في البرمجة تحدد علاقة الصانع / المصنوع، بأن الصانع رئيس، والمصنوع مرؤوس. لكن يا سيدي، كيف يمكن للإنسان أن يكون له خالق؟ أي كيان يمكن أن تكون متفوقا على الرجل؟ ”

كان لدى نوح إجابة من كلمة واحدة فقط هي “الله”.

منقول عن موقع تأملات صباحية

ترجمة بشرى رشدي

موضوعات ذات صلة:

https://mymorningmeditations.com

الغريب الكامل

كلانسي

رسالة الى الملحدين

احمل النير وواصل المسير

carrying-a-heavy-load-230x300

ارسلت للخدمة في السودان، وبالتحديد في مقاطعة “رنك”، لمدة أربع سنوات. وبينما كنت هناك (كنت أعيش على الحدود بين الشمال والجنوب، على الحدود بين العرب والافارقة. كان وقتا متوترا للغاية، كانت الحرب الأهلية قد انتهت لتوها، وكان الجنوبيون قد بدأوا حركتهم نحو الاستقلال، والذي حدث في 9 يوليو عام 2011م.

كنت أعيش، على بعد 250 ميلا الى الجنوب من الخرطوم على نهر النيل الأبيض. اي كنت على بعد 250 ميلا من اي شخص أبيض، إذا أردت شئ على سبيل الترفيه، فانت مضطر للسفر فى الطرق الذي يصل بين الجنوب والخرطوم، ولكن للقيام بذلك، كان عليك ان تعبر من خلال ما يصل إلى 50 نقطة من نقاط التفتيش العسكرية، مع مجموعات من البشر الذين لا يحبون البيض. أنهم لا يحبوني، وكان من المتوقع ان تتلقى خمس ضربات على قفاك حتى قبل أن تفتح فمك بالكلام. كنت بيضاء، أنثى، مسيحية، مبشرة أمريكية.

كنت هناك لمدة ثلاثة أشهر، بعدها حصلت على إذن للعودة.

لقد كنت هناك لفترة طويلة ، كان هناك أيام شديدة الصعوبة. كانت هناك أيام عندما جالت في ذهني هذه الفكرة الغبية، ما كان عليّ الانتقال ابدا إلى السودان.

ثم جاء شهر أبريل. أبريل هو حقا شهر شديد الحرارة في السودان. كنا نعيش على حافة الصحراء الكبرى. كان لدينا جالون واحد من الماء في اليوم لنستحم. كان علي ترشيح كل قطرة من المياه اريد ان ارتشفها او أنها ستقتلني، لأن هذه القطرة جاءت من النيل الأبيض، وهو على خلاف اسمه “نهر ليس ابيض على الاطلاق. لم يكن هناك كهرباء في البداية. لم تكن هناك اي وسائل للترويح. كنت ادرس للاطفال تحت سقف من الصفيح. ووصلت إلى النقطة التي بدأ إيماني فيها يهتز بعض الشئ.

أنا لم افقد الإيمان بالله. ما فقدته هو الثقة في دعوتي للخدمة، وعما إذا كنت فعلت حسنا بمجئ الي السودان.

وهكذا كتبت رسالة عبر البريد الإلكتروني – بعد ان ادخلت الكهرباء- إلى صديقة عزيزة.

packing-a-suitcase-300x194

كان الإنترنت في بداية دخوله الى السودان، كان الامر يمكنه أن يستغرق أسابيع لبريد إلكتروني للوصول. كتبت صديقتي هذه الرسالة. والتي هي بضعة اعداد من ترنيمة تقاول “تقدم يا شعبي .. وواصل المسير”

هذه الرسالة جاءت للرد على رسائلي التي بلغت طول احداها في الواقع 32 صفحة. كل يوم، وأود أن أقول انني كنت اكتب كل يوم صفحة وانا اقول: “حسنا، اعتقد ان شبكة الإنترنت لا تعمل اليوم، ولكن اسمحي لي ان اخبرك عما حدث معي اليوم.”

تلك الترنيمة يمكن أن تكون متفقة تما مع قراءة الإنجيل هذا الصباح ، وكان من لوقا، عن قصة تلميذي عمواس. كانا يمشيان جنبا إلى جنب، بعد أن ترك اورشليم. كانا من تلاميذ الرب يسوع. و رأوا معجزاته. رأوه يطعم 5000 شخص – رأوه يشفي الناس، يرد البصر للعميان، يرد السمع للصم، والنطق للخرس…. ثم ألقي القبض عليه. تعرض للضرب. وتعرض للالام المبرحة، الام الجلد والصلب.. ووضع جسده في القبر.

هذين الشخصين كانوا يسيرون على طول الطريق، وقد فارقهما الفرح، الحب، الرجاء. تركوا الكل في القبر مع يسوع. على الرغم من أن القبر فارغ الآن.

… هذه الامتعة التي يحملونها في الطريق … هي اليأس … والاحساس بالخسارة والفشل … والخوف من السلطات الرومانية أو قادة الفريسيين لأنهم كانوا من أتباع يسوع.

إذا كنت تقرأ هذا الاعداد (لو21) في اليونانية، وأنا أريد منك أن تدقق في ان لوقا كان يستخدم كلمة للتعبير عن المشي على طول الطريق إلى عمواس ليست الفعل المعتاد للمشي. والفعل المعتاد الذي يستخدم للمشي هو برباتيو، وهو ما يعني أن يمشي جنبا إلى جنب مع بعض الخفة والنشاط. الفعل الذي يستخدمه لوقا بدلا هو الفعل (بوريومي) الذي يعبر عن شخصين يمشيان جنبا إلى جنب، وهما يحملان حملا ثقيلا. يسيران جنبا إلى جنب، ببطء شديد، ويمشيان والأمتعة التي يحملانها هي اليأس، والخوف. ومن ثم كان يبدو من المنطقي ان يسألهما هذا الرجل السائر على الطريق معهم (الرب يسوع)، ويقول: “وهكذا، ما هذا الكلام الذي تتطارحان به؟

مترجم عن:

http://www.gointotheworld.net