انت الساعة سابعة مساءا، والسكون يخيم على ارجاء المكان، حين بدات وابي الراهب تضرب باقدامنا في رمل الصحراء، نتمشى حينا ونقف حينا، متاملين في موضوعات اسمى من ان يكتبها قلم بشري.
قلت لابي: الهذا السبب قال المسيح في مناجاته مع الاب “وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني”؟
بالحق يا ابني، فان الله خلق الانسان في مجد. ان سألت اي انسان الام تتطلع؟ ستجد اي اجابة من وراءها هذا الرد “اسعى للمجد”. لانه ما من انسان يسعد بان يكون حقيرا. الملوك يسعون نحو المجد، الشهرة يقف من خلفها المجد، وكذلك الغنى ومحبة المناصب والرئاسة.
اذا اليست هذه شهوات تؤدي للهلاك؟
يجب ان نميز بين نوعين من المجد. الاول هو ما ذكره نص الاية السابقة. والثاني، هو ما ذكره الانجيل عن اليهود الاشرار “انهم احبوا مجد الناس اكثر من مجد الله”.
واكملت على ابي: وخير مثال على عاقبة طلب مجد الناس هو ما حدث للملك هيرودس لم يعطي المجد لله “فضربه الملاك وانتن وصار ياكله الدود”.
قال ابي: بعض الخطاة يقول دعني اتبع شهوتي وسأتحمل العواقب. لكنهم متى اتموا شهواتهم يندمون ويتمنون لو امكنهم لو عادوا بالزمن للوراء حتى لا يتلوثوا بمتع الخطية.
هذا عن الاشرار. وماذا عن الابرار؟ هل يتمنون لو عادوا للماضي ام انهم يحترقون شوقا لبلوغ المستقبل اي مجد الدهر الاتي؟
يمكننا القول ان الدهر الاتي يلقي بظله على حياة الجميع هنا. كلا الامرين يبدآن هنا في هذه الحياة، حتى قبل الموت. يبدأ ماضي الانسان الطيب يأخذ البار نحو غفران خطاياه ولا يتذكر الاحزان، ويبدأ ماضي الشرير يتطابق بالفعل مع شروره ليملأه كآبة.
وتنهد وهو يقول: ولهذا السبب سيكون لسان حال الابرار في النعيم “اننا لم نحيا مطلقا الا في الجنة”. وسيقول الضائعون “لقد كنا دائما في الجحيم”. الملكوت والجحيم كلاهما يبدان هنا على الارض.
اليس هذا شديد القسوة؟
لا. يقول العلماء ان الانسان اسير ما يفعله وانه يميل الى مساره. وهذا ما علمنا الوحي ايضا “من هو بار فليتبرر بعد. من هو نجس فليتنجس..”
اذن الجحيم والنعيم ما هما الا حالة ذهنية.
وجدت ابي تغيرت نبرته وقال في حدة: اصمت. انك تجدف. النعيم ليس الا حالة ذهنية؟ كيف ذلك. النعيم هو الجقيقة ذاتها. وكل حقيقة هي سماوية لانها ثابتة.
وتهدج صوته وظهر عليه اسى شديد وهو يقول: اما الجحيم؟
وصمت لحظات حتى زال انفعاله الى حد ما ثم قال: بمرور الوقت تصبح المتعة ولذة الخطية التي عاشها الاشرار اقل فاقل، والشهوة تتوحش وتتوحش. ان الشرير يسعد بملامسة شهوة لا تقاوم على ان تؤخذ منه.
ثم صمت لبرهة:
ستفهم ان هناك اشكالا لا تعد ولا تحصى لهذا الاختيار. كان احدهم يجول البلاد ويؤلف الكتب عن أدلة وجود الله..
ووجدت نفسي اقول: يا للروعة كم أحب الدراسات والابحاث.
فنظر الي باستغراب:
وهل تعتقد ذلك حقا؟
لم لا؟
نظر اليّ مجددا نظرة ثاقبة متفحصة. وحيد، هؤلاء الباحثون اهتموا باثبات وجود الله دون الاهتمام بالله ذاته. وكان الرب العظيم ليس لديه ما يمكن ان يفعله سوى وجوده. لقد كان هناك البعض ممن انشغلوا بنشر المسيحية للدرجة التي لم يفكروا فيها بالمسيح ذاته.
قلت: لقد رأيت البعض فعلا. اعرف اشخاصا يقومون بتنظيم اعمال البر والتبرعات ولكنهم فقدوا حبهم للفقراء بل عاملوهم بازدراء.
مدفوعا برغبة في تغيير الحديث:
دعنا نبعد عن السلبيات للنظر الى الابرار ونتمثل بسيرهم.
عن رواية: الطلاق العظيم، س. لويس