كان وقت التجربة قد انتهى وتوجهت لاحضار الطبقين من داخل الحضانة وبرغم وجود دكتور “عادل عارف حنين” معي الا انني لم استطع ان امنع فضولي واختلست النظر داخل الطائرة فوجدت ما اسعدني في البداية ، فلقد نهض السيد “فخري” وذهب للخلف للاطمئنان على “ي” وقبل ان يصل مر على مقعد “مختار” في المؤخرة. وطبعا تعرف عليه – فلقد اعددته مسبقا لهذا واطلعته على صورته فتبادلا التحيات وكنت اود ان اكتب بعض كلمات على فم مختار يطلب فيها مختار ان يرافق السيد فخري للامام ولكن لم تتسنى فرصة، كان الدكتور عادل ينتظرني.
بدأت اجهز الخلايا للعرض المجهري. اثناء ذهابي مع دكتور عادل الى غرفة المجهر لمشاهدة نتيجة التجربة، لاحظت باسى “مختار” وهو يخبر السيد “فخري” الذي كان يسند “ي” متأبطا وعائدا الى مكانه بالامام بانه مستمتع بمكانه ولا يريد تبديله. كدت اجن منه ورغبت ان انهي دور “ي” هذا تماما من القصة ولكني لم استطع فكيف ابرر ما افعله للدكتور عادل الذي اوصاني ان اترك الاحداث تسير، لذا ظل قلمي ملقى بجوار اوراق القصة عاجزا وغير قادر على دخول الطائرة لتغيير الاحداث.
حدثت مفاجأة غير متوقعة في النتائج كادت تدمر تجربتي اليوم، فخلايا الفأر “ب” المحرومة من اعضاء تدريبها اعطت نتائج مساوية لنتائج الفأر الصحيح تماما “ا”. كيف يكون هذا؟ كان يجب ان تكون نتائج “ب” سالبة (منهارة ومدمرة)، فماهي الاسباب؟
خشيت ان اكون قد اخطأت في فصل الانابيب وخلطت بين الدماء ولكن الدكتور عادل اوضح لي حقيقة علمية مفادها بأن هناك دائما نسبة للخطأ في التجارب وان اجهزتنا العلمية مهما بلغت من الدقة لا يمكن ان تقيس مدى نمو او انهيار القدرة المناعية للجسم الحي او تحكم عليها. فهذا شئ ما زال لا يعلمه الا واحد وهو الله.
نظرت اليه مستغربا فتلك كلمات تصدر من كاهن او واعظ ولكن ليس من دكتور علمي ولكنه اوضح بأن قياس القدرة الحيوية او البيولوجية للخلايا مهما بلغ من اتقان يظل بعيدا عن واقعها الحقيقي القابل للتغيير والذي لا يمكن الاطلاع عليه الا بعيني فاحص القلوب والكلى والذي تصل الى مفارق النخاع والمخاخ والنفس والروح.
كنت حزينا وكان دكتور “عادل عارف” باسما وقال انني سعيد فهذه التجربة ستفيدك في حياتك فهذا هو الله يا ولدي . الله الذي ما يزال مسيطرا على قوانينه فهو ضابط الكل.
تركته ودلفت الى غرفة تربية الحيوانات ، كان الفأران هناك. من الشكل الخارجي استطيع ان اميز تماما بين الصحيح والمريض ولكن من يصدق بأن هناك صحيحا في الشكل ومريضا بالداخل، من له اسم انه حي وهو ميت.
عدت للمعمل والقيت بنفسي متهالكا على الطاولة امام الاوراق وامسكت بالقلم.. ولمحت مختار يسر بكلمات في اذن جليسته المستهترة ، استرقت السمع وصعقت فلم اتوقع ما يقوله ولا استطيع كتابته هنا. تحولت الي “ي” فوجدته يقر معترفا باشياء فظيعة هو الاخر ولكنه كان يتكلم والدموع تملأ عينيه . بينما كان السيد “فخري” يربت عليه ويطمئنه بانه حتى في ارض الغربة توجد كنائس واباء اعتراف يستطيع ان يعترف على ايديهم كل شخص يريد بصدق التغيير الحقيقي بعيدا عن الشكلية والتدين الظاهري. احسست بكلمة ارخني العزيز وهي تنطلق من الورقة لتصيب عيني انا مباشرة. احسست وكأنه بدأ يرفع وجهه ويحدق خارج الطائرة نحوي انا شخصيا، واكمل كلامه قائلا: ان الرب يسوع صديق العشارين والخطاة صنع سوطا وطرد الباعة من الهيكل ، كما انه صب الويلات على الكتبة والفريسيين المرائين. فاشد ما لا يطيقه الرب هو الرياء اي مظهرية العبادة او الحياة بوجهين. وان الرب يخاطبني : اريدك ان تكون باردا او حارا ، اما لانك فاتر فانا مزمع ان اتقيأك من فمي.. ارتجفت .. ما هذا ايها الارخن؟ اتوجه كلماتك الصعبة تلك نحوي؟ وانا الذي صنعتك من خيالي بل وقد نسجت كل خيوط تلك القصة اصلا!
ولكن كلمات الانجيل الفاحصة الكاشفة الصادرة من فم الارخن لم ترهبها مكانتي او وضعي العلمي بل على العكس شعرت انها اوقفتني عاريا امام الرب وفي نوره العجيب حيث سقطت اوراق التين التافهة التي كنت استتر بها وظهر نفاقي وتمسكي الهش بمبادئي والفرق الواضح بين وضعي الداخلي المنهار والكلمات البراقة التي اكتبها فانحنيت واطرقت برأسي خجلا.
دخل “عبد الواحد” وسألني عم الم بي ، وعرض على صنع فنجان قهوة لي ولكنني لم ارد لانني كنت مستغرقا في افكاري بخصوص كلمات السيد “فخري” ولم اعد اهتم لا بالتجربة ولا بكلام عبد الواحد ولا بكلام الناس ولا حتى بمختار فقد كان كل ما اود ان افعله هو ان ازيح “مختار” واجلس مكانه لكي ما يساعدني، فلقد اكمل مهمته بنجاح مع السيد “ي” وحان دوري انا الآن.