يوميات وحيد – 12

d981d8aad8a7d8a9

اغرق وحيد رأسه في يده للحظات ثم تنهد بعمق وهو يقول:

“اتعلم؟ كانت حياتي الاولى عقب الزواج اتونا مستعرا من الغيرة القاتلة، فانا اعرف ان زوجتى جميلة، واعرف فوق ذلك ان كل شخص يود ان يحظى منها بابتسامة، وفي نفس الوقت ارى ان من حقي ان تكون ابتسامتها وفقا على وحدي دون سواي، والا فانا مهضوم الحق، معتدى علي، ينازعني الغير في ملكيتي لها. وزوجتي شأنها شأن كل امرأة عرضة للظهور في المجتمعات، وعرضة لأن تحيي هذا، وتبتسم لذاك، ردا على ابتسامة او كلمة ظريفة يلقيها اليها احد، فلا احدثك كيف كانت ابتسامتها هذه تنزل على قلبي كالصواعق او كالنبال فتدميه وتوجعه، وباتت الحياة سلسلة الام يقض لها مضجعي وتؤلمني. وكم من معارك نشبت بيني وبين زوجتي نتيجة لهذه الغيرة العمياء القاتلة.

قال محب وهو يربت على كتفه:

– ما اتعس حظك؟ ولكنك مع ذلك مسئول عما انت فيه؟

– لماذا؟

– انني اعرف الخيل الجامحة من اصواتها، والمحبين من عيونهم. كل الناس مستقبلهم امامهم، وانت مصر ان تجعل مستقبلك وراءك! انس الامر او حاول ان تتواءم معه!

– ل استطع.. انا لست اريد ان اتحدث عن نفسي كثيرا، ان احوالي جد سيئة، كما اني لست اريد ان اشرح لك كل شئ

عاد محب يربت على كتفه، وهو يقول:

– ولكنك في حاجة الى من يسمع لك ، والى من يسدي لك النصح:

عاد وحيد الى الكلام بصوت متهدج وهو يحس بعضلات وجهه جميعها ترتعش:

– غاية ما كنت ابتغيه السعادة! .. ولكن كيف الوصول الى ذلك مع كل ما ذكرته لك؟! ان اهمال زوجتي اياي والتفاتها المطلق الى المحافظة على جمالها فاق كل ما يتخيله رجل. في الصباح تمرينات رياضية، وبعد الظهر لا يمكنها الخروج حتى لا تؤثر فيها اشعة الشمس، وفي المساء لا تسهر الا بقيود خاصة وتحت شروط طبية معلومة. ناهيك عن تدليك جلد الوجه بمواد ومساحيق خاصة لتطريته، وضرورة نومها على الظهر ممدة جسدها فراش غير وثير خال من الوسائد وفي درجة حرارة معلومة بوضع خاص، شريطة ان يكون اتجاه الجسم من الشرق الى الغرب لمدة طويلة، وما الى ذلك من احتياطات شتى. جعلني ذلك اترك المنزل هاجرا اياها على الدوام بين مساحيقها وادوات تجميلها.

-وهل هذا عالج الامر بينكما؟

-لا، لم يكن يروقها ذلك مني، بل عمدت الى الشك واخذت الغيرة تدب في عروقها، فتصور لها انني اصبحت مدلها في حب غيرها. فاصبحت حياتنا الزوجية سلسلة متاعب ومشاكل واستحكم الخلاف بيننا، وصرت اتفادى الوجود في المنزل . وانا كلما امعنت في ذلك زادت شكوكها وهجست خواطرها بهواجس السوء وازدادت القطيعة والجفاء بيننا، حتى اصبحت اشعر بأن الحياة لم تعد تطاق، وتراكمت علي الهموم والمتاعب، واشتد تفكيري وانشب فيّ المرض مخالبه، فلم يتركني الا بعد ان هدّ قواي، فلا تعجب اذا رأيتني على ما انا عليه الان. فتلك جناية الجمال علينا. فهل يتدبر هؤلاء الذين يحسبون الجمال نعمة! ويعرفون انه لا يخلف غير المتاعب والالام!

اليوم والغد

make_things_new

الظلمة خيمة كثيفة النسيج مترامية الاطراف تضرب اوتادها بقسوة من حولي، والارهاق عملاق منتصب امامي بتعجرف ويعتصرني من وسطي كالدب بين ذراعيه القويتين. اما الملل، فكان كساحرة عجوز شريرة خبيثة تكرر تعاويذها وتعيد على مسامعي طلاسمها المبهمة بلا فائدة !

وانا على هذه الحالة قلت لصديقي:

لماذا لا نلتذ بالحياة ولماذا تصر المسيحية على ان تجعلنا نكره التنعم والراحة؟

اجاب: ان التنعم ما هو الا الباب الواسع الذي حذرنا منه المسيح. بل ان جل الفلسفات الوثنية جعلت من التنعم هو هدف الحياة. فالأبيقورية اعتمدت فلسفتها على رفض فكرة الخلود ونبذ التعليم عن الحياة الأخرى، ومن هنا فهى تدعو إلى ملء الكأس من اللذّة قدر المستطاع فى الوقت الراهن. كذلك فإن الأبيقورية متشائمة، تتوقع فى الغد شراً وفقراً وحرباً، ولكن المسيحية نادت بأن نسعى لتكون الحياة مقدسة مثمرة.. فالسعادة تكمن لا في تعاطي اللذات ولكن فى قمع الشهوات.

– لكني ارى في قولك تناقض – كيف تنادي هذه الفلسفة بالتلذذ وكيف تكون متشائمة معا؟

– الحقيقة ان هذه الفلسفة تنتمى إلى الفيلسوف أبيقورس ، الذى ولد فى ساموس سنة 340 ق. م. وتوفى سنة 270 ق. م.، وقد علَّم أولا فى أسيا الصغرى ثم أثينا، وجاءت فلسفته فى ظروف اجتماعية وسياسية غير مستقره، تدعو إلى القلق وتنبىء بعدم الإستقرار، ومن ثم فقد نادى بالإستمتاع باليوم.

– ولكن ما الخطأ في المتعة؟ ما العيب ان نستمتع بالحياة ومباهجها؟

– تكمن خطوره هذه الفلسفة ، فى أن المتعة التى سعى إليها الإبيقوريون كانت متعة أنانية، وكذلك رفضت فكره الخلود والحياه الأبدية. ولكننا نحن نرغب فى مذاقة الأبدية.

– اذا انت تقول انه يجب ان نتجنب كل متعة ، فهل نكتئب اليوم فى انتظار الخير والسعادة غدا؟!

– كلا، فاليوم أجمل وأفضل.. والذي لا يستطيع الإستمتاع باليوم، قد لا يستطيع الإستمتاع بالغد، فإن روعة الحياة وجمالها وإبداعها، يكمن في الساعات القليلة التي نحياها الآن، فإن ضاعت، فقد ضاع العمر كله.. اقرأ ما كتبه أحد الفضلاء:

“انظر إلى هذا اليوم.. إنه الحياة.. جوهر الحياة.. فى ساعاته القليلة تكمن حقيقة وجودك.. معجزة النمو.. ومجد العمل.. وروعة الانتاج.. فالأمس ليس إلا حلماً.. والغد ليس إلا خيالاً.. أما اليوم إذا عشناه كما ينبغي، فإنه يجعل من الأمس حلماً سعيداً.. ومن الغد خيالاً حافلاً بالأمل..”

يوميات وحيد #12

hood

The person with the latent person. A black background

انقضى اسبوع دون ان يقابل اي انسان وكاد ان يقتنع بانه الوحيد على هذه الارض المعتمة التي لا ينيرها سوى ضوء القمر البارد. كان ضوء القمر الذي يجهل الالوان ويرسم معالم الارض دون تزويق. ضوء القمر الذي يجلل الارض بلونه الرمادي ويخنق الحياة ولو لليلة. هذا العالم الصامت، المسكوب كالرصاص، الذي لا تتحرك فيه سوى الريح التي تغطي البوادي الرمادية، هذا العالم الذي لا يحيا فيه سوى روائح الارض الجرداء، ولا يسمع فيه سوى  هسيس الافاعي التي تصل الى سمعه ممتزجة مع هفيف النسمات الرقيقة. هذا العالم وحده هو الذي كان يعترف به،وذلك لانه يشبه عالم روحه تماما.

عندما اشرقت الشمس في الصباح التالي كان وحيد لا يزال في البقعة نفسها، رافعا رأسه في الهواء محاولا بجهد اليائس التقاط الاتجاه الذي يتهدده منه خطر البشر، والاتجاه المعاكس الذي عليه متابعة فراره فيه. في كل اتجاه كان يرتاب .. لكنه لم يجد شيئا. لم يكن هناك سوى السكون في كل مكان سيطرت اصوات متجانسة صادرة عن العشب الجاف الذي يهف كنسمة خفيفة ولا شئ سواها. احتاج لفترة طويلة كي يصدق ما هو واقع امامه الان. لم يكن جاهزا بعد لسعادته. لذا طالت مقاومة شكوكه لعقله. وعند الغروب بدأت شكوكه تتراجع مفسحة المجال امام احساس متعاظم بالنشوة: فلقد افلت. انه وحده في العالم. وحيد تماما. تصاعدت من اعماقه فرحة هائلة. كفرحة من نجا من سفينة غارقة فرأى جزيرة مأهولة بعد اسابيع طويلة من الضياع في البحر. هكذا كانت فرحة وحيد بالوصول الى جبل الوحدة. صرخ من فرط السعادة. اخذ يخبط بقدميه، رافعا ذراعيه، راقصا دائرا حول نفسه، صائحا باسمه في الجهات الاربع. ضاما قبضتيه هازا اياهما بحماس في وجه الارض الشاسعة الممتدة تحته وفي جو الشمس الغاربة بانتصار، وكأنه هو الذي طردها من السماء، ظل هكذا يتصرف كالمجنون حتى انتصف الليل مقتنعا بأنه لن يغادر هذا المكان المبارك ابدا.

في اليوم التالي بدأ بالبحث عن الماء، ووجده في شق صخرة تحت القمة بمسافة قليلة، ينساب كشريط رفيع على الصخر. لم يكن كافيا لكنه اذا استمر في لعقه لساعة من الزمن فسيشبع حاجته منه ليوم كامل. كما وجد الغذاء ايضا كالعشب والتوت البري. اكتشف بالقرب من مكان الماء نفقا طبيعيا يؤدي بعد عدة انعطافات كثيرة الى فسحة ترابية ضيقة. لامس كتفا وحيد الصخر الى الجانبين، بوسعه ان تكور على نفسه ان يستلقي وفي هذا كان اقصى مبتغاه فيما يخص الراحة والنوم. استلقى في اكثر الجبال وحشة ووحدة. على عمق ثلاثين مترا تحت السطح استلقى كمن يرقد في قبره الخاص. لم يسبق له في حياته ان شعر بالامان كالان. ولا حتى في بطن امه. لو احترق العالم في الخارج فانه هنا لن يلاحظ ذلك. اخذ يبكي بصمت. كان ممتنا الى اقصى حد لهذه السعاة التي تغمر.

معروف ان هناك اناسا يبحثون عن الوحدة كالقديسين والتائبين. وهم غالبا ما ينسحبون الى الصحراء حيث يقتاتون الجراد والعسل البري. بعضهم يعيش في المغاير او الصوامع او في جزر نائية او على اعمدة صخرية. وهم يفعلون ذلك ليكونوا اقرب الى الله. بالوحدة يزهدون في رغباتهم ويحققون التوبة، بالوحدة تزهر ارواحهم وتزدهر اعماهم. انهم يفعلون ذلك منطلقين من اعتقادهم بانهم هكذا لا ينشغلون عن الله بشئ سواه.

لا شئ من ذلك يشغل وحيد فهو ليس تائبا ولا قديسا، فقط لمتعته الذاتية الخاصة اعتزل العالم، فعل هذا لكي يكون بقرب نفسه. كان يستلقي في مقامه الصخري، يكاد لا يتنفس، ويكاد قلبه لا ينبض، حيا بعمق، منغمسا في تأملاته او بالاحرى تخيلاته، كما لم يفعل احد من قبل. مارس تلك الرياضة العقلية ما ينيف عن العشرين ساعة كل يوم. ولم يكن مسرح هذه التخيلات الطليقة بطبيعة الحال سوى مملكته الداخلية. وكم كان لذة الشعور بالارهاق الناتج عن الانجاز عظيمة! كان قلبه قصرا ارجوانيا في صحراء صخرية، مختفيا وراء كثبان رملية ومحاطا بواحة مستنقعية خلف سبعة جدران حجرية. حين غاب عن عقله نكهة الجرعة الاخيرة حملق دون هدف. فجأة اصبح رأسه خاويا. لم يستيقظ على روحه العابقة بالذكريات الطيبة، وانما على ظلمة وصلابة جحره الصخري في نهاية النفق. كاد يتقيأ من الجوع والبرد والعطش.. زحف على اربعته، وفي الخارج كان هناك وقت نهاري ما، اما بداية الليل او نهايته. بدا له الهواء مغبرا حادا حارقا في رئتيه والارض قاسية بفعل احتكاكه بالنتوءات الصخرية ، كان لنور النجوم مفعول كوخز الابر في عينيه. لقد اصبح كسرطان البحر الذي غادر صدفته ليسبح في البحر عاريا.

ولكنه ابدا لم يستسلم يوما. كان ينهض في كل مرة وينفض اثار النوم عن اعضائه.. ويقف كالعملاق. وكم كان منظره رائعا! في احد المرات القى بنظرة حوله وبعد ان قضى على ذكريات ماضيه العطنة. اراد ان يخط خطا واثقا في البادية القفرة، باذرا روائح الطيب بمختلف انواعها. هنا بسخاء وهناك باقتصاد. في اودية شاسعة لا حدود لها، وفي احواض صغيرة انيقة. فعل ذلك ناثرا البذور بملء كفيه، او واضعا بذرة بذرة، دافنا اياها في اماكن مختارة بعناية. لم يتبق زاوية في حقوله العقلية لم يبذر فيها بذور اطيابه الذهنية.

يوميات وحيد #11

baby

يوقظه دوي هائل وعنيف.. من سباته. يفتح عينيه بصعوبة ، مبهور الانفاس، يتصبب عرقا.. ينتابه الاحساس بالضيق البالغ، الجاثم فوق صدره .. من كل شئ وحتى نفسه!.. يصيبه ضعف شديد . يلف رأسه دوار حاد، يفقده توازنه، وهو لا يزال في فراشه! .. ينظر حوله. وزوجته تغط في نومها.. وبطنها المتكور – والذي لم يبل بعد عقب الولادة الاخيرة- يعلو ويهبط مع تتابع انفاسها العميقة! .. وعلى سرير مجاور ، تتكدس بناته الخمس.. المستغرقات في النعاس ، هن ايضا ..

حدّق في ساعته طويلا .. حتى استطاع معرفة الوقت .. على ضوء القمر الشاحب المتسلل عبر النافذة المفتوحة باستحياء.. فيا للغرابة! انها نفس الساعة التي يهب فيها من النوم كل ليلة .. على هذا الدوي، الذي لا يوقظ احدا في الغرفة الا سواه (!!) ..

ظهرت يد الرضيع من تحت الغطاء، صغيرة ووردية اللون واخذت بين الفينة والاخرى ترتجف عند ملامسة خده. ابتسم وهو يشعر بالراحة تغمره فجأة. وللحظة تناول الطفل ووضعه على ذراعيه وهدهده برقة، وارتاح لهذه الفكرة. فهي فكرة رائعة, اب يهدهد ابنه ، انها لصورة قديمة قدم الحياة، ومتجددة في الوقت نفسه طالما ظلت الحياة، عندها شعر وحيد بالدفء يملأ قلبه وبالعاطفة تجتاحه.

عندئذ استيقظ الطفل واول ما استيقظ منه كان انفه الضئيل ، استنشق الهواء، وزفره بدفعات قصيرة وكأنه يعطس، ثم فرك انفه وفتح عينيه. كان لون عينيه يشبه لون الرخام الابيض وتشعان بنور صاف. سمع الدوي مجددا .. في الحال تبخرت فكرة الحياة الشاعرية حول علاقة الاب بابنه وضاعت معها رائحة الام الطيبة. وشعر بنفسه كمن انتزع من غلالة الافكار الحالمة التي احاط نفسه والطفل  بها في خياله.. وضع الصغير في مهده ونهض بحركة سريعة .. عندئذ بدأ الطفل بالبكاء، فرك عينيه بظهر احدى يديه الصغيرتين، فتح حلقومه الاحمر على اوسع مداه، واطلق عقيرته بالبكاء جعل وحيد يجفل فمد يده وتناول الطفل مهدهدا اياه وصارخا بصوت يعلو على صراخ الطفل: “دادا دادا” محاولا اسكات الطفل. لكن صراخ الطفل ارتفع وازرق وجهه وبدأ كأنه سيتوقف عن التنفس، الامر الذي جعل الدم يتجمد في عروقه.. تستيقظ الام فيناولها الرضيع.. ما ان يشعر بصدر امها ويسمع نبضات قلبها حتى يهدأ .. اما هو فانه يترك المنزل ويجلس وحيدا على كومة حطب ، كانت قد رتبت قطع الخشب فيها كمقعد ، كانت تفوح من طبقة الحطب رائحة كالتي تقع من احتراق بطئ. اما جدار المستودع فكانت تضوع منه في هذا الدفء رائحة الراتينج. جلس مادا ساقيه على كومة الحطب مسندا ظهره الى الجدار وعيناه مغلقتان ودون ادنى حراك، استلقى مثل دمية خشبية مثل بينوكيو.. يظل يفكر ويفكر..

يوميات وحيد #10

وجد نفسه محصورا من الآمه وتجربته العاطفية .. شعر بضيق نفس واراد ان يفضفض لاحد الاشخاص وكان هذا الشخص هو “امين خدمته”. لم تكن الفضفضة للفضفضة في حد ذاتها، ولا للتخفيف عن نفسه، ولا لطلب النصح حتى، ولكن كأنه يضيف بسرده لتجربته خبرة الى الخبرات السابقة لدى “مرشده الروجي”، الذي يثق فيه وينظر اليه نظرة اعجاب لكونه استطاع ان يحتفظ بحياة التكريس للخدمة الى هذا الوقت وقد تجاوز الستين من العمر.

في البداية تنهد بعمق وبدأ بلهجة حزينة كئيبة :

انني لن اسمح ان انجر واسقط فيما سقطت فيه هذه المرة!

– ماذا حدث؟

– تقدمت الى خطبة .. لقد كانت تجربة عاطفية قاسية.. ومع انني لم اتحدث اليها سوى عشرة دقائق على انفراد، الا انها لم تكن هينة. لقد شعرت ان قلبي قد انخلع من صدري.. وذكرني بالمرة السابقة ويبدو ان كل مرة اتقدم فيها لخطبة احداهن يزداد الامر سوءا. لذا سأكون حذرا الا يتكرر الامر ثانية.. لقد شعرت بألم حاد في قلبي طوال يوم كامل..

وفي النهاية ردد عبارة سمع احدهم يرددها “يا رب اشف نفسي”.

رددها هذه المرة بمذاقة جديدة.. وبشعور كامل بمعناها..

لقد تبدد مشروع الخطوبة بنفس السرعة التي بدأ بها. كما انه تبدد على يد نفس الاشخاص الذين ارادوا له ان يتم.. وهو امر يدعو للعجب! وانا اقصد بهؤلاء الاشخاص حما اخي “عم الفتاة” وزوجة اخي.. هم تقريبا من ارادوا لها ان تسكن في القاهرة جوار اخوتها..مع انهم يعلمون انني لا املك سوى بيت في الاسكندرية. وكذلك تبدد المشروع على يد اب اعترافي الذي نصحني ان اخذ شقة “ايجار قانون جديد” كما طلب عم الفتاة. وبعد ان وافقت عدت وعدلت عن نصيحته وقبلت نصيحة ابي الا اتحمل اعباء دفع ايجار شقة وانا لدي بيت.. هكذا استمعت لنصيحة ابي الروحي في امر ولم استمع في الباقي.. يجب ان امشي على مسار واحد: اما الطاعة الكاملة او تمحيص الامور بعقلي دائما؟

يقول البابا شنودة عن علاقة الانسان بالمرشد الروحي:

إذا شك إنسان فيما يكون خيراً. عليه أولاً أن يتروي حتي يتثبت. ومن الممكن ايضاً أن يسترشد بغيره.

يستشير شخصاً راجح الفكر وواسع العقل. وذا خبرة في مثل هذا الأمر. فيضيف إلي عقله عقلاً. وربما يطرق معه زاوية معينة. أو يعرض له بعض ردود الفعل.

من أجل ذلك أوجد الله المشيرين وذوي الخبرة والفهم. كل منهم دليل في طريق الحياة. كما أوجد المربين والحكماء. وجعل هذه المشورة أيضاً في مسئولية الوالدين والمعلمين والقادة. وكل من يؤتمنون علي التربية والتوعية والإرشاد.

ولكن يُشترط في المرشد الذي يدل الناس علي طريق الخير. أن يكون هو نفسه حكيماً. صافياً في روحه.

وينبغي أن يكون هذا المرشد عميقاً في فهمه. لئلا يضل غيره من حيث لا يدر ي ولا يقصد. فقد قال السيد المسيح “وأعمي يقود أعمي. كلاهما يسقطان في حفرة”.

حقاً ما أصعب السقطة التي تأتي نتيجة أن يتبوأ إنسان غير مؤهل مسئولية الارشاد. فيضّيع غيره. فلا يصح إذن أن يسرع شخص باقامة نفسه علي هداية غيره. نتيجة ثقة زائفة بذاته.

لذلك كان كثيرون من المتواضعين يهربون من مراكز القيادة الروحية. عارفين ان الشخص الذي يقود غيره في طريق ما. أو ينصح غيره نصيحة ما. إنما يتحمل أمام الله مسئولية نصائحه وإرشاداته.

فعلي الإنسان حينما يسترشد. أن يدقق في اختيار مرشديه:

ولا يسمع لكل قول. ولا يجري وراء كل نصيحة مهما كان قائلها. ولا يتبع الناس بل يتبع الحق. لأنه “ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس” فنصائح الناس يجب أن تكون موافقة لوصايا الله.