انا الذي يجب ان تتعذب!

كانت تقطن في عشة قريبة مني، وقد جعلتنا الحياة جنبا الى جنب، ليل نهار، نرتبط سويا بشدة. كانت العشة التي تقطنها مثيرة للاشمئزاز، وفي كل مرة احاول ان اساعدها في كنسها تمنعني وتأخذ من يدي المكنسة. كانت دائمة مرهقة فهي كثيرة الانجاب لاطفال غالبا ما يموتون في ايامهم الاولى.

في صباح يوم وجدتها ملقاة على الارض وكدمات تملأ وجهها وعيناها تدميان، وجسدها منهار من الاعياء. وحين سألتها عم ألمّ بها، اخبرتني ان زوجها قد اوسعها ضربا بقبضات يديه، دفعها الى الباب المصنوع من بقايا الصفيح القديم.

صرخت بغضب: لا يمكن ان يستمر هذا الوضع. يجب ان تأخذي الاولاد وتتركي له البيت وتعيشين عند اهلك..

قاطعتني: لا، لا يمكنني.. ونظرت الى اطفالها الاربعة و قالت بعينين تملؤهما الدموع: ان اطفالي يحبون والدهم وسيتعذبون اذا ابتعدوا عنه”.

واردفت: انا الذي يجب ان تتعذب”، وهدهدت مولودتها الاخيرة، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عبرت عن سلام قلبها.

امسكت عن الكلام للحظات وكنت اتطلع الى وجهها المتورم، ثم احتضنتها وقلت لها: “اختى انت بطلة”.

ولكنها لم تفهم قولي لانها كانت تشعر انه من الطبيعي ان تذوق الالم ولا ينال اطفالها اي سوء. كانت تضحي بنفسها من اجل سعادتهم.

لقد طرحت علي نفسي هذا السؤال:

“هل سبق لي ان فكرت في هذا، هل علىّ ان اتعذب حتى يسعد الاخرون؟”

عن كتاب “اعترافات راهبة” – السيرة الذاتية لحياة الاخت ايمانويل الراهبة الفرنسية الحاصلة على الجنسية المصرية.